هُنـاك
عدنان حسن العماد
لَمْ تعُد!
لِمَـاذا؟
هل أسدل الظلام عليك أستاره
فقررت المبيت هناك؟
ما يزال صدى شخيرك يشعرني بالأمان
وصورتك أمامي... ماثلة
جبينك الذي أعد خطوطه
ووجهك الذي أحفظ قسماته
وحتى أُذناك... وعنقك
قدماك ويداك
كل هؤلاء الذين عاشرتهم ردحًا
لم يعودوا في متناولي.
***
لقد شدك العشق الذي ما فتئ يسرقك منا
إلى الروابي
والسهول التي تلتحف الأنهار
والسمو الحضاري
دفعك إلى الرحيل
أنياب البؤس
فتركتني وحيدًا أصارع الطوفان
وأخالني سأغرق
لم أعد أحتمل... لقد أنهكت.
***
لِمَ لم تأخذني؟!
حيث أنـــت
حيث السماء زرقاء
والشمس نحاسية
والألوان على طبيعتها... لا شيء باهت
وحيث الأمطار ما تلبث تنهمر
والخضرة تكسو الأرجاء
حتى حدقات العيون.
***
هنــاك
حيث استغني عن تلميع حذائي
وترتاح ثيابي من العصر اليومي
هنــاك
حيث لا أضطر إلى طهي طعامي
وتعلم (الميكانيكا)
والسباكة
والطباعة
وإتقان دور الشرطي
ومزاولة الإسفاف... والابتذال.
هنــاك
حيث لا أحد يبدل جلده
ولا يجبر على الإبتسام... والتحية والكلام
هنــاك
حيث لا يحتاج المرء إلى قبيلة ليحيا سالمـًا
ولا إلى حقين في صدره
ليغدو مقربًا.
هنــاك
حيث تصحو وفي عينيك الضوء فلا تتململ
وفي قلبك الحماس فلا ترتكس نائمًا
تقضي عطلة الأسبوع
دون أن تضطر إلى الكد.
هنــاك
حيث يكون لديك فضلة رغد
فتزور مدنًا
ما تزال تعيش بلا عقل
فتطعم جوعاها
وتعيد صغارها إلى المدارس
وتعلمها كيف تغسل أدرانها
وتستل كرامتها
وتصنع خبزًا
وتمسك بخيوط الشمس.
وهنــاك
حيث يمكنني دفن رأسي
وآلام دهور
في حجـرك
والاستئناس بصوت شخيرك
أبتِ؟!
أم هل تظنني لا أعشق الحرية؟!
*** *** ***