ليتَ للمرأة مثلَ حظِّ الدلافين!

 

فاطمة ناعوت

 

قبل يومين كان اليومُ العالميُّ للمرأة، 8 مارس. في الولايات المتحدة الأمريكية، عائلةٌ ليبيرية تبرأت من صغيرتها لأن أربعة من "الصغار" اغتصبوها! الحكاية أن طفلةً لها من العمر ثمانية أعوام (!)، غرَّر بها بعضُ صِّبية تتراوح أعمارهم بين التاسعة والأربعة عشر. قدَّموا لها قطعة علكة (لِبان، كما نسميه بمصر)، واستدرجوها إلى حيث مكان ناء، ثم تناوبوا اغتصابَها! كلُّ ما سبق رديءٌ ومُخجلٌ، ويشي بأن خيطًا من الجمال والبراءة والسُّموّ ينسحبُ من بساط كوكبنا التعس. فالمعتدون ليسوا إلا حِملانا صِغارًا تحوَّلوا في لحظة خاطفة إلى ذئابٍ بأنياب بارزة! ما سبق محضُ رديء، لكن الموجعَ والمدهشَ بحقٍّ، هو ردَّة فعل أسرة المغتصَبة. إذْ أعلن الأبوان للشرطة، التي ألقت القبض على الجناة، أن الطفلة أساءت لشرف العائلة، وأن لا محلَّ لها في البيت بعد الآن، وعليها أن تبحث لنفسها عن مأوىً! فتولَّت أجهزة الخدمة الاجتماعية في فينيكس الاهتمام بالطفلة، بعدما أعلنت السُّلطات أن القانون لا يمكنه ملاحقة العائلة قضائيًّا!

ونقرأ في جريدة عكاظ بتاريخ 11-8-2008، عن عروس تبلغ ثمان سنوات، وعريسها الخمسيني ذي الزوجتين، وأن الزواج تمَّ مقابل سداد ديون والد الطفلة! ونقرأ عن شيخ سبعيني بمدينة حائل رضخ لضغوط قضائية لتأجيل دخوله بزوجته، ابنة العاشرة، لمدة خمس سنوات حتى تنضج، ورفض خمسينيٌّ آخر التراجعَ عن قراره بالزواج من طفلة في السادسة، قائلاً إنه لا يرتكب محرّمًا، ذاك إن الشرعَ لم يحدد عُمرًا للزواج! ونقرأ كذلك عن صَبيَّة مراهقة حاولت الانتحار ليلة زفافها إلى عجوز في الخامسة والسبعين، مقابل أن يتزوج أبوها من ابنة العريس ذات الثلاثة عشر عامًا! وفي الطائف، زوَّج أبٌ، لم ير ابنته أبدًا، لأن جدَّتها هي المتكفلة بتربيتها، زوَّج طفلته بنت العاشرة من شيخ في الستين مقابل 30 ألف ريال، ثم قرَّر العريسُ استرداد ماله لكي يطلِّقها، وحين رفض الأبُ، تبَّرعتِ الأميرةُ جوهرة آل سعود بردِّ المبلغ.

وفي الأردن، سنَّتِ الحكومةُ قانونًا يرفعُ سنَّ الزواج من 15 إلى 18. والمدهشُ، والموجعُ أيضًا، أن القطاع النسائي في حزب جبهة العمل الإسلامي، هنَّ اللواتي رفضن هذا القانون! متعلِّلاتٍ بأن ذلك من شأنه أن يزيد مشكلة العنوسة تفاقمًا! وعلى النقيض من ذلك، في اليمن، تظاهر مئاتُ الفتيات أمام مقر البرلمان في صنعاء، للمطالبة بتشريع يحدِّد سنَّ الزواج بـ 18 عامًا، للحدِّ من ظاهرة زواج طفلات دون العاشرة بأثرياءَ عجائزَ، يفيدون من فقر الصغيرات اليمنيات، فيما يُعرَف بـ"الزواج السياحي"! بيانٌ قُوامُه مليون توقيع من كافة أوساط المجتمع اليمني قدَّمته المتظاهرات لمندوب البرلمان، يكرِّس رغبتهن فيما تقدَّم. سوى أن نوَّابًا أصوليين، وعلماءَ سلفيين، أعلنوا رفضهم ذلك المطلب "الإنساني العادل"، تحت زعم مخالفته الشريعة الإسلامية! وفي كينيا ثمة قاض متقاعد تلك يمينه سبعَ زوجات، أنجب منهن خمسين ابنًا(!)، يعجزُ تمامًا عن تذكُّر أسمائهم، وطبعًا، تواريخَ ميلادهم وأسماء أمهاتهم! والطريفُ، والموجعُ، أن تلك الزوجات لا يجدن أية غضاضة في تعددهن، فهنَّ، لو لم يوافقن سيتم تطليقهن!

يحدث كلُّ ترويع الأنثى ذاك، ونهش لحم الصغيرات، قبل حتى أن يتشكَّل وعيهن بأجسادهن وحقهن الإنساني في حياة كريمة، والتعامل معهن بوصفهن سلعة رخيصة لا قيمة لها، يتم بيعها وإبدالها واستبدالها والمتاجرة بجسدها، وقمعها وضربها وإذلالها، والأخطر قاطبةً هو تواطؤ المرأة ذاتها على نفسها، يحدث كل هذا في أرجاء العالم، فيما دراسةٌ حديثة تتمُّ الآن في واشنطن بأمريكا، على يد "لوري مارينو" العالمة البيولوجية المتخصصة في طب الأعصاب والنفسانيات بجامعة إيموري الأمريكية، تنادي بالتوقف عن استخدام الدلافين كأداة ترفيه بحرية؛ مؤكدةً أن تلك الممارسات تؤذي مشاعرَ تلك الحيوانات الذكية ذات الشخصية! قالت إن توسُّل الحيوان في متعة الإنسان والترفيه عنه، ليس إلا ممارسةً غير أخلاقية يجب التوقف عنها عالميًّا على الفور، لأن من حقِّ تلك الكائنات الطيبة الحياة باستقلالية وكرامة، دون التعرّض للصدمات النفسية!

وفي يوم المرأة العالميّ، أولَ أمس، سأضعُ على لسان المرأة، (بتصرّف)، بيتيْن من الشِّعر، هتفتْ بهما "ليلى بنت لكيز بن مُرَّة"، تستصرخُ أخاها "البرَّاق"، ليدركَها وينقذَها من القهر والاغتصاب على أيدي قُساة القلب. تقول النساءُ: "ليت (للأخلاق) عينًا فترَى/ ما نلاقي من بلاء وعَنا/ عُذِّبَت أختُكمُ يا ويلكم/ بعذاب الفكر صُبحًا ومَسا". وفي يوم المرأة العالمي، أرفعُ دعوتي للسماء: ليتَ للنساء مثلَ حظِّ الدلافين!

*** *** ***

جريدة الرؤية، عُمان، 10-3-2010

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود