|
الإسلام هو اللاعنف
تسحرك السيدة سحر أبو حرب منذ اللحظة الأولى للقائك معها على أكثر من صعيد، فهي تدهشك بثقافتها، وتأسرك بتواضعها، وتفتنك بجرأتها في تناول ما يتهرب من تناوله كبار المفكرين الذين بدأوا يحنون قاماتهم أمام المد الأصولي المنتشر في أرجاء المنطقة. فتنسى معها الوقت ويمتد الحوار معها ساعات دون أن تدرك أن لديك مواعيد أخرى والتزامات وأشغال. وتسأل نفسك: أين كانت هذه السيدة منذ سنوات؟ ولماذا لا يتاح لها الحديث في القنوات الفضائية التي تستضيف "علماء" ومشعوذين ومتطرفين ومحرضين على العنف والقتل والتدمير، لتزيل الصورة المغبشة التي رسمها هؤلاء عن الدين الإسلامي؟ لسحر أبو حرب أربعة كتب في إعادة فهم الدين الإسلامي، وإقامته على أساس واحد: اللاعنف. كتابها الأول كان لا تكن كابني آدم لا قاتلاً ولا مقتولاً، ونشر في العام 1998. ثم كان كتابها الثاني العنف عند ابني آدم، عام 2000، وكتاب دار السلام عن شروط الجهاد والمجتمع المدني عام 2004، ثم عملها المدهش معادلات قرآنية عام 2008، والذي تبسط فيه الدين الإسلامي من خلال معادلات رياضية لتصل إلى نتائج مذهلة منها أن الشرك بالله هو إشراك العنف مع العقل، فإن أنت استعملت عقلك فأنت موحد وإن أنت استعملت القوة العنفية فأنت مشرك. ولها أيضًا مجموعات قصصية وأعمال مسرحية وعمل نثري جميل هو من ذاكرة عشتار. و. س. * * * وائل سواح: سنبدأ أولاً بسؤالنا عن كوكب اللاعنف والذي يتألف من مجموعة من الأصدقاء الذين يؤمنون بمبدأ اللاعنف، كيف بدأت فكرته وتطورت وإلى أين وصل؟ سحر أبو حرب: أنا أدين بكوكب اللاعنف إلى الشريط الإخباري الذي يعرض أسفل شاشة التلفزيون. يمر هذا الشريط أمام أعين الناس في كل أنحاء الكرة الأرضية، مائتا قتيل هنا وألف هناك، جرحى، مفقودين، وكوارث أخرى كثيرة لا تنتهي. هذا الكوكب أصبح كوكبًا عنيفًا ومليئًا بالكوارث وأصبح كوكبًا دمويًا. من خلال هذا الشريط الأخباري خطرت لي فكرة أن أقوم بعمل يخالف ما ينشر في هذا الشريط، أنا ومجموعة من الأصدقاء. وكان هدفنا أن يكون هناك كوكب من دون عنف. بدأت الفكرة مع أربعة أو خمسة أشخاص يهتمون بموضوع اللاعنف: الأستاذ عمر الطحان، مؤلف كتاب عفوًا أيها العنف، السيدة فريال الشويكي والأستاذ عبدو التشة الدكتور فرحات الكسم، وهما خطيبا جمعة متنوران نادران في بلدنا، والدكتور جمال جمال الدين مؤلف كتاب الإنسان الفعال. اجتمعنا أول مرة وتحدثنا عن مفهوم اللاعنف: كيف أستطيع أن أفهم أنني لاعنفي؟ ولماذا أكتب هذه الكتب وماذا أقصد منها؟ ومن ثم تتالت اللقاءات. لكننا وجدنا أن هناك الكثير من الناس يؤمنون باللاعنف ولكنهم لا يفهمونه جيدًا. لقاءاتنا هي التي فتحت لنا الطريق الواضح لنستمر، واكتشفنا أننا في حاجة إلى نشر ثقافة غير موجودة إطلاقًا، ولم تعرف من قبل، وهي ثقافة اللاعنف. هذه الثقافة هي ثقافة (السلام). السلام مع الذات والسلام مع الآخرين ومع البيئة ومع الكون بشكل عام. كتابي الأول، وهو بعنوان لا تكن كابني آدم، صدم المفكرين. الناس الذين يؤمنون باللاعنف يعتقدون: أن أموت مقتولاً يعني أنني أؤمن باللاعنف، لكن عندما أبقى حيًا وأترك الطرف الآخر حيًا، وعندما أحب الطرف الآخر إلى الحد الذي يجعلني أخاف عليه بعد موتي أن يحمل إثمي، هذا هو اللاعنف الحقيقي. أنا لا أريد أن يقتلني أحد كي لا يبقى، بعد أن أموت، حاملاً لهذا الذنب ويشعر بالإثم لأنه قتلني، فأنا أحبه إلى ذلك الحد. أريد أن نحيا سويًا وألا يعاقب وينظر إليه بازدراء لأنه القاتل، ولو كنت أنا المقتول. بعد ذلك كبرت الفكرة، وبدأت أفكر أن كل إنسان معتد هو إنسان غير سوي بدليل أن الإنسان السوي لا يعتدي على أحد. على سبيل المثال، إذا اعتدى عليّ شخص في الطريق، ضربني أو سرق محفظتي، أنظر إليه على أنه غير سوي ومن غير المنطقي أن يكون سويًا، فالسوي لا يعتدي على أحد، والأكثر سواء لا يفكر حتى برد الاعتداء. فالمسلم إنسان لا يؤذي أحدًا، والإسلام هو اللاأذى الذي يساوي اللاعنف. بهذا الشكل بدأت أمور اللاعنف تتوضح أكثر فأكثر، وبدأنا في نشرها فيما بيننا. و. س. : قلت في أحد كتبك إن هنالك دينين فقط في العالم. س. أ. ح. : بعض المثقفين يبسطون فكرة اللاعنف، باعتبارها كلمة بسيطة، وهذا خطأ، لأن فكرة اللاعنف تزعزع أفكارنا القديمة وما ربينا عليه. لدينا في الإسلام خمس فرائض، وأنا أقول إن اللاعنف هو الفريضة السادسة، الفريضة المسكوت عنها والتي لا يتحدث عنها أي مفكر أو "عالم"، وهي الفريضة الأولى وليست السادسة. وما يهمني هو أن يبدأ الإنسان بالتفكير باللاعنف كفريضة أخلاقية يهذب نفسه بها. نعم، أؤمن أنه يوجد في الدنيا دينان فقط هما: دين العنف ودين اللاعنف، دين الرشد ودين اللارشد، دين العقل ودين اللاعقل؛ فإما أن أكون إنسانًا عاقلاً راشدًا وإما أن أكون جاهلاً متخلفًا ظالمًا لنفسي ولغيري. في كتابي الأخير معادلات قرآنية استطعت أن أجد في القرآن الكريم لغة اللاعنف كي أقنع الإسلاميين باللاعنف. في بداية الأمر كان هذا صعبًا للغاية ولكنني وجدت في القرآن الكريم آيات كثيرة تؤيد فكرة اللاعنف التي أبحث عنها لغويًا وفكريًا وفلسفيًا، فاستخرجت هذه الأفكار وبدأت أضع بينها علاقات رياضية. هناك آيات في القرآن الكريم تحث على الجهاد. تبين لي من خلال تمرسي بقراءة القرآن أن هذه الآيات التي تتحدث عن القتال وعن الجهاد هي آيات تتحدث عن حوادث معينة مرَّ بها الرسول (ص) في حياته من خلال غزواته. هذه الحوادث هي قصص مرت عبرة لنا وليس من الضروري أن نخرج منها بأحكام ثابتة. الكثير من الآيات تحمل تاريخها معها، فهي ليست من آيات الأحكام. في ذلك الوقت كانت الحرب مختلفة، تقع على ساحة صغيرة لا تتجاوز كيلو مترًا مربعًا، فيها بعض الفرسان والسيوف. هذه كانت الحرب أما الآن فالحرب أصبحت معقدة أكثر، فالعدو غير معروف والأسلحة غير معروفة. كل شيء غامض. لا يمكن أن أدخل في طريق ضبابي. ماذا تعني الحرب؟ تعني نساءًا أراملاً وأطفالاً يتامى وأمراضًا نفسية وأرضًا محروقة وأبنية مهدمة ونقصًا في الأدوية والمساعدات الطبية. الإنسان العاقل يفكر فيما بعد قراره، ونحن للأسف الشديد لا زلنا نطرح لغة العنف.
و. س. : كيف يتقبل زوار الكوكب فكرة اللاعنف؟ س. أ. ح. : في البداية يستغربون أفكارنا لأنهم تربوا على ثقافة العنف والثأر وفلسفة "إذا ضربك اضربه". يأتي الكثير من الناس إلينا ويسألون عن المقاومة: ماذا تعني؟ بالنسبة لي، أن أقاوم يعني أن أكون ذا مناعة عالية، وأن أكون متماسكًا من الداخل، أن أكون إنسانًا كما قال السيد المسيح "إذا وقع علي أحد إرتض وإذا وقعت على أحد إرتض". إذًا المقاومة هي التمكين والتماسك الداخلي الذي لا يجعلني أرد الأذى لمن آذاني. إذا ضربت من ضربني، فماذا أكون قد عملت؛ أحببت من أحبني ماذا فعلت؟ يسألوننا أيضًا عن الفعل ورد الفعل، وأنا أقول ليس من المنطقي أن نرد الأذى بالأذى. هناك فعل ورد فعل وهناك فعل واستجابة، والقرآن الكريم ميّز بينهما. عندما يكون لدينا مريض، وأعطي المريض دواء ثم تعرض هذا المريض لردة فعل إذًا فهو ميت حتمًا، ولكن إذا أعطيته الدواء واستجاب له فهذا يعني أنه سيحيا. ثمة آية في القرآن الكريم تقول: "يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم". فإذًا، الاستجابة حياة ورد الفعل موت. وللأسف حياتنا تقوم على الفعل ورد الفعل، وليس على الاستجابة. و. س. : إذًا لا يوجد حرب من أجل قضية عادلة؟ س. أ. ح. : القضايا كلها نسبية، نعم هناك قضية عادلة وهي أن يبقى كل الناس أحياء ومحترمين في حياتهم، يحصلون على الحياة الكريمة من التعليم والحكمة والدواء والعلاج، هذه هي الحرب العادلة. وهذه الحرب، إذا أردنا أن نصل إلى نتائجها، لا تدور بالأسلحة إطلاقًا، بل تقوم على المفاوضات الفكرية العاقلة. المشكلة: عندما نلجأ إلى الحوار لا نعرف لا كيف نتحدث ولا كيف نحاور ولا ندرس فن الحوار. الحوار فن وعلم وليس أدبًا وأخلاقًا، وهو اختصاص، وهناك أناس قادرون على قول جملة بليغة واحدة يأخذون كل حقوقهم من خلالها، وهناك أناس، حتى ولو كان الحق معهم ظاهرًا بينًا بجملة واحدة، يستطيعون أن يسقطوا من يدهم كل ما يملكون. القدرة على الحوار، العلم بالحوار وفهم الآخر. عندما نريد أن نحاور الآخر لا نعرف عن الآخر شيء. حتى الآن على الفضائيات ترى الشيوخ يتحدثون عن الإسلام للغرب وكأنهم يتحدثون لنا. الإنسان الغربي له نظام فكري وله الحق بأن يكون له نظام فكري مختلف كما لي الحق بذلك. إذا أرت أن أحدث الآخر عليَّ أن أحدثه من خلال نظامه الفكري ومن خلال لغته، واحترم كل ما يتهمني به. القدرة على استيعاب الآخر والرضا به، أيًّا كان، واحترامه على الأقل، بما هو إنسان أمامي. أنا انطلق من هذه النقطة، ولو وجدت بيني وبينه ولو 5% مشترك أبني عليها. الإشكالية الكبيرة في الحوارات التي تتم أننا دائما نبدأ بالخلافات ونوسع شق الخلافات. و. س. : هل للحقيقة وجه واحد؟ س. أ. ح. : أكثر الناس عنفًا من يعتقد أنه على حق. يكفيني أن أعتبر نفسي على حق والآخر على باطل حتى أكون عنيفًا بحق نفسي وبحق الآخرين. لم نتعلم احترام وجود الآخرين ووجهات نظرهم، فنحن مستكبرون بأموالنا وأنسابنا وأفكارنا وبأبسط ما نملك. وكل هذا الاستكبار مرض. ومن هنا أقول إن العنف مرض. ومن الممكن أن يعالج، وعلاجه بحاجة للمثل الأعلى. ويمكن للمثقفين والمفكرين ووسائل الإعلام أن يلعبوا دورًا في ذلك. وأنا أصر على أن يدّرس اللاعنف على أنه فريضة في كتب الديانة الإسلامية والمسيحية، وأن يكون مادة تدرس في المدارس، وخاصة المدارس الابتدائية. جميع التلاميذ في المدارس لديهم هذا السؤال: إذا ضربني صديقي في الباحة ماذا أفعل؟ هناك حديث للرسول (ص) يقول: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" ونصرة الظالم هي بأن نأخذ على يده وأن لا نتركه ليظلم، وذلك بتعليمه وتنويره وإفهامه مبدأ اللاعنف. نحن نساعد بعضنا على الظلم مع أن هناك سباقًا بالخيرات في القرآن الكريم، وتنافس على العمل الصالح. والمسارعة على فعل الخير وبدون أجر، هذه الثقافة غير موجودة لا عند الأمهات حتى يعلمن أطفالهن، ولا في الكتب المدرسية حتى يتعلمها الطفل، ولا تبث على التلفاز ولا في الجوامع ولا في الكنائس؛ فكيف سيكون الإنسان بهذه الأخلاق؟ من أين سيأتي هذا الإنسان الذي يريده الله لا غالبًا ولا مغلوبًا، لا ظالمًا ولا مظلومًا، لا فريسة ولا ضحية؟ وفي القرآن الكريم، في قصة قابيل وهابيل، لا يريد الله أن تكون لا هذا ولا ذاك، بل يريدك أن تكون أنت، إنسانٌ خير منهما، إنسانٌ نبنيه نحن. أي خير من الذين ذكروا في القرآن الكريم، رغم قداسة القرآن الكريم. القرآن الكريم ليس سقفًا كلما ارتفعنا نصطدم به، بل هو قاعدة للانطلاق يدفعنا للأمام. يذكر في القرآن الكريم دائمًا "الذين آمنوا وعملوا الصالحات". العمل الصالح هو العمل ما دون الفاسد يقبله الله عز وجل منا ويقول للذين آمنوا "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، فما بالك بالذين آمنوا وعملوا بأحسن من العمل الصالح؟ إن الله يرضى العمل الصالح لننطلق منه. لذلك أقول إن القرآن قاعدة فهو مبني على العمل الصالح. عندما تسألني جارتي العجوز من اكتشف الكهرباء أعرف تمامًا أن الكهرباء مقطوعة. تقول يجب أن نبني مقامات لذكرى أديسون وغيره من المخترعين والمفكرين الذين طوروا العالم فهؤلاء سيدخلون الجنة. الأمم لم تقم على هتلر وأمثاله من الطواغيت بل على أكتاف هؤلاء المفكرين والمخترعين والعلماء الذين نبذوا الناس وعملوا في مخابرهم. هناك سران عظيمان في القرآن الكريم، الأول أنه يقصد بالكافر الجاهل - والكافر هو من كف عن النمو وانكمش وتراجع وانسحب من الحياة اليومية، الكافر هو الجاهل -، والثاني هو موضوع الشهداء. الشهداء ليسوا من يقتلون في الحرب، والشاهد هو الحي، ولا يوجد في القرآن الكريم آية تقول بأنهم الأموات، والسر في ذلك هو عندما يقول سبحانه إنهم يُقتلون في سبيل الله. الشهداء ليسوا الأموات بل هم الأحياء الذين يشهدون ما يجري على وجه الكرة الأرضية. ما هو سبيل الله؟ سبيل الله هو سبيل اللاقاتل واللامقتول بل هو الطريق الثالث وهو ألا أكون واحدًا منهما وألا أتعاطف مع أحدهما وإن وجدتهما يقتتلان سأكون أنا السبيل الثالث. في خطبة الوداع يقول النبي (ص): يا أيها الناس إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا. أعود وأقول إن الآيات مرتبطة بتاريخها، فأنت لا يمكن أن تستخرج حكمًا بالقتل أو إعلان الجهاد من تلك الآيات التي قصصها الله عز وجل، لذلك يجب ألا نأخذ منها الأحكام. و. س. : من يذهب إلى النار وما هي جهنم؟ س. أ. ح. : يذهب إلى النار من يودي بنفسه إليها. النار هي العذاب الأليم. فمن يمتلئ حقدًا ستقتله نار الحقد ومن يمتلئ كراهية ستقتله نار الكراهية؛ هي المعاناة. أنا لا أتدخل فيما بعد الموت، ولكنني أعتقد أن النار هي في الحياة الدنيا. عندما يقول "ولهم في الآخرة عذاب عظيم" فهو لا يقصد هنا "يوم القيامة" بل يعني في آخر الأمر. إذًا فهذه النار التي توصف في القرآن الكريم هي نار موجودة في الدنيا ونحترق ونتعذب بها نتيجة أخطائنا. قد يكون كل ما يقوله الشيوخ على حق وسأصدقهم إذا لم أقرأ أنا. مشكلتنا أننا لا نقرأ ونسلم أنفسنا لشيوخ يسوقوننا ويصدموننا بالحيط ويقولون لنا أو نقول لهم أن الحق على الحائط. و. س. : هل كوكب اللاعنف جزء من المجتمع المدني؟ س. أ. ح. : نعم هو جزء من المجتمع المدني، وهو حراك مدني سلمي عفوي لا يوجد فيه تنظيم أو نظام داخلي، واللقاء الشهري يجتمع فيه أشخاص يؤمنون باللاعنف ويملكون قلوبًا سليمة ويتحدثون بود مع بعضهم البعض. في كل شهر يأتي محاضر ويتحدث عن فكرة، وأنا أتقصد أن تكون الفكرة فيها الكثير من اللاعنف مثال: البيئة والعنف، الغذاء والعنف..الخ. تحدثنا عن العلمانية والعنف وعن القلب السليم وتحدثنا ثلاث مرات عن غاندي وفلسفته وسلوكياته، وتحدثنا مرتين عن الأساطير الدينية مع فراس سواح. تحدثنا أيضًا عن الإنسان الفعال وهو الإنسان العاقل والراشد. و. س. : كوكب العنف ليس مؤسسة دينية حتمًا؟ س. أ. ح. : كون كوكب اللاعنف يؤمن بمذهب اللاعنف كمذهب معتمد ووحيد، وهو طريق لا بديل له لحل كل نزاعات العالم؛ بدأ الناس يتسألون عنه: ما هو؟ وماذا يعني؟ ولماذا هذه الدعوة إلى اللاعنف؟ وكيف بدأتم تفكرون باللاعنف؟ هذه التساؤلات أفادتنا كثيرًا. كوكب اللاعنف حركة إنسانية تُعمل العقل وتُشجع الناس على إعمال عقولهم وإبطال عضلاتهم حتى عضلة اللسان. و. س. : كيف تنظرين إلى الجمعيات التي تقوم على أساس ديني كالقبيسيات والمعاهد الإسلامية؟ س. أ. ح. : يزوروني الكثير من الفتيات والشباب خريجي معاهد فتح وكفتارو والأزهر. إنني أأسف عليهم لأنهم يدرسون مناهجًا وكتبًا كبيرة لا يوجد فيها ولا فكرة عقلانية واعية. لا يدرس الطلاب إلا كيفية الوضوء والصلاة والأحاديث وسند الحديث ومتنه وكل ما كتب حول الحديث. وإذا كان هناك قضية يدرسون كل ما كُتب من آراء حول هذه القضية وإفتاءات ولا يُسألون ما هي آراؤهم هم. ويُعتبرون جميعهم قاصرين عقليًا. قد تجد الكثير من الكتب التي تتحدث عن الصلاة والصيام والحج والزكاة، وكتب عن الرسول وأحاديثه وغزواته وأيامه وكيف يمشي وكيف يلبس وكيف ينام مع زوجاته، لكن لا توجد كتب عن كيف أتعامل مع الآخر؟ ومن هو الآخر؟ كيف أدخل إلى هذا العالم؟ هل أدخل ورأسي في الأرض خجلاً من هذا الكون؟ المسلم الآن يدخل إلى هذا العالم ورأسه منكسة في الأرض لشدة ما شوهوا الإسلام. إن الإسلام حضارة ونظافة وعلم ومعرفة. الإسلام فكرة وليس تدينًا. فأنا عندما أقول إنني إنسان نظيف لا أعني أنني متدين، وعندما أدرس وأسافر ولا أطالب بحقوقي بل أقوم بواجباتي؛ هذا إسلام وليس تدينًا. الإسلام أراده الله لينطلق المجتمع وليتعافى. وعندما أقول أراده الله فأنا أعني أنه يجب أن يريده البشر أيضًا، بدليل أن اليابان وصلت إلى القمة الآن دون كتاب ودون قرآن وهم يصدقون ولا يرتشون. قيمة الحياة هي العمل والدعاء هو العمل. هناك حديث للرسول يقول فيه: أعلى درجات الإيمان قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى على الطريق. الصحيح هو أن تعكس الحديث، فيصبح أعلى درجات الإيمان إماطة الأذى عن الطريق. رب العالمين يغفر كل الذنوب إلا أن يشرك به، والشرك بالله هو علاقتك مع الآخر. في كتاب معادلات قرآنية الإشراك هو استعمال العنف مع العقل، لذلك يجب أن تحل كل مشاكلك بالعقل، وإذا حللت مشاكلك بعضلاتك فأنت هنا أشركت بالله. القوة العقلية هي التي تحل المشاكل لأنها قوة الحق وليس حق القوة التي تعني العنف. وقوة الحق هي اللاعنف وهي توحيد. والمعاهد كلها لا تدرس معاني التوحيد. فالتوحيد ليس أن تقول لا إله إلا الله. إن الله واحد شئنا أم أبينا. ولكن المشكلة ليست في توحيد الله بل هي في توحيد الإنسان نفسه: أن يكون واحدًا مع الناس وليس كاذبًا ومنافقًا ومرائيًا وظالمًا؛ التوحيد هو أن يكون الإنسان واحدًا لا انفصام فيه. لذلك فكل تعاليم هذه المدارس الدينية خاطئة، فهي لا تعلم ما هو التوحيد وما هو الإشراك وما هو العقل وما هو الفقه، هذه المصطلحات العائمة. و. س. : ما هو شعورك تجاه السيدات اللواتي يعملن على الدعوة فقط للسيدات؟ س. أ. ح. : إن كنّ يعملن على تعليم السيدات إعمال عقولهن وتشجيعهن على الحوار والتفكير فهذا جيد. ولكن إذا كن يردن أن يقمن بعمل لعبة الداعية والمريدات فهنا تقع المشكلة الكبيرة والكثير منهن وقع في هذه المشكلة. فهن يمنعن زيارة المريدة لأكثر من داعية، ويطلبن منها الوفاء والطاعة. وقد تفضل الداعية بعض المريدات على بعض إذا كُنَّ من أسر غنية أو ذوات زوج وجيه، أو يقدمن للدعوة بعض الخدمات، وهذا ما يؤدي إلى وقوع العداوة بين المريدات والتنافس المبالغ فيه لاسترضاء الداعية. والملفت هو حجم الهالة التي تضعها الداعية لنفسها، محيطة ذاتها بكثير من السرية. أنا لا أحب العمل في السر. أنا أكتب وأنشر ما أتحدث به. أعمل تحت الشمس. صالوني مفتوح للجميع، طول النهار وأيام الشهر كاملة. أستقبل كل الناس مع أسئلتهم، أتحدث في إذاعة دمشق، وألقي المحاضرات في المراكز الثقافية. حاورها وائل السواح *** *** *** عن موقع ألف
|
|
|