|
... وَيَرمِـي عَصَـا الشَّـكِّ في كُـلِّ يَقِـيْن
حـوار مع أدونيـس
أتهجَّاكِ، يا هذه الأرضُ – أَرْضيَ، أشباحُ موتِكِ في ناظريَّ،
الجحيمُ الذي فِيَّ منكِ – التبسْتُ بتاريخِهِ،
عَطشي أنَّكِ الماءُ، والماءُ وَصْلٌ.
أحمد علي الزين: ويأخذنا عليٌّ في "مائه"، يصعد بنا عاليًا إلى النبع، حيث أبجدية الماء... غيم، وبستان، وصبي معفَّر بتراب الحقل يبني بيتًا غامضًا، يرفع سقفه بالألِف، ويحني الحاء حصانًا يمتطيه نحو معرَّة النعمان، حيث المعرِّي كتاب وعقل وسؤال ورؤيا. أو يغرِّب، والساحل السوري نداءٌ غاوٍ للمضيِّ بعيدًا في الكتاب أو للسفر إلى حيث يبتعد الوصول. ويطيب الترحال – ولو في الخيال – إلى الكوفة، حيث يترجَّل المتنبِّي عائدًا من مصر ليستريح من المديح والهجاء في بستان النخيل "على قلق" وريح علي. ويهب النسيم مشبَعًا بغناء وعطر، ويصعد في البال حزنٌ غريب. هي الرغبة! ربما هي الرغبة الجامحة في "تغيير المصير" وهدم الجدار، هي الرغبة في التمرد، في الجريان كالنهر أو في التجذيف بعكس التيار، في الصعود نحو القمة العالية ليوقد النار للرعاة والليل. ويأخذنا عليٌّ، يأخذنا إلى المطارح الأولى، إلى الولادات الأولى، إلى بيت عتيق في القرية. هو الحنين إلى طيف أنثوي، إلى شيخ جليل يعلِّمه فكَّ الحرف، إلى دمشق، إلى بيروت، حيث الانبثاق، ومخاضات وولادات، وجنون وحب وشعر. لا يمكن وصفُه كما ينبغي أو كما تراه. فهو متعدِّد. يسكن غابة الشعر. تلمحه بين الظلال. يستخلص من الكتب القديمة النوافل، ويعثر على الذهب، يلمِّعه، ثم يذهب إلى مائه ويواصل التدفق. يصعد إلى جبله، يوقد النار، ويتأمل في هذا الليل العربي الطويل!
أدونيس: كلَّما هبَّ نسيمٌ، يذكِّره وصْلاً، فيضيء على حافة الليل قصيدةً ويرمي عصا الشك في كلِّ يقين. ما بواعث الغُصَّة بعد التكريم؟ أ.ع.ز.: منذ فترة، لِنَقُلْ في أواخر حزيران [2007] على ما أظن، كُرِّمتَ في الجامعة الأميركية في بيروت، ومُنِحتَ دكتوراه فخرية شهادةَ تقدير. طبعًا أنت رددتَ التحية للَّذين كرَّموك، ورددتَ تحيةً أكبر لبيروت – "المدينة العالية"، كما سمَّيتَها. وهكذا فاضت العينان قليلاً بالدمع والشجن. ما هي بواعث هذه الغُصَّة، ذلك الحزن؟ أدونيس: سأحاول أن أجيب... أظن أن هناك مناطق في النفس – ومناطق في الفكر أحيانًا – يتعذَّر التعبيرُ عنها باللغة أو بالكلام، فيُعبَّر عنها بمثل هذه الغُصَّات! لا أجد تفسيرًا آخر في هذه اللحظة... أ.ع.ز.: ربما هو إعلان عن نوع من الحبِّ لهذه المدينة التي أحبَّتك أيضًا... أدونيس: لا، الحب من أول نظرة في خصوص بيروت يقع عند معظم الناس الذين رأيتُهم وعرفتُهم. إذا عشتَ في مدينة مثل بيروت فإنك لم تعشْ فقط، وإنما ولدتَ فيها ثقافيًّا. إنِّي أنظر إلى بيروت بوصفها، أو بوصف حياتي فيها، ولادة ثانية... أ.ع.ز.: ولادة شعرية؟ أدونيس: ... ولادة ثقافية عامة. بالمناسبة، لقد ولدتُ ثلاث مرات: الولادة الطبيعية، المشتركة بيننا جميعًا؛ والولادة الثانية هي ولادتي في بيروت – الولادة "الثقافية" –، وهي التي جعلتْني أكثر قدرةً على الاتصال بالعالم؛ ثم، من بعد الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي وتعطُّل الحياة تقريبًا في لبنان، سافرتُ إلى باريس، حيث أعيش الآن، وأظن أن ولادتي الثالثة والأخيرة، في باريس، كانت ولادة كونية. أ.ع.ز.: سوف نتناول هذه المحطات – "محطات الولادات"، إذا صحَّ القول. لكنِّي أريد أن أسأل: يقيم الجسد في هذه الأمكنة... فأين تقيم الروح؟ أدونيس: بالعمق، في لبنان. هل للإبداع علاقة بالمكان؟ أ.ع.ز.: هل تظن أن الأمكنة قد تضيق بالمرء عندما "تتسع الرؤيا"، أو أنها يمكن لها أن تتسع باتساع الرؤيا؟ أدونيس: إذا كان السؤال يقصد علاقة الإبداع بالمكان، أعتقد أن جميع الأمكنة لا تتسع لحركة الإبداع. المكان، كمثل اللغة، لا يتسعان كلاهما لحركية الإبداع. وقد يكون ذلك لحسن الحظ، ليس لسوئه! فأنا لا أستطيع أن أتصور الإنسان قادرًا على الإفصاح إفصاحًا كاملاً، لا بالنسبة للمكان ولا بالنسبة للغة. فإمكانُ ذلك يعني انتهاءَ كلِّ شيء!
سأزورُ المكانَ الذي كان صيفًا لنا
وأكيدٌ سَتَسْأَلُني عَنْكِ: ما صِرْتِ؟ أ.ع.ز.: قد تكون من أكثر المبدعين تجوالاً في العالم – أحدهم، حتى لا نبالغ! – من مدينة إلى أخرى، من عاصمة إلى أخرى. هل تلحُّ عليك مسألةُ المقاربة، بالقدر نفسه، بين تلك الأمكنة والحواضر وبين وطنك ومسقط رأسك والبلاد التي تنتمي إليها؟ وهل تشعر بنوع من الأسى عندما تستحضر هذا النوع من المقاربة؟ أدونيس: هناك نقطة في هذه المنطقة... فيها "شيء" خاص لا تجده في أيِّ مكان في العالم: العلاقة الجسدية بالمكان، والعلاقة الطبيعية–الإنسانية – وأكاد أسميها "جسدية"! – بالأشخاص وبالبشر؛ بمعنى أن هناك نوعًا من العلاقة قائمًا في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة العربية إجمالاً... أ.ع.ز.: وهذا غير متوفِّر في الخارج إجمالاً؟ أدونيس: غير متوفر إطلاقًا في الخارج – أقصد على الصعيد الإنساني الحميم. أما إذا أردتَ الانتقال إلى مستوى آخر، أي على صعيد العلاقة مع النظام أو العلاقة مع المؤسَّسة أو مع المدينة كتنظيم مدني أو كمؤسسات، فأعتقد أن هناك فرقًا كبيرًا، بمعنى أننا لم نصل إلى مرتبة المدينة بعدُ، ونظامنا كأنه يعيش في عالم آخر بعيد عن قيم الحداثة وقيم حقوق الإنسان وحرياته إلخ. وهذا يطرح إشكالاتٍ عديدة. أ.ع.ز.: في السياق ذاته، كيف ترى صورة العالم الذي نعيشه نحن اليوم؟ – تحديدًا عالمنا العربي والإسلامي –، خاصة أنك صرفت عمرًا مديدًا كداعية من أجل تحديثه. أدونيس: ما من أحد يستطيع الحكم على مستقبل لا نعرفه! إذ مهما كانت أوضاع الشعوب صعبةً ومتخلِّفة، فإن هذه الشعوب، في مراحل تاريخية معينة، يمكن لها أن تخرج من أزماتها وتبتكر طرقًا جديدة لحياتها. لكن متى وكيف، لا نستطيع أن نحكم. إنما لو أردتَ أن تسألني: كيف تتصور مستقبلنا استنادًا إلى اللحظة الراهنة؟ ضمن هذا التحديد، أستطيع أن أقترب من إجابة ما، لعلَّها خطأ، – وآمل أن تكون خطأ! – فأقول لك إنه إذا قسنا طاقات العرب، إذا درسنا طاقات العرب، الموضوعية والمادية والثقافية والتاريخية إلخ، إذا قسنا هذه الطاقة الهائلة الموجودة عند العرب بما يفعلونه عمليًّا، فأنا لا أستطيع أن أفهم هذا إلا بالقول إننا شعب ننقرض، بالمعنى الحضاري للكلمة، مثلما انقرض السومريون والفراعنة والإغريق والرومان وجميع الحضارات العظيمة الأخرى التي انقرضت. إذ إنه لم تعد لدينا الطاقة الإبداعية التي تتيح لنا أن نبني مجتمعًا إنسانيًّا عظيمًا، وتتيح لنا، في الوقت نفسه، أن نشارك في بناء العالم. أ.ع.ز.: لنسأل عن السر: ما هو الداء؟ ما هو سر هذه السكونية، سر غياب العقل؟ لا بدَّ من سبب جوهري. أدونيس: أعتقد أن هناك أسبابًا عديدة، وليس سبب واحد فقط. لكن لا بدَّ من دراسات عديدة، أنثروپولوجية وتاريخية وفلسفية، لمعرفة ذلك. ومع الأسف، نحن العرب لا نقوم بمثل هذه الدراسات. لا تتجدد الشعوب إلا إذا قرأت تاريخها ومنجزاتها، وفي ضوء هذا التاريخ وهذه المنجزات، تحاول أن تستفيد من أخطائها وتستفيد من غيرها وتتقدم. لا يُعقَل ألاَّ يكون قد طُرِحَ سؤالٌ واحد طرحًا جذريًّا على أيِّ أساس من أسُس ثقافتنا الموروثة: لا على الدين، ولا على وضع المرأة، ولا على العلاقة بين الدين والسياسة... غير ممكن! لم يُطرَح أيُّ سؤال... أ.ع.ز.: العلاقة بين الأنا والآخر... أدونيس: بين الأنا والآخر... وهذه القضايا كلها إما هُمِّشَتْ، وإما كُبِتَتْ، وإما قيل إن الوقت ليس وقتَ بحثها! وهكذا، بطريقة أو بأخرى، لم نفعل ما يجب أن تفعله الشعوب الحية في العالم أجمع. لماذا؟ هذا هو السؤال: لماذا؟ أعتقد، بكلِّ بساطة، أن التأويل السائد للنصِّ الديني، في علاقته مع النظام السياسي، هو الذي يحوِّل ثقافتنا كلَّها وحياتَنا إلى ثقافة قبول وانصياع وخضوع وبُعْد عن التساؤلات – وهذا يعني بُعدًا عن الحرية. * * *
قَدَري أَنَّني
ربَّما يفهم الطِّفلُ فِيَّ العذابَ الذي يتخثَّرُ، من عهدِ آدمَ،
آخُذُ الآنَ حُلميَ شيخًا وطفلاً
أ.ع.ز.: خلاَّق، لا يستكين ولا يطمئن إلى يقين. يزاول طرح الأسئلة والتنقيب عن أجوبة لها. فالشاعر الكبير لا يمكن له إلا أن يكون مثقفًا كبيرًا ومفكرًا وسجاليًّا ومحلِّلاً يتأمل دائمًا في حركة التاريخ والزمان. تراه يشير، في أجوبته، إلى مواضع الأعطاب، يضيء طريقًا نحوها للعلاج أو للتخفيف من الألم. فهو يعرف تمامًا أن الشحوب الذي يصيب هذه الأمَّة وهذه المجتمعات والضمور الفكري والعجز هو نابع من موروثاتها وتأويلات تطمح إلى ترسيخ المؤسَّسات الرسمية التي لا دعائم لها سوى الغيبيات وما تنتجه من وسائل للاستبداد والقهر والظلم. "أنا لست ضدَّ الدين، وإنما ضد تأويله خطأً واستخدامه لغايات أخرى" أ.ع.ز.: تُرى مَن يجرؤ على خلخلة هذه المفاهيم وتقويض جدران هذا السجن الفكري الهائل؟! أنت تقول، في أحد الحوارات، بأنه لا حداثة في مجتمعاتنا العربية من غير تهديم للبُنى السياسية للنظام السياسي، المستمِدَّة قوتَها من البنية الدينية – أقصد: مَن يملك الجرأة على البدء بهذا "التهديم"، إذا صح التعبير؟ أدونيس: لا أحد ضد الدين! أنا شخصيًّا لست ضد الدين، لأن الدين حاجة عميقة وأساسية لتنظيم علاقة الفرد بالعالَم الآخر، بالغيب. إذًا أنا – دفْعًا لكلِّ التباس – لست ضد الدين، أيًّا كان هذا الدين، وإنما ضد تأويله خطأً وضد استخدامه سياسيًّا واجتماعيًّا لغايات أخرى لا علاقة له بها – إذ إن ذلك يتضمن اعتداءً على الآخرين. التأويل السائد هو أن الحقيقة في النص، بينما أي مستوى معرفي يقول لك: لا، الحقيقة هي في البحث، في العلاقة بين الفكر والواقع إلى ما لا نهاية. ولذلك لا يمكن أن تكون الحقيقة محصورة في اللغة. فحَصْرُ الحقيقة في النصِّ اللغوي هو، في اعتقادي، عنصر أساسي من عناصر... أ.ع.ز.: تغييب العقل أو منعه من السؤال... أدونيس: تغييب العقل، وتغييب حرية البحث أيضًا. لأنه حتى المسلمون الأوائل ابتكروا مفهوم "التأويل" كي يقولوا بأن الحقيقة ليست في النصِّ أو في اللغة. النص هو شكل من أشكال الحقيقة، بينما الحقيقة تتغير وتتجدد باستمرار! كيف يستطيع المثقَّف مواجهة رجال الدين؟ أ.ع.ز.: إذا كان المثقفون والمفكرون المهتمون بهذا الشأن هم مَن يقومون بهذا الدور عمليًّا، فسؤالي هو: كيف يستطيع المثقف مواجهة رجال الدين الذين يمتلكون حرية التعبير ومنابر للتعبير أكثر بكثير مما يمتلكه هو؟ – بالإضافة إلى أنهم يمتلكون حقَّ تصنيف الآخرين، عبر الإفتاء، في خانات التكفير ومش عارف أيش! أدونيس: أعتقد أن المسألة، هنا، هي مسألة سياسية: أي أن ما يجب أن تقوم به السياسة أو النظام السياسي هو أن يكون النظام حَكَمًا، لا طَرَفًا. يجب أن تكون الأنظمة السياسية قائمة على إعطاء الحريات لجميع أفرادها. لكن، مع الأسف، النظام السياسي يتحالف مع هذا التأويل الديني السائد ضد الحريات وضد الإنسان، فيكون طرفًا ضد الحرية... أ.ع.ز.: حتى الآن؟ أدونيس: حتى الآن طبعًا! أ.ع.ز.: تقصد أن الأنظمة السياسية في العالم العربي غير متضرِّرة من وجود هذه التيارات التكفيرية الأصولية؟ أدونيس: بل متضرِّرة! ومع ذلك، لا تعطي الأنظمةُ الحريةَ للأفراد الآخرين كي يناقشوا هذه الأفكار الدينية؛ أقصد تُعطى هذه التياراتُ الحرياتِ كاملةً على جميع المستويات، وتُمنَع على جميع المستويات عن الآخرين، في حين أنه، حتى عمليًّا، أجدى للنظام السياسي أن يترك الناس يتحاورون في الدين والإلحاد، وفي غير الدين والإيمان، من أن يكون الأمر كما هو حاليًّا؛ أقصد أجدى للنظام أن يكون حَكَمًا، لا طرفًا. أ.ع.ز.: في السياق ذاته، تقول إنه يصبح للمثقف دورٌ ما إذا تمَّ الاعترافُ به كعضو في البحث عن الحقيقة التي هي دائمًا أمامنا وليس خلفنا. مَن يعترف بِمَن؟ أدونيس: المجتمع، النظام الاجتماعي، النظام السياسي القائم عليه، يجب أن يرى إلى الثقافة كجزء حيٍّ من وجوده وليس مجرد... أقصد أن الثقافة ليست "وظيفة"! يجب أن يكون المثقف باحثًا حرًّا عن الحقيقة، ويجب أن يقولها في حرية كاملة. لكن ارتباط السياسي بالديني جعل قول الحقيقة يبدو وكأنه يزلزل البنية الدينية النظامية. وهكذا تُعامَل حريةُ التفكير كأنها "جُرْم" يُدان عليه المرءُ، يُكفَّر! هذا لم يعد موجودًا على الإطلاق إلا في البلدان المتخلِّفة، وطبعًا موجود عندنا في البلدان العربية. أ.ع.ز.: يبدو أن هذه الأنظمة غير قادرة على الرؤية... أقصد أن الخطر يقرع أبوابها... أقصد أنها معرَّضة للخطر، للإزاحة... أدونيس: معك حق. ولكن كلَّ نظام يكون طرفًا بهذه الطريقة، فلا يرى ما تشير إليه، يبرهن على أن سلطته اغتصاب، وعلى أنه هو نفسه خارج على السلطة – وأقصد سلطة الحرية، سلطة العقل. إنه يمتلك هذه السلطة بالعنف وبالتحالفات مع القوى الدينية، ولا يمتلكها تلقائيًّا بتفويض حرٍّ من الشعب. إن موقف الأنظمة العربية اليوم هو موقفٌ يُدينها أكثر مما يدين الآخرين. ما الموانع التي تمنع الشعب العربي من التقدم؟ أ.ع.ز.: تقول إن الشعب الوحيد الذي يتخلَّف عن التقدم مع حركة الزمن هو الشعب العربي. فما هي الأثقال التي تمنعه من التقدم؟ أدونيس: هذه لا يمكن تفسيرها، في تقديري، إلا بالعودة إلى البنية الأصيلة للفكر العربي التي هي بنية دينية. وهذه البنية الدينية لم تُدرَس، لم تُفكَّك... أ.ع.ز.: هذا هو سؤالي التالي: إذ إنك تقول أيضًا: يجب إعادة النظر في ثقافتنا الإسلامية، وإلا فإننا ذاهبون إلى كارثة! وقد قلتَ هذا الكلام منذ حوالى عشر سنوات. ألا تظن أننا نعيش الآن في قلب هذه الكارثة؟ أدونيس: إنها كارثة مهينة! أتمنَّى لو تكون هناك نهضة إسلامية بالمعنى الإنساني، بمعنى قراءة جديدة للإسلام، بمعنى أن الإسلام عنصر مشارك حضاريًّا في البناء العالمي اليوم. ولكن "النهضة الإسلامية" كلها قائمة اليوم على العنف والقتل والإرهاب! – إلى درجة أنني، أنا اللامتديِّن، أثور باسم الإسلام تعاطُفًا مع الروح الإسلامية والحضارة الإسلامية العالية ضد الصورة التي تُعطَى عن الإسلام اليوم. الكوارث المهينة في العالم كلُّها تحدث في العالم الإسلامي وباسم الإسلام!
غالبًا أتفقَّدُ بَيْتِيَ في اللَّيلِ أُشعِلُ ضوءَ المصابيحِ * * *
لا أسائل موتي عن حياتي، أو حياتيَ عنه، فمَوْتي
في الرَّحيلِ، أكون وحيدًا، وأُصغي لنفسي، ونفسي تُصْغي
مَن هو "أدونيس"؟ أ.ع.ز.: "علي أحمد سعيد" – هذا اسمه في الهوية، و"أدونيس" اسم اختاره لنفسه: خيار آخر وولادة أخرى في المسافات والمدن التي شهدت انبثاقاتٍ له وولاداتٍ في الرؤى وفي القصيدة. ولد عليٌّ في قصابين، قرية في الشمال السوري، في شتاء ليل من العام 1930 ومن أبوين فقيرين. كان والده أحمد سعيد شغوفًا بالمعرفة واللغة والشعر، وهذا كان هو الحجر الأساس في عمارة أدونيس لاحقًا. نشأ، بدايةً، وسط هذه البيئة، تعلَّم في "كتَّابها" حوالى عشر سنوات، ثم تابع دراسته في مدن الساحل، في طرطوس واللاذقية، ثم مضى إلى دمشق، حيث نال إجازته في الفلسفة سنة 1954. ومنذ بداية الخمسينيات، بدأ يرسل قصائده إلى مجلة الآداب البيروتية. وهكذا دارت عجلةُ أيامه وفق رغبته في "تغيير مصيره"، كما كان يقول، ليحطَّ فيما بعد ترحاله في بيروت في أواسط خمسينيات القرن الماضي، حيث بدأ يشعل نارَه وحرائقَه في مسائلة الموروث، فكرًا وشعرًا ونصًّا وأنساقًا، فكان من بين أوائل الدعاة الحداثيين الذين صرفوا أعمارهم من أجل تهديم جدران السجن الكبير للخروج إلى المدينة–الإنسان، المدينة–الحرية، المدينة–العدالة. من قصابين إلى باريس، حيث "ولادته الكونية"، كما يسمِّيها، بعد بيروت التي كانت "الولادة الثقافية". 77 عامًا وأدونيس يضيء عند كلِّ ليل منها قصيدةً وشمعةً للأيام الآتية. أدونيس: ما أذكره من طفولتي، أولاً، أنَّني ما عرفت طفولة! أقصد ولدت في الحقل بين الأشجار، وفي طفولتي مارست مثلاً شتل التبغ، حصدت القمح، درست على النورج، نقلت الماء... أي جميع الأعمال التي يقوم بها الفلاحون عادة، قمت بها وأنا طفل صغير. ولذلك فإنني لم أعرف "طفولة" بالمعنى الذي نتحدث عنه في الكتب. ولدت كبيرًا، في سنٍّ كبيرة أقصد. لم تكن هناك مدرسة في القرية، بل كان عندنا "الكتَّاب": نذهب بين وقت وآخر ونجلس تحت الشجرة، فيعلِّمنا الشيخ كيف نقرأ القرآن وكيف نكتب. تعلَّمت تحت الشجرة، ولم أدخل المدرسة حتى سنِّ الثالثة عشر. أحاول الآن استرجاع طفولتي، استذكارها، لأنني أكتب سيرة حياتي. كأنَّ شيخوختي ليست حركة في اتجاه الموت، مثل كلِّ الناس، بل هي بالأحرى حركة في اتجاه الطفولة! أ.ع.ز.: استعادة الطفولة؟! أدونيس: استعادة الطفولة. أ.ع.ز.: كأنك تقول: لتكن هذه الشيخوخة طفولتك التي افتقدتَها... سعيتَ لـ"تغيير مصيرك"؟ أدونيس: تمامًا... وعشت الحلم بالتغير. وأعتقد أنِّي حقَّقتُه، أو أنجزتُه إلى حدٍّ كبير، في حياتي كلِّها وفي تفكيري كلِّه، وحتى في تنقلاتي اليومية... يعني أنني أصبحت مسافرًا لا في المكان وحده، وإنما مسافر في الزمن أيضًا، ومسافر في نفسي داخل نفسي. وهذا ما خلق عندي شعورًا معقَّدًا، خلق عندي شعورًا كأني أعيش في منفى متحرِّك... وهذا المنفى المتحرك في المكان وفي الزمان خلق تطابقًا مع منفاي اللغوي. فأنا أشعر أني منفي لغويًّا داخل اللغة التي أكتب بها وأحاول إيجاد نفسي عِبْرَها. كلما أوغلتُ في هذه اللغة أجد نفسي أشعر كأني أبتعد عن نفسي. الكتابة هي وسيلة لمزيد من التساؤلات. أ.ع.ز.: تبدو الكتابة عادةً كحلٍّ، أو كشيء من الحلِّ، في البداية؛ ولكنها، عندك، تحولتْ إلى مأزق؟ أدونيس: بالعكس! الكتابة عندي هي وسيلة، عمليًّا، – وسيلة لمزيد من التساؤلات، ولمزيد من الضياع، ولمزيد من المنفى، – للشعور بالمنفى، خارجًا وداخلاً. فكأنَّ الكتابة تكمِّلني، كأن هناك شخصًا ثانيًا داخل شخصي لا يعبِّر عنِّي بقدر ما يكمِّلني.
قلتُ: أسهرُ حتَّى الصباحَ لأكتبَ، لكن
نمتُ. كلاَّ، رمى النومُ أثقالَهُ أ.ع.ز.: تتحدث في مكان ما عن الحنين، تقول: "الحنين يُضمِرُ نوعًا من الكفاح ضد الموت." هل تخاف؟ أدونيس: الحنين، في اللغة العربية، هو إلى ما اختبرتَه ومضى. وما اختبرتَه ومضى يندرج في عالم الطفولة، وإذًا تذكُره، فكأن الحنين إليه هو نوع من... كأنك تدير وجهك إلى الطفولة، فيما تدير ظهرك إلى الشيخوخة والموت. وبهذا المعنى، الحنين مهم، لكنْ بشرط ألا يكون حنينًا "استسلاميًّا"؛ أي أن يكون الحنين دافعًا إلى مزيد من الهجوم وإلى المزيد من التقدم. لكنْ، إجمالاً، الحنين عندنا استسلامي؛ وبسبب ذلك يولد الحزن، والحزن قد يتحول إلى خيبة، إلى إحباط. أما عندي فإنه ليس كذلك... أ.ع.ز.: هو حافز يدفعك... أدونيس: حافز إلى مزيد من التقدم في مواجهة الموت. أ.ع.ز.: يعني أنت تسعى إلى "تغيير مصيرك" حتى الآن؟ أدونيس: باستمرار. أ.ع.ز.: مصيرُ عليٍّ – الطفل الذي كان في قصابين – تغيَّر، وأصبح أدونيس العربي والعالمي، في أكثر من مكان وزمان. عندما تنظر إلى الخلف وترى مصيرَ الآخرين، مصيرَ الأوطان، لم يتغير، ألا يُحزِنُك هذا الشيء؟ أدونيس: يُحزنني كثيرًا، يمزِّقني بالمعنى الثقافي، لأنه، في التحليل الأخير، لكي يكون الفرد عظيمًا يجب أن يكون شعبُه عظيمًا أيضًا. وأكثر من ذلك، أريد أن أقول إنه من الصعب كتابة شعر عظيم إلا في ثقافة عظيمة. النظام وما يفعله بأفراده، وبنفسه هو أيضًا، لكنْ على مستوى الأحلام العظيمة والإبداعات الكبرى وعلى المستوى الثقافي الخلاق، له أهمية كبيرة. مع الأسف، الأنظمة العربية لا تفعل شيئًا! هناك الآن توجهات نحو إعطاء جوائز، – وهذا شيء جيد، – لكن حتى هذه التوجهات فيما يتعلق بإعطاء جوائز ورصد أموال للعمل الثقافي تتَّجه نحو جعل الثقافة أكثر ارتباطًا بـ"الوظيفية" بدلاً من تحرير الثقافة من الوظيفية. وآمل ألا تتحول هذه العناية التي بدأت اليوم إلى هذا النوع من القتل للثقافة، إلى نوع من "ترويضها" وربطها أكثر فأكثر بالآلة السياسية القائمة. أ.ع.ز.: تشعر بغربة كبيرة بينك وبين المجتمع الذي تنتمي إليه؟ أدونيس: أشعر بغربة عنه، وأشعر باندماج وذوبان فيه في الآن نفسه. لأنه، مثلاً، إذا سألتك... أ.ع.ز.: مثلاً، أنت تقول: الأفكار الكبيرة لا يمكن أن تمرَّ بعقول صغيرة، وإذا مرَّت، فهي تصغر بدورها... أدونيس: طبعًا، أي نص عظيم ينطبق عليه ذلك. القرآن بعقل محمد عبده شيء، وبعقل القرضاوي شيء، وبعقل أبو مصعب [الزرقاوي] شيء آخر! نص واحد يؤمن به الجميع، لكن مستوى هذا النص يختلف باختلاف مستويات العقول. ولذلك فإن النصَّ يكبر ويعظم بقدر ما يكون العقل الذي يتناوله كبيرًا وعظيمًا.
بعدَ هذا التشرُّد ملءَ المدائنِ،
لا أُصدِّقُ أنِّيَ شَيَّخْتُ، أمشي غريبًا أ.ع.ز.: حين تجالسه، يذهب بك في شعاب المعرفة والتاريخ والشعر. ليس من حرج أن تطرق أيَّ باب شئت: فباب الحبِّ رحبٌ يفضي إلى حكايات وحدائق، وباب الشعر عالٍ خلفه ألف قصيدة، وباب الفكر يُفتَح دائمًا على الحرية. لكأن مسار حياته أبواب تفضي إلى أبواب يفتحها على الضوء. وكلما تعثَّر أمام جدارٍ ما، يفتح في قلبه كوة، وكلما علا جدار السجن، كما يقول، تصبح الخطيئة مقدسة! قصابين، وشقاء الطفولة في مدن الساحل، في القرية، ثم دمشق، حيث هبَّ هوى العشق مع خالدة [سعيد]، رفيقة العمر، صديقةً وحبيبةً وزوجةً ومبدعة، قرأتْه بهوى الفكر. ثم بيروت: بيروت مجلة شعر مع يوسف الخال سنة 1957. (كانت مجلة شعر حجر الزاوية في بناء القصيدة الحديثة.) ثم مواقف: مجلة أخرى أو منبر آخر لموقفه من الثورة، من الحياة، من الوجود، ومن التراث، – حيث يقول في افتتاحية العدد الثالث، العام 1969: "الثوري العربي يحاصره عدوانٌ خارجي مستعمِر ومتطور، وداخلي متخلِّف وطاغية." لكأنه، في كلِّ مرة صاغ افتتاحيةً أو مقالاً أو دراسةً أو معالجةً للموروث أو للمعاصر، كان يضمِّن كلامَه بيانًا من نوع آخر، بيانًا من أجل الحداثة، بمفهومها الشامل، وليس المقتصر على الشعر فقط. نتابع مع أدونيس نحو منابع تأثراته، من بيته العتيق في قصابين إلى بيته الباريسي. رحلة أدونيس من قصابين – لبنان أ.ع.ز.: نبدأ الحديث عن التأثرات الأولى. أنت تقول إن الوالد كان قارئًا وشاعرًا. هل انطلقت التكويناتُ الأولى من المنزل؟ أدونيس: من المنزل، نعم. لقد عرفت الشعر العربي على يد أبي أساسًا، واطَّلعت على الكتب الدينية وكتب التصوف أيضًا في البيت بواسطته، وهو الذي فتح لي عالم الشعر. لكني، في النهاية، اكتشفت مع الوقت أنه لم يكن أبًا بالمعنى التقليدي، وإنما كان صديقًا. ولذلك اختلفت معه كثيرًا، واتجاهي الشعري كان مختلفًا عن اتجاهه، واتجاهي الفكري أيضًا كان مختلفًا عن اتجاهه. وأتذكَّر الآن أنه، مع هذا كلِّه، لم يقل لي مرة واحدة: "افعل هذا"، "لا تفعل هذا"، لم يمارس سطوة الأبوة. كان يقول لي: "يمكن لك أن تتخذ قرارًا في أية لحظة ومتى شئت... فليس أسهل من اتخاذ القرار! كل وصيتي لك هو أن لا تتخذ قرارًا إلا بعد التأمل والدرس والصبر: ادرسْ وتأمَّل، ثم خذ قرارك." أ.ع.ز.: فقدتَه باكرًا، فقد توفي في حادث سيارة؟ أدونيس: فقدتُه باكرًا، نعم، ولم أكن أعرفه جيدًا، لأنه في أثناء حياته كنت أبحث عن طريق أخرى غير الطريق التي نشأتُ فيها بين يديه. أ.ع.ز.: وصرتَ أبًا مكانه، إلى حدٍّ ما، أقصد في موقع المسؤولية عن العائلة، الأم، الإخوة؟ قلت لي إن الوالدة لم تزل شابة – 104 سنوات، اخزِ العين! أدونيس: ولِدَتْ هي في سنة 1905 أو 1904. ومع أن عمرها الآن 104 سنوات فهي لا تزال قوية، وأتحدث معها بالهاتف. أ.ع.ز.: طيب، أستاذي، بعد قصابين وسنوات الطفولة، كانت دمشق هي المحطة الثانية. دمشق كانت سنوات التفتح والأسئلة الثانية؟ أدونيس: دمشق كانت للتعلم في الجامعة فقط. طبعتْ حياتي سيدةٌ أدخلتْني إلى الوسط الثقافي – وأنا مدين لها – هي السيدة عبلة خوري؛ ساعدتْني كثيرًا، وأنا بهذه المناسبة أحيِّيها! سنواتي في دمشق كانت محدودة، أربع أو خمس سنوات فقط، أي السنوات الجامعية، بين أعوام 50-54. أ.ع.ز.: سُجِنتَ في تلك الفترة؟ أدونيس: لا، سُجِنتُ في العام 55 بعدما تركتُ الجامعة. قلت: سأذهب لتأدية خدمة العلم. ذهبت للقيام بخدمة العلم، وكان ذلك في مدرسة ضباط الاحتياط في حلب. كنت في حلب في أثناء حادثة اغتيال المالكي، فاعتُقلت. قلت: ماذا؟! ما علاقتي بجريمة وقعت على بُعد 400 كيلومتر؟! طبعًا... أ.ع.ز.: كنتَ آنذاك على صلة بـ"الحزب القومي"... أدونيس: كنتُ على صلة آنذاك بـ"الحزب القومي". وهكذا أمضيت في السجن حوالى سنة، دون استجواب، ودون محاكمة، ودون أيِّ شيء... أ.ع.ز.: تذكر أن خمس دقائق على الحدود السورية–اللبنانية قد غيَّرت مصيرك كلَّه. أظن ذلك في أثناء العام 56، خلال العدوان الثلاثي؟ أدونيس: تمامًا، في 15 أو 16 أكتوبر 56، لا أذكر بالضبط... لم أكد أجتاز الحدود السورية إلى الحدود اللبنانية حتى أُعلِنَ النفيرُ العام في سورية، واستُدعِيَ جميعُ ضباط الاحتياط إلى الخدمة، لكنْ أنا كنت في الجهة الثانية! أ.ع.ز.: بتقديرك لو حدث ذلك يعني... أدونيس: كان مصيري تغيَّر كله. أ.ع.ز.: متأكد؟ أدونيس: متأكد. أ.ع.ز.: يعني ما كنت أدونيس الذي هو الآن؟! أدونيس: أعتقد أن مصيري توقَّف على تلك الدقائق الخمس. فقد كانت الحياة آنذاك في سورية لا تُعقَل، لا تُطاق، على أيِّ مستوى من المستويات: الإنسان لا قيمة له، والفكر لا قيمة له، ولم تكن لأيِّ شيء أية قيمة! أ.ع.ز.: تقول إن دمشق هي "مدينة مساوَمة"، "مدينة تسوية"، لا مدينة تفجُّر وانبثاق وانبعاث وحيوية، وبيروت مدينة البدايات. "أخشى أن تتعرض بيروت لذلك" – هذا ما تقوله أيضًا في حوارك مع صقر أبو فخر... أدونيس: تمامًا... وهذا ما وقع في بيروت وعرَّبتْه السياسة. لا عاصم للبنان، ولبيروت بالأخص، إلا ثقافتها. وأنا أستغرب، مثلاً، كيف أن لبنان القائم على هذا التنوع البشري، الذي هو في أساسه تنوع ثقافي، – كيف ينسى القاعدة الثقافية لهذه العائلات البشرية ولا يأخذ منها إلا الجانب السياسي فقط؟! تحويل ينابيع إلى صهاريج! وبدل أن تكون بيروت مجموعة من الينابيع صارت مجموعة من "الحصص" من الصهاريج. لنقل حُبِسَ الماءُ الحي في بيروت بالطائفية وبالطوائف. وأنا أتساءل باستمرار: لماذا هذا النسيان الكامل للأسُس التي سوَّغتْ أصلاً قيام لبنان ككيان سياسي؟ فلا يُفهَم لبنان سياسيًّا إذا لم يُفهَم من خلال هذا التنوع أو هذا الغنى الثقافي الطائفي. لكن مع الأسف... أ.ع.ز.: تقصد أنك وجيلك والجيل الذي تلاكُم وضعتُم حجر أساس لم يستفد منه أحد، أي ذهب هباءً ذلك الجهدُ في التحديث... أدونيس: حتى اللبنانيون أنفسهم، فيما سُمِّيَ بـ"عصر النهضة"، طرحوا كلَّ الأفكار الجديدة فيما يتعلق باللغة، فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر، فيما يتعلق بأفكار التقدم، فيما يتعلق ببناء المجتمع وفصل الدين عن الدولة – كل هذا فعله اللبنانيون! لكن الآن كل شيء... أ.ع.ز.: عاد إلى نقطة الصفر؟... أدونيس: عاد إلى أسوأ، عاد إلى ما هو أسوأ! أ.ع.ز.: "تعربت" بيروت، يعني؟ أدونيس: بهذا المعنى قلت... أ.ع.ز.: تخشى أن تتعرَّب. الكلام الذي قلتَه من سبع أو ثماني سنوات... أدونيس: لأن نموذج لبنان ضد الواحدية، والنظام العربي قائم على الواحدية. أ.ع.ز.: يعني العرب يخشون من لبنان، بتقديرك، أقصد الأنظمة العربية؟ أدونيس: نعم، أعتقد أنهم لا يطيقون هذا النموذج. يطيقه المفكِّرون والكتَّاب والأدباء، لكن لا تطيقه الأنظمةُ كأنظمة. ومن جانب آخر، أصبح له عدوٌّ جديد أشد بأسًا من العداء العربي، هو العداء المضمَر لإسرائيل. إسرائيل لا يوافقه أن يكون إلى جانبه نظامٌ عَلماني، تعددي، متسامح، متنوع، منفتح، – وهو النظام المغلق الواحدي، – بل توافقُه أنظمةٌ مثل الأنظمة العربية القائمة اليوم أكثر مما يوافقه نظامٌ متنوع متعدِّد كلبنان.
– آهِ، كلاَّ
لا أُريد سوى أن نكونَ لغاتٍ * * *
لحظةٌ – كَيْ أقولَ وداعًا
هل سأبدأ من أوَّلٍ؟ أين؟ لا دجلةٌ تتراءَى
هو ذا أترقَّبُ – (آهٍ،
*** *** ***
أجرى الحوار: أحمد علي الزين
|
|
|