لغاتٌ، ليس إلا...
دارين أحمد
لـغـات
ترى، من يعيد للشمس ابتسامة
أطفأها انصهار إنسان في آلة
واشتعال فردٍ من الحمى
كان قبل ساعات يهلس بالضجر؟
سَمِّه سمًّا نزفته الطبيعة حين جرحتَها
بلغة لا تمرُّ على ثلج المدينة دون هتاف
ولا على نارها.
سَمِّه أنتَ الجالس على تلِّ التراب
بجذورٍ تختفي.
لو أني المساء الذي ألقيتَه في لعبة الخطة
لو أني الليل يعيدُ إليكَ بعض أشباح
لو أني الصباح المتعرق والمشنقة؛
لتمنيت أن أعود عنقًا يشرئب...
وينتحر.
ما أنت الذي أخرجت عصا ساحرٍ من فمك،
ما الساحر الذي عاد واستقلَّك حائرًا في الطريق،
ما الطريق الذي ابتلعه مكان ضيق يحتضن فيه السهم انتحاري؛
سوى عويل مشرَّدٍ
قد كان قبل ساعات يهلس بالضجر.
يُظَنُّ إن لم تسمي الأشياء فقدتها
وأنت أفقدتك الأسماء أشياءك،
وأعطتك ملاعبًا وحنجرة قوية مثل سهم
تصيب البعيد، تصيب القريب.
لذا تمرُّ فوق الحد بقفزة بهلوان
ولا تقول يومًا "قَتَلتُ".
* *
*
إشراق
عندما لم تكنْ،
والليل يجمع قبضة من رملٍ،
ساهيًا،
ورأيت كيف انحنى نجم على نجم
وتخلقت منهما إلفةٌ
وأنفاس لفحت وجنتيك،
ولم تخف
أو ترتجف؛
أفقتَ، ومن قبل كنتَ مأسورًا في صورة
صمتَتْ الآن وأنتَ صمَتَ.
* *
*
فكر
تقفُ على غصن شجرةٍ مثل دوري
لا يهدأ،
أو مثل نسر يسكن التركيز في عينيه،
أو مثل غراب يختار الغصن الأعلى
يراقبُ ويتحدى التآلف الموسيقي بفكاهة
تقترب من السخرية؛
لكنك دائمًا تحجب الشمس عن وجهي.
* *
*
علاقة
كم أود شنق قطة بريئة
بجسد أفعى برئية
أيضًا.
وكم أود لو أن أصابعي القابضة على الجسد المستدير
السكرى بالسم البطيء،
والمستديرة أيضًا،
تتراخى لتمنح القطة البريئة فرصة أخرى.
* *
*
ذاكرة
جالسة مثل عمود ثقيل
يتقاطر منه الوقت وتتقاطر الأمنيات الثقيلة
مثل برك عجينية تتخلق فيها كائنات
وأصوات
وآلهة
تمشي على الأرض خفيفةً
مثل دوريٍّ يقفز على جلدها الصامت
وبين القفزة والأخرى تفتح الأرض فمًا وتغلقه.
* *
*
عشق على بابها
سأضعكِ في لغز تنصفه الحيرة اللاعادلة،
لغزٍ مسكينٍ تملأ فروة رأسه الأفكار،
تتساقط منه الفتات العفنة ذوات الروائح المسلية.
وسأغمضُ عيني المنفرجتين مثل استجداء
وأراك تبصقين دمًا أزرق
وترغبين أن يدوِّخك الشارع مثل نبيذ جيد.
الناسُ العابرون ببطء، بثقل، يخترقون شبحيتك المثلى،
وأنت تبتسمين أحيانًا ولا تعرفين الفرح.
وهكذا، لأنك ملتاعة مثل جثة
وحكيمة مثل سلحفاة.
لأنك واعية أن موتك ليس موتًا
وأن الوقت لا يقربك إلا متيممًا.
لأنك واعية أنك ذائقةٌ حمامك الشمسي بترف
وأن نارك المسروقة منك قد انطفأت في الطريق؛
سأفقأ عيني المنفرجيتن، مثل استجداء، أمام عماءك.
انظري إليَّ أيتها المرمية تحت الشمس التي تعشقين
أيتها المعبودة في الأفواه المكممة
في الأصداء الرمادية لأشباح الحيِّ.
انظري إليَّ أيتها المعطاءة من جسدك لأسنان الشره قلبك.
انظري إلي وأنا اقترب من دمك المتخثر
والتصق بظلك المتموج مثل علقة.
انظري إليَّ وأنا أبدد الخدر والموت، وأبددك.
هل تشمين رائحة انتشائي؟
هل ترين نزيف التكهن في خلاياي؟
هل تسمعين ارتطام العقل بالمعجزة؟
أم أنني فقط معلقة في حبالك
في شباك العنكبوت الخرف.
* *
*
أسر
كيف يجيب أولئك السحرة ذوو العيون الضيقة؟
كيف يجيبون ليخر الناس على سجادهم طاعنين في الأسى؟
فكرتُ بالأمل رجلاً جميلاً يقص لحيته
ويجمع الثمرات الساقطة
لكنني عدتُ بأثمال فضفاضة علقتني في الفراغ.
لا تسأليني، صديقتي، عن الأفق المعبأ بالنساء
كلغم واسع لا ينفجر.
لا تقفي أمامي مثل حجر بريء يتعثر به ذوي الخطوات البطيئة
فأنا أريد أن أمشي على مهل،
أن أرى الأشياء وأسأل من يضعون حجارة الشطرنج: كيف غششتم الحد؟
كيف أغلقتم الأبواب الواسعة، والفضاء الكروي؟
لا انتظر أحدًا
لا أجمع الورد لأحد
لكني أحدق في الجدار
بعيون محفورة
وأجفان ترتعش.
* *
*
اكتفاء
لا أحد يسمع حيوية الموت المتفجرة
إلا وأسرى به البراق
حيث الأنبياء يسكرون من رذاذ الله.
عيونهم المسبلة مثل الستائر تهمهم للريح فقط
والطاعنون في التراب يخطئون الظن
يقلبون الحجارة علَّ الماء يخترق الحجاب.
قانعةٌ أنا بقصيدة البحر
راضية بالنبع الأكثر امتلاء في الشتاء
وعندما يهطل المطر لا أريد أن تحدثني فقاعات الماء الطينية
عن أرحامها.
* *
*
مـارد
نقضمه: هذا الفراغ المديد.
شفاهنا تتحرك كشياطين صغيرة
وأعيننا جبل جليدي ينتظر السفينة.
قالوا جَدَّفَ حتى ضاعت معالمه
فهو وبحره شيءٌ واحدٌ نتنٌ.
أخرجتُ رائحة تفسخه من صدري
طعنتُه كي يلوح خيط الدم مثل لؤلؤات،
كي يجد طريقه نحو العجوز الشمطاء غصبًا،
وكي أستقبله عند الباب ومسبحة في يدي
تكر أسماء الله كي يتذكر
ذاك الفراغ المديد.
***
*** ***