صـمـت المـدينـة

 

حميد جحجيح

 

جـنـدُ السَّـماء

في الرؤيا الرب يمسك سيفًا، يهزه ضجرُ الأبد

كان يقف صامتًا، تتساقط من أكمامه الكلماتُ غير آبِه

فلم يبقَ شيءٌ غير مستهلَك

وفي الرؤيا كاشفني سجانُ الأحلام

عن أول القرابين، حينما لم تكن سوى الجنة

التي لا يسكنها قتلى ولا شهداء

لم أرَ في وضوح طلاسمَه الهاربةَ من ثقب مخفيٍّ آخر الحلم

حيث الذاكرةُ ساحلٌ للأقاويل

لذلك لم أعرف مَن هو أول القرابين

غير أن السؤال أيقظني

وسط الجوع – أيقظني على مقربة من طفل يلعب حافيًا

أيقظني بين نسوة ينمو على رؤؤسهنَّ التراب

ووجوه لا تملك سوى الأحلام

آدم حينما خسر الجنة استعادها بالقرابين:

المسكين الذي قتله مسكينٌ آخر – هما مَن تجاوزا الأفق

وبعد ذاك قيل إن الرب سرَّح جميع الملائكة

والبطالة تعم السماء، وهناك مَن يقول إن ثمة تمردًا قادمًا

عند ذاك رأيتُ جند السماء مسكوبين في طبق الكوفة

لم أسمع من قبلُ أن أحدًا من سكان السماء قد مات

وحدهم المساكين الذين تسكن في ذاكرتهم السماء

المدججون بأحاديث صدئة

الذين تملأ جيوبَهم أدعيةٌ وتراتيل

هم وحدهم مَن تقتلهم الكلمات

هم حقًّا جندُ السماء، غير أن الأرض

قادرةٌ على ابتلاعهم

 

جـنَّـةُ عَسَـاكِـر

سُنَّةٌ يقتلون خبازًا شيعيًّا

لأن عليًّا كان أمير المؤمنين وابن عم النبي

جوقةٌ من سواد الشِّيعة يحملون في جُعَب السيارات سابلةً سُنَّة

لأن عمر كان لا يطيق عليًّا

النبي يعلم، لكنه يغض الطرف، منشغلاً بترانيم الوحي وألوان الحضرة

والرب يتوسط مشهد المقتولين السنَّة والشِّيعة

وهو يقلِّب حباتِ سبحته الطويلة أشلاء بعد أشلاء

ولأن الرب يحب النبي، والنبي يحب عليًّا

وعمر يحب النبي، والنبي صهر أبي بكر، والصحابة كلهم يحب واحدُهم شخصًا آخر –

سيأتي شخصٌ ليعلق أوسمةً على صدور

الشِّيعة الذين يقاتلون إرضاءً لكأس الولاية المفقود

والسنَّة الذين يقاتلون خوفًا على الله ودينه

وهناك سيقف الرب والنبي والصحابة

ليعمِّدوا القتلى والقتلة بماء الجنة

فالجنةُ حِكْرٌ على الشهداء

يدخلونها سرايا، مدججين بزيِّهم الخاكي

عساكر قاتلوا تحت لواء المهيب الركن

ربِّ المسلحين المجاهدين

الذي لا يدخل جنته إلا جندي قاتَل في جيش ما

أما أنا، وباقي أراذل المدنيين، فلن نشم ريح الجنة

لأن الرب لا يحب الضعفاء

المتمسكين بخيط مفتوق من الحياة

نعم، نحن غذاء الشهداء، سُبُل المجاهدين:

لكي يصلوا وجب أن يكون في جسدي ألفُ ثقب

تنسل من خلاله روحُ المجاهد محفوفًا بملائكة

يقاتلون قبل ألف عام دون أن يعرفوا عدوهم

لكي يكون تعدادُ الشهداء كاملاً

في كلِّ صباح يُثقَبُ جسدي

وفي ساحة عرصات الجنة، قبل البدء بالرياضة الصباحية

حيث يقف الرب على المنصة، والكل يتصدَّر فصيلة

سأكون الهارب الوحيد والمعاقَب في ما بعد

 

صَـمـتُ المَـدينَـة

مَن يقرأ على شفتي السعادة

مَن يشفق على دروبي الضيقة

أضحى ميتًا، مخنوقًا بالضحك –

الضحك الذي يظهر على وجه حزن هَرِم

صامتًا إلا من زرقة تفوح في مخيلتي تاريخًا من الألم والصراخ

هل يأتي آخر يبتدع أملاً يلفني والجميعَ

حضارة تُصنَع بالأجساد مرة أخرى؟

لا أظن... أظن أن هذا يكفي

فلم يبقَ للوجود وريد لم يزرع ذلك الابتداع

نزفًا من أجساد مدافِعة أو مجاهِدة

لم يأخذ الزمن وقتًا مستقطَعًا من انجرارنا نحو الموت

الذي خلقناه – نعم، خلقناه حينما بدأنا نؤمن

فلم يكن الموت موجودًا مثلما يتبختر على شاهدات أسمائنا المكتوبة في الفراغ الآن

هل يستطيع القادمُ من تاريخ موازٍ أن يتنفس ضجيج مدينتي

حيث الأزقة المرمَّدة بالحزن

والدروب الممشوقة بحياة آسنة

غير أني لم أعد أسمع شيئًا

فالصمت كان حليف الضجة

لذلك أؤمن بالصمت الآن

فهو رب المتكلمين، سيد المعرفة، طاووس المساكين

آخر التدلي: فقبله نار الإيمان، وقدامه نارٌ وقودُها الكلمات –

الكلمات التي تبدِّد جسد الإنسان

هل يستطيع القادم من تاريخ موازٍ أن يدرك كيف لِمَنْ تسربتْ من أكياسهم الحياة

أن يزرعهم الموتُ شظايا في خاصرتي؟

لا أظن... أظن أن الصمتَ بوابةٌ تغلق على الأمل آخر أنفاسه

أظن أن على الجميع أن يعبد الصمت

ففي البدء كان

أظنني سأبدأ أنا أولاً

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود