|
الإنسان والمرض 2 الأمراض الجسميَّة: دلالاتُها النفسيَّة والشفاء منها
كلُّ ما في الوجود كائن في باطنك [أيها الإنسان]، وكلُّ ما في باطنك موجود في الوجود. – جبران خليل جبران
بعض عاداتنا: ماذا تعني؟ ما دوافعها؟ وكيف نتعامل معها؟ ليس عمى البصر إلا التمَظْهُر الأخير للعمى الحقيقي: عمى الوعي والبصيرة. * كل تطرُّف أو غلوٍّ يشير إلى وجود مشكلة ما. فكل من الخجول والدَّعِي يفتقد إلى الثقة بالنفس، وكل من الجبان والجَّسور يساورُه الخوف. فإذا كان موضوعٌ ما بارزًا ومشددًا بشكل من الأشكال فهو يشير إلى ناحية إشكالية ما تزال عالقة. * غالبية البشر تحاول محاولةً غير مباشرة فرضَ رغباتها السلطوية المكبوتة. ولهذا الغرض يستخدم المرءُ في عصرنا مستويات المرض والضعف الاجتماعي قبل غيرها؛ إذ إن هذه المستويات مضمونة نسبيًّا وفي منأى عن الانكشاف والافتضاح السريع. * كل قمع لصراع داخليٍّ إنْ هو إلا هجوم أو اعتداء على ديناميَّة الحياة في حدِّ ذاتها. * إذا كان لدى المرء جوعٌ إلى الحب، ولم يتم إسكات هذا الجوع إسكاتًا مناسبًا، فإنه يعود إلى الظهور في الجسم كجوع إلى الحلوى. إن النهم والشراهة إلى الحلوى والسكاكر هو غالبًا تعبير عن جوع إلى الحبِّ غير مشبَع. * السلس البولي نوع من التخلِّي والإرخاء كردِّ فعل على الضغط المعيش. * الأشخاص الذين يفكِّرون كثيرًا وينشطون ذهنيًّا يتوقون إلى الغذاء المالح والأطعمة الحارة. شديدو المحافظة يفضلون الأطعمة المعلَّبة المحفوظة والمدخَّنة ويشربون الشاي ثقيلاً ومرًّا. أما الأشخاص الذين يفضلون الطعام الشديد التتبيل فيعلنون أنهم يبحثون عن إثارات جديدة وانطباعات جديدة؛ إنهم يحبون التحديات حتى عندما تكون صعبة الاحتمال وصعبة الهضم. وأما الأشخاص الذين يتبنون حمية غذائية خالية من الملح والتوابل فيحمون أنفسهم من الانطباعات الجديدة، ويتحاشون التحديات خوفًا، ويخشون كلَّ مجابهة. * يرمز الخوف من الأشواك إلى العدوان. أما الخوف من النوى فيدل على الخوف من مواجهة المشكلات. * قضم الأظافر هو بمثابة كبح للعدوان الذاتي: مَن يقضم أظافره لديه خوف من عدوانه؛ لذلك يحاول إضعاف "أسلحته" وتقليم حدَّتها رمزيًّا بـ"قضم" عدوانه الذاتي. وإذا ظهر قضم الأظافر عند الأطفال فهذا يعني أن الطفل يمر في مرحلة لا يجرؤ فيها على تحويل عدوانه نحو الخارج. وعليه، ينبغي علينا أن نسعى إلى توفير مجال حيويٍّ للطفل يجد فيه الشجاعة على تحويل عدوانه دون إحساس بالذنب. وعندما يتعلم الطفل الدفاع عن نفسه بدلاً من احترام مخاوف الأهل يكون قضم الأظافر لديه في حُكم المنتهي. * يتوضع القلق عند المتلعثم في العنق. والعنق هو الوصلة بين الجسم والرأس، بين الأسفل والأعلى. فالمتلعثم يحاول جعل العنق، بصفته بوابة عبور، ضيقًا قدر الإمكان كي يستطيع أن يراقب جيدًا ما يصعد من الأسفل إلى الأعلى، من اللاوعي إلى الوعي. فهو لا يريد الانفتاح على مَطالب الجسد الغريزية التي يشتد ضغطُها ويزداد إقلاقُها باستمرار. أما إذا نجح المتلعثم في أن ينفتح ذات مرة فعلاً، يتدفق تيارٌ قوي من الجنس والعدوان والكلام. وعندما يتم التلفظ بكلِّ ما هو كامن لا يعود هناك أي مبرِّر للتلعثم. * الطبع ليس موروثًا ولا مطبوعًا بطابع البيئة المحيطة، بل هو شأن مصاحب؛ إنه تعبير عن الوعي الذي يتجسد. * كل توقف في الطريق يجعل المرء مدمنًا. وسائر خبرات الحياة تجعل المرء مدمنًا إنْ هو استنكف عن سبر غورها وكشف سرَّها. الإدمان هو الجبن عن خوض غمار التجارب الجديدة. * الشَّرِه يعيش الحب في الجسم فقط لأنه يعجز عنه في الوعي. * الكحولي يتوق إلى عالم معافى وسليم وخالٍ من الصراعات. وعلى الرغم من أن غايته خاطئة، إلا أنه يود بلوغها عن طريق تجنب الصراعات والمشكلات. وينطبق هذا على مدمني الحشيش والماريخوانا أيضًا. * للتدخين صلة وثيقة بالطرق التنفسية والرئتين، حيث له، قبل كلِّ شيء، علاقة بالاتصال والتواصل والحرية. فهو عبارة عن محاولة لتنشيط هذه المجالات وإشباعها. * للكوكايين تأثير معاكس: إنه يحسِّن القدرة على العمل والإنجاز تحسينًا هائلاً؛ وبالتالي، يمكن له أن يقود نوعًا ما إلى بعض النجاح. أما الهيروين فييسِّر الهروب من الحوار مع العالم. * وراء تناوُل العقاقير المهلِّسة تكمن النيةُ في اختبار وعي مختلف والاندفاع إلى السمو والتعالي. وهذه العقاقير لا تجعل المرء "مدمنًا" بالمعنى الدقيق للكلمة. وإن كلَّ ما يمكن بلوغه بهذه العقاقير يمكن بلوغه من دونها أيضًا، لكنْ في صورة أبطأ. ويُعَد الاستعجال إدمانًا خطرًا على الطريق. بعض أمراضنا النفسية والذهنية: ماذا تعني؟ وكيف تُشفى؟ تتحول المعالجة النفسية لدى عدد متزايد من البشر في عصرنا إلى وسيلة صالحة لاختبار تجارب الوعي ولتعلُّم التعرف إلى الذات. ولكن لا يجوز للمرء أن يبالغ في توقعاته من المعالجة النفسية، بل ينبغي عليه أن يعلم أنها تمثل إحدى الطرق المتاحة حاليًّا كي يغدو أكثر وعيًا وصدقًا. ولا يجوز أن يكون ثمة مخطط مسبق للمعالجة أو قالب ثابت لها. القلق: هو الشعور بالفتور والانحطاط وفقدان الدافع، وصولاً إلى ما يُعرَف بالاكتئاب الداخلي depression مع العطالة التامة. ونجد في الاكتئاب عددًا هائلاً من الأعراض الجسمية المرافقة، كالتعب واضطرابات النوم وفقدان الشهية والإمساك والصداع وتسرع القلب والآلام القطنية واضطرابات الطمث عند النساء وانخفاض المقوِّية العضلية muscular tonus. على القَلِق أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: ما مدى تعلقي بالسلطة والرقابة والعقل؟ هل في إمكاني الترك والاسترخاء؟ ما مدى نمو القدرة على التسليم والتوكل عندي وتطورها؟ هل أُعنى بالجانب الليلي من نفسي؟ ما هو مبلغ خوفي من الموت؟ وهل تحاورتُ معه بما يكفي؟ النوم المديد: يستدعي هذا العَرَض طرحَ أسئلة من نوع: هل أهرب من الفاعلية والمسؤولية وسيرورة الوعي؟ هل أعيش في عوالم الحلم وأخشى الاستيقاظ والصحو في أرض الواقع؟ الحساسية الوسواسية: لا يمكن للمصاب بالحساسية allergy أن يجد الشفاء إلا إذا تعلَّم الحوار واعيًا مع المجالات التي يتجنبها عادةً ويصدها، حتى يستطيع السماح لها بالدخول إلى وعيه وتمثُّلها كليًّا. على المريض أن يتصالح مع أعدائه ويتعلم محبتهم. موقف مريض الحساسية معادٍ للحياة؛ مُثُله العليا هي التعقيم والتطهير والخلو من الجراثيم والحياة المتحررة من الغرائز والعدوان. والحساسية، بهذه المثابة، عدوان استحال ماديًّا. من هنا ينبغي على المصاب أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: لماذا لا أحتمل عدواني في وعيي فأرغمه على الانتقال إلى جسمي؟ ما هي المجالات الحياتية التي أخشاها حتى التجنب؟ ما هي المواضيع التي تشير إليها مولِّدات الحساسية عندي؟ هل هي الجنس، الغريزة، العدوان، التناسل، القذارة (بمعنى الحياة المظلمة)؟ إلى أيِّ حدٍّ أقوم بتوظيف حساسيتي بغرض التأثير على محيطي والتلاعب به؟ ماذا عن الحبِّ لديَّ وعن قدرتي على السماح له بالدخول؟ القَمَه العصبي: يرفض المرء تناوُل الطعام لانعدام الشهية، إلى أن يقضي نحبه من جراء ذلك، دون أن يظهر في أيِّ وقت الشعورُ بأنه مريض. ونكاد ألا نصادف القَمَه العصبي anorexia nervosa إلا عند المريضات؛ فهو مرض أنثوي نموذجي، مثله كمثل الشراهة bulimia، حيث المريضات يلتهمن كميات هائلة من الطعام ثم يُفرغنها بالتقيؤ. والمصابة تود التخلص من كلِّ ما هو ثقيل وجسدي، تود الهروب من الجنس والغرائز؛ والغاية هي العفة الجنسية والتبتل. لذا يجب على المريضة بالقَمَه العصبي أن تبقى نحيلة قدر الإمكان، وإلا تشكلت في جسمها استداراتٌ وتكوُّرات تثبت أنها امرأة – إذ إنها لا تريد أن تعترف بذلك. فالمثل الأعلى لدى القَمِهات هو الروحانية والابتعاد عن كلِّ ما له علاقة بالجسمانية الوضعية. بعض أمراضنا البدنية: ماذا تعني؟ وكيف تُشفى؟ أمراض النظر والسمع يُظهِر قصرُ البصر على المستوى الجسمي الذاتية الشديدة. بيد أن غايته معرفة الذات: فالمعرفة الحقيقية للذات تُخرِجنا حتمًا من الذاتية الخاصة. فما الذي لا يريد المرءُ أن يراه؟ الجواب دومًا هو: ذاته نفسها! * التشخيص القزحي iridology يستخدم العينين كمرآة للجسم: ففي الإمكان رؤية طبع الإنسان وبنية شخصيته في عينيه أيضًا. * التهاب الملتحمة، مثله مثل كلِّ مرض التهابي، يكشف صراعًا. ويؤدي الالتهاب إلى آلام في العينين لا تخف إلا بإغماضهما. * الإنسان الأحول هو أعور في الحقيقة؛ ذلك أن الدماغ يقمع صورة إحدى العينين، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان رؤية الأبعاد، وبالتالي، إلى نظرة أحادية الجانب إلى العالم. * مَن يعاني من أمراض العيون ومشكلاتها عليه، أولاً، أن يخلع نظارتيه أو عدستيه اللاصقتين ليوم واحد، حتى يعيش في وعي الظرف الحياتي الفعلي. يُنصَح لك بتدوين محضر خلال هذا اليوم تتناقش فيه ونفسَك حول الطريقة التي كنت ترى بها العالم وتعيشه، ما تستطيع وما لا تستطيع، ليُمِدَّك ذلك بمادة كافية للتعرف إلى رؤية العالم ونفسك. وعليك الإجابة عما يلي: ما الذي لا أريد أن أراه؟ هل توصد ذاتي البابَ دون معرفتي لذاتي؟ هل تفوتني معرفة ذاتي فيما يحدث؟ هل أستفيد من بصري في سبيل تنمية بصيرتي؟ هل أخاف من رؤية الأشياء على حدَّتها؟ هل في مكنتي تحويل رؤية الأشياء كما هي؟ أي مجال من مجالات وجودي ينفر منه بصري؟ * القدرة على السمع تعبير جسمي عن الطاعة والخضوع: الأصم أو ضعيف السمع لا يريد الطاعة. وعندما لا يعود المرء يسمح لشيء بالدخول فهذا دليل على شيء من الأنانية. لذلك فإن أكثر التهابات الأذن وآلامها عند الأطفال تحدث في السن الذي يجب على الأطفال فيها تعلُّم الطاعة. والمسن غالبًا ما يفقد المرونة والقدرة على التكيف ويتناقص استعدادُه للطاعة باستمرار. ومَن يعاني من مشكلات سمعية عليه أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: لماذا أنا غير مستعد للإصغاء إلى أحدهم؟ مَن الذي وما الذي لا أريد أن أطيعه؟ هل ثمة توازُن عندي بين القطبين: الأنانية والخضوع؟ الصداع والشقيقة: يتعلق الأمر في الصداع النصفي بألم يظهر في أحد جانبي الرأس، ويتبدى على شكل هجمات قد تترافق باضطرابات بصرية (حساسية للضوء، بقع لماعة) وأعراض معدية ومعوية، كالإقياء والإسهال. ويمكن لسائر المنبهات أن تطلق هجمة الشقيقة: الضوء، الضجيج، تيار هواء، الطقس، القلق. ويتمتع المريض بعد الهجمة بشعور قوي بالصحة والعافية. وتأتي الاضطرابات الهضمية والإمساك في المرتبة الأولى بين الأعراض المرافقة للشقيقة. وفي ذروة الهجمة، تنشأ رغبة ملحَّة في العزلة والانزواء في غرفة مظلمة أو في الفراش. ومن علاماته ميل رأس المريض لاإراديًّا نحو الجانب، فيما ينشأ لديه باستمرار مزيد من الخوف من الاجتماع بأشخاص ذوي شأن ومن مراقبة الآخرين وملاحظاتهم. مريض الشقيقة ينقل موضوعًا جسميًّا إلى الرأس ويحاول أن يعيشه فيه؛ وهذا الموضوع يتعلق غالبًا بالجنس. ويتم تحويل الرأس وظيفيًّا إلى أسفل البطن، حيث إن مريض الشقيقة لديه دائمًا مشكلات جنسية. وأغلب المرضى من الإناث. إن هجمة الشقيقة هي رعشة جنسية في الرأس. وكما يتدفق الدم في الإثارة الجنسية إلى المنطقة التناسلية وينقلب التوتر في الذروة إلى استرخاء، كذلك تسير هجمة الشقيقة: يتدفق الدم إلى الرأس، ويتفاقم الشعور بالضغط ويتزايد التوتر، حتى ينقلب إلى استرخاء بتوسع الأوعية. لدى مرضى الشقيقة صراع بين الغريزة والفكر. ولا يجوز للفكر أن يحلَّ محلَّ الفعل، بل يجب أن يحمل كل منهما الآخر. مريض الشقيقة يحاصر طاقته الجنسية في مجال التصور. لذا ينبغي عليه رؤية مشكلته حيث هي، كي يعيد ما صعد إلى رأسه إلى حيث ينتمي. في الصداع والشقيقة لا بدَّ من طرح الأسئلة التالية: بماذا أجهد رأسي وأنهك فكري؟ أما يزال بين "الأعلى" و"الأسفل" عندي تأثير متبادل حيوي؟ هل أسعى جاهدًا للوصول للأعلى؟ هل أنا عنيد متصلب الرأس؟ هل أحاول التعويض عن الفعل بالفكر؟ هل أنا صادق حيال مشكلاتي الجنسية؟ لماذا أدفع بالرعشة الجنسية إلى رأسي؟ مشكلات الأسنان: يؤوِّل تفسيرُ الأحلام في التحليل النفسي سقوطَ الأسنان في الحلم كإشارة إلى خسارة في القوة والطاقة، فيما يمثل صرير الأسنان مفهومًا راسخًا لعدوان مغلوب على أمره. مَن لديه أسنان تالفة تنقصه الحيوية، وبالتالي، يفتقر إلى الهمة والتوثب والقدرة على التغلب على المصاعب. أما اللثة فتمثل أساس الحيوية والعدوان والثقة الأولية والاعتداد بالنفس. أمراض التنفس: كل قطب يعيش من وجود القطب المضاد له. فإذا قبضنا على أحد الطورين يختفي الطور الآخر أيضًا. كذا هو التنفس: فهو إيقاع – والإيقاع أساس كلِّ حياة، حيث يتم عن طريق الشهيق إمداد كريات الدم الحمراء بالأكسجين الموجود في الهواء، وفي أثناء الزفير نطلق ثاني أكسيد الكربون. النَّفَس لا ينتمي لنا ولا نملكه؛ النَّفَس ليس فينا، بل نحن فيه. عبر التنفس نتصل باستمرار بشيء ما يقع فيما وراء المخلوق، فيما يتعدى الشكل والصورة، حيث نحيا في رحم كبيرة مترامية الأطراف تتجاوز وجودنا المحدود: إنها الحياة، ذلك السر العظيم الذي يعجز المرء عن تفسيره أو التعريف به؛ إذ لا يمكن لنا إلا أن نعيشه ونختبره وحسب، وذلك بأن ننفتح عليه وندعه يسري في كياننا ويتخلَّله. النَّفَس هو الحبل السري الذي تسيل من خلاله الحياة إلينا؛ وهو يحرص على أن نبقى في هذا الاتصال. إنه يقي الإنسان من الانعزال والانغلاق الناجم عن مناعة الأنا وعدم قابليتها للاختراق، لندرك أننا نستنشق الهواء ذاته الذي يستنشقه عدونا ويزفره. فالنَّفَس يربطنا باستمرار مع كلِّ شيء. لهذا تتمتع رئتانا بسطح داخليٍّ تقدَّر مساحته بسبعين مترًا مربعًا، في حين لا تتجاوز مساحة سطح جلدنا مترًا ونصف إلى مترين مربعين. في الأمراض التي لها علاقة بالتنفس ينبغي على المرء أن يسأل نفسه ما يلي: ما الذي لا أريد أن أتقبله؟ ما الذي لا أريد أن أتصل به؟ هل أخشى القيام بخطوة نحو حرية جديدة؟ ما الذي لا أريد أن أعطيه أو أتخلَّى عنه؟ ما الذي يكتم أنفاسي؟ الربو القصبي: الربو القصبي هو ضيق في التنفس يتظاهر بهجمات تترافق بزفير صفيري مميز ناجم عن تضيُّق في القصبات والقصيبات بسبب تشنُّج العضلات الملساء وإثارة التهابية في الطرق التنفسية وتورم وإفراز مفرط في الغشاء المخاطي. والمصاب بالربو يصارع لاستنشاق الهواء ويتنفس لاهثًا، حيث يكون الزفير مخنوقًا. فهو يأخذ الشهيق كاملاً، فيحصل فرط انتفاخ في الرئة، يليه، بالتالي، تشنجٌ زفيري. وتيار التنفس ينقطع عند المصاب بالربو، وذلك حصرًا لأنه يفكر أكثر مما ينبغي في الأخذ، ويحمِّل نفسه في هذا ما لا طاقة لها عليه. تتواصل رغبةُ الانغلاق عند المصاب بالربو إلى أن ينتهي بالموت. وفي إمكان المرء أن يثير غيظ المصاب بشدة بالإشارة إلى أن ربوه ليس خطرًا على حياته وأنه لا يمكن أن يموت منه أبدًا؛ فالمريض بالربو يعلق أهمية كبيرة على خطورة مرضه على حياته. وعند مريض الربو ادعاءٌ شديد بالسيادة، لكنه لا يقر به؛ ولذلك يهبط هذا إلى الجسم، ليظهر عندئذٍ في انتفاخ المصاب بالربو أو غطرسته؛ إذ يحلو له أن يهرب إلى ما هو فكري وشكلي. لكنه إذا ما جوبه بادعاء شخص آخر القوةَ والسيادة يسري الفزعُ في رئتيه، وينعقد لسانُه، ويخونه الكلام (الذي يتشكل من هواء الزفير تحديدًا)، فيغدو عاجزًا عن الزفير ويفتقد الهواء. المصاب بالربو إنسان يتوق إلى الحب، ولكنه عاجز عن منح الحب – يدل على ذلك الزفير المعرقَل. وله وصفة شافية واحدة: هي أن يعي ويصدق مع ذاته دون هوادة. وتتم معالجته ببوله (حقن عضلية)، مما يرغمه على استعادة ما كان قد طَرَحَه (الوسخ والقذارة الخاصة)، ويجبره على التحاور معه ودمجه – وهذا يشفيه. الأسئلة الواجب على المريض الإجابة عنها هي: في أيِّ المجالات أريد الأخذ دون عطاء؟ هل يمكن لي الاعتراف بعدواني اعترافًا واعيًا؟ ما هي الإمكانات المتاحة لي لإظهاره؟ كيف أتعاطى مع الصراع؟ ما هي المجالات التي أحط من شأنها وأصدُّها؟ هل في إمكاني الشعور بشيء من الخوف والقلق المتواري خلف منظومتي القِيَمية الشخصية؟ ما هي المجالات الحيوية التي أحاول تجنبها؟ وأي منها أعده منحطًّا ودنيئًا؟ ولا تنسَ: حينما يغدو الضيق محسوسًا فهو القلق والخوف. والوسيلة الوحيدة ضد القلق هي الامتداد والاتساع؛ ولا يتم هذا إلا عن طريق السماح بدخول العنصر المتجنَّب. الزكام: يظهر الزكام دائمًا في الأوضاع المتأزمة التي يصل فيها الأمر حتى الأنف أو التي تزكم الأنف. والأوضاع المتأزمة هي الأوضاع والظروف اليومية الكثيرة غير الخارقة، لكن الهامة بنظر النفس، التي نشعر بها كفرط إجهاد ونفتش من جرائها عن مبرِّر شرعي كي ننسحب أو نتوارى قليلاً، لأن الوضع يثقل على كاهلنا. الالتهابات: كلمة "التهاب" تتضمن الشرارة الملتهبة التي يمكن لها أن تفجِّر برميل بارود! كل إنتان هو صراع أضحى ماديًّا: فالعراك المتجنَّب في النفس يغتصب مشروعيَّته على مستوى الجسم ويتبدى كالتهاب. الميالون إلى الإصابة بالالتهابات يحاولون تجنب الصراعات. وفي الإصابة الإنتانية ينبغي على المرء أن يطرح على نفسه الأسئلة التالية: أي صراع في حياتي لا أراه؟ أي صراع أتجنبه وأتهرب منه؟ أي صراع أتجاهله ولا أقرُّ به؟ وللعثور على موضع الصراع ينبغي على المرء أن يتبين في دقة رمزية العضو أو الجزء المصاب من الجسم. فالتهاب القولون القرحي، مثلاً، عبارة عن التهاب معي غليظ مزمن ذي بداية حادة، يترافق بآلام بطنية وإسهالات مخاطية مدماة، حيث يخسر الدمَ والمخاطَ مَن يخاف من تحقيق حياته الخاصة التي تتطلب تأسيس موقع خاص تجاه الآخر وبناءه. الدم والقلب: الدم يرمز إلى الحياة. إنه الحامل المادي للحياة وتعبير عن الفردية. هو عصارة خاصة جدًّا؛ وكل قطرة منه تحتوي على الإنسان بأكمله. أما القلب فرمز إلى مركز الإنسان الذي لا يوجِّهه العقل ولا الإرادة. ضغط الدم تعبير عن ديناميَّة الإنسان. وهو ينشأ عن التأثير المتبادل بين سلوك الدم السائل وسلوك جدران الأوعية الواضعة للحدود. ارتفاع ضغط الدم المشروط بالسن يترافق مع تكلُّس في جدران الأوعية الدموية. والإنسان ذو الضغط الدموي المنخفض لا يتعدى هذه الحدود إطلاقًا ولا يحاول فرض نفسه أبدًا، بل يتجنب كلَّ مقاومة. وهو لا ينحاز إلى رأي معيَّن، بمعنى أنه ينأى عن تحمل المسؤولية. وعادة ما يتظاهر انخفاضُ ضغط الدم في صورة افتقار الدم إلى عنصر الحديد. ارتفاع تواتر النبض وضغط الدم لا يحدث عند تزايد الجهد البدني فقط، وإنما بمجرد تصوره سلفًا. فعندما يشتد الدوران الدموي من خلال التصور المستمر لإنجاز ما، لكنْ دون تحويل هذا الإنجاز في وقت ما وتفريغه في نشاط حركي، يحدث ضغط دائم. ويحافظ جهاز الدوران على هذه الإثارة الدائمة بانتظار التحويل إلى فعل؛ فإذا افتُقد هذا التحويل فإن المريض يقع تحت الضغط. هكذا نرى أن صاحبَي الضغط الدموي المرتفع والمنخفض كلاهما يتجنب الصراعات القائمة – كل منهما بتكتيك مختلف. ونجد انخفاض ضغط الدم أكثر مصادفةً عند النساء، بينما نجد الارتفاع أشيع عند الرجال. وارتفاع الضغط الدموي يمثل شرطًا مؤاتيًا لاحتشاء القلب. نبض القلب إيقاع صارم التناغم والانتظام. وعندما يضطرب الإيقاع arrhythmia أو يتسارع tachycardia فجأة، فيما يُسمَّى باضطرابات النَّظْم القلبي، يتجلَّى في ذلك خرقٌ للنظام، أو بالأحرى، انحراف عن السواء المعياري. القلب يدق في جنون لأن الإنسان لا يجرؤ على ترك الانفعالات تهزه في جنون. فهو يمتثل لعقله ويلتزم بالقواعد، ويكون غير مستعد لأن تُخرِجه المشاعرُ والانفعالات عن روتينه المعتاد. من هنا فإن الأعراض القلبية تجبر الإنسان على الإصغاء إلى قلبه ثانية. صاحب القلب الضيق ضحيةُ قوى أناه ورغباتها السلطوية. يتراكم الدم في أوردة الساق السطحية، فلا يعود إلى القلب بصورة كافية، ويعبِّر عن شيء من الكسل والخمول والتثاقل، حيث يفتقد المرء التوثب والمرونة. أما الخثار (الجلطة) فهو انسداد أحد الأوردة بخثرة دموية. فإذا أمسى الإنسان خَمولاً، متثاقل الوعي، و"تخثرت" آراؤه إلى أحكام جاهزة جامدة، سرعان ما يتخثر في الجسم أيضًا ما يُفترَض فيه في الواقع أن يكون سائلاً. وملازمة الفراش تزيد من خطر حدوث الخثار. والأسئلة في هذه الحالة هي: هل هناك توازُن متناغم لديَّ بين الرأس والقلب، بين العقل والشعور؟ هل أفسح لمشاعري مجالاً كافيًا وأجرؤ على إظهارها؟ هل أعيش وأحب من كلِّ قلبي أو من "نصف قلبي"؟ هل تقوم حياتي على نُظُم حية؟ أم أنني أحشرها في إيقاع جامد؟ ألا تزال توجد في حياتي مادة مشتعلة ومادة متفجرة؟ هل أصغي إلى قلبي حقًّا؟ المعدة والأمعاء: ينتمي الهضم إلى عنصر الأرض، فيما التنفس يسيطر عليه عنصر الهواء. مريض المعدة يفتقد القدرة على التعامل مع غيظه وانزعاجه وعدوانه تعاملاً واعيًا، وبالتالي، مع حلِّ الصراعات والمشكلات على مسؤوليته الخاصة. فهو لا يريد مواجهة أيِّ صراع؛ ومعدته تريد طعامًا "مهروسًا"! إن عدم توجيه المشاعر والعدوان نحو الخارج، بل نحو الداخل، نحو الذات نفسها، يؤدي في النتيجة إلى قرحة المعدة. يجب على مريض المعدة أن يتعلم وعيَ مشاعره ومعالجة الصراعات وهضم الانطباعات هضمًا واعيًا. المعي الدقيق يوافق الفكر التحليلي الواعي؛ أما المعي الغليظ فيوافق اللاوعي. واللاوعي يعني مملكة الأموات؛ إذ تتواجد فيه المواد التي لم يتمكن الجسم من تحويلها إلى حياة. مَن يعاني من مشكلات في المعي الدقيق يميل في الغالب إلى الإفراط في التحليل والنقد. والإسهال مؤشِّر إلى إشكالية الخوف: عندما يخاف المرء لا يعود يخصص وقتًا كافيًا للتحاور مع الانطباعات تحليليًّا؛ فهو يدع سائر الانطباعات تعبر إلى الأسفل غير مهضومة. والخوف دومًا يقترن بالضيق وبالتشنج. ومعالجة الخوف تعني الاسترخاء والترك والانبساط والمرونة والرضا. وغالبًا ما تُستوفى معالجة الإسهال في إعطاء المريض كميات كبيرة من السوائل. والإسهال، سواء كان مزمنًا أو حادًّا، يعني الخوف والقلق وإرادة التمسك بشدة بالغة؛ وهو يعلِّمنا الترك والإرخاء والإفراج. أكثر الاضطرابات التي تصيب المعي الغليظ شيوعًا هي الإمساك؛ وهو تعبير عن عدم الرغبة في العطاء، ويترجم رغبةً في التمسك والبخل. الإمساك يعني الخوف من انكشاف المحتويات المكبوتة؛ وهو محاولة للاحتفاظ بالمحتويات المكبوتة اللاواعية والتكتم عليها. حيثما يشتهي الإنسانُ شيئًا محددًا ويستطيبه ففي ذلك تعبير عن ألفة محددة تمامًا؛ وهو، بالتالي، شهادة حول هذا الإنسان بالذات. فالجوع رمز إلى رغبة الامتلاك، والإدخال تعبير عن طمع معيَّن؛ من هنا فإن تناوُل الطعام إرضاءٌ لهذه الرغبة عن طريق الدمج، عن طريق الإدخال والإشباع. الطاقة في الجسم تتوق إلى الجريان؛ وعند منع جريانها يحدث الاحتقان. وإذا طال أمد الاحتقان في الطاقة، دون أن تجد أيَّ مصرف، مالت إلى التماسك والتصلب. فالترسبات والتشكلات الحصوية في الجسم هي دومًا تعبير عن طاقة متخثرة: الحصيات الصفراوية، مثلاً، عدوان متخثر. المعدة تغتاظ، وذلك بإنتاجها على المستوى المادي سائلاً عدوانيًّا بغية معالجة مشاعر غير مادية وهضمها. من ناحية أخرى، فإن الدفاع هو عدم السماح بالدخول: فالإقياء تعبير كامل عن الدفاع والصدِّ والرفض – وهو عدم قبول. وتتضح هذه العلاقة، مثلاً، في إقياء الحمل المعروف الذي يشير إلى رفض الجنين والأمومة. هنا ينبغي سؤال النفس ما يلي: ما الذي لا يمكن لي أو لا أريد بلعه؟ هل أكظم في نفسي شيئًا ما؟ كيف أتعامل مع مشاعري؟ وممَّ نفسي حامضة ومزاجي ممتعض؟ وكيف أتعامل مع عدواني؟ وإلى أيِّ حدٍّ أتجنب الصراعات؟ وهل يوجد في داخلي تشوق مكبوت إلى فردوس الطفولة الخالي من الصراعات، حيث لا ألقى سوى المحبة والرعاية دون أن أضطر إلى التغلب على الصعوبات بنفسي؟ الكبد والكِليتان والمرارة والمثانة: أهم وظائف الكبد: تخزين الطاقة، إنتاج الطاقة، استقلاب الزلال (الپروتين)، وإزالة السموم. والكبد المريض يدل على أن الإنسان يتلقى من شيء ما مقدارًا يتجاوز قدرته على الاستيعاب والمعالجة، ويدل على إسراف وعلى رغبات توسعية مغالية و"مُثُل عليا" أعلى مما ينبغي! عملية تركيب الزلال في الكبد هي نسخة كاملة في العالم الأصغر عما نسمِّيه في العالم الأكبر "تطورًا". يتمتع الكبد بعلاقة رمزية قوية بالمجالات العقائدية والدينية قد يصعب على بعضهم تتبُّع استنباطها. فالدين يبحث عن الصلة الراجعة بالعلَّة الأولى، بالمطلق، بالكلِّ الواحد. ولا يمكن أن يهتدي إلى الطريق الراجع إلا مَن يبصر وَهْمَ الأشكال المختلفة – وهذا هو عمل الكبد. وأسئلة الكبد هي: في أيِّ المجالات فقدتُ القدرة على التقدير والتقييم الصحيح؟ كيف أميز بين ما هو مفيد وما هو سام بالنسبة لي؟ أين وقعت في التفريط وأين وقعت في الإفراط؟ هل تعنيني الأمور العقائدية والدينية؟ أم أن مشاغلي تحجب بصيرتي؟ هل أفتقد إلى الثقة؟ تقوم المرارة بجمع العصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد؛ بينما المثانة هي المجمع الذي تتجمع فيه المواد المطروحة من الكِلية كبول لتتمكن من الانطراح خارج الجسم. جميع المواد التي يتلقاها الجسم تصل في النهاية إلى الدم. وللكليتين دورُ محطة التصفية وتأمين التوازن بين الأحماض والقلويات. تظهر آلامُ الكِلى عندما يغرق المرء في صراعات مع الشريك. ولا تعني "الشراكة" هنا القضية الجنسية، بل أسلوب مواجهة الآخرين واللقاء بهم. وتبلغ شراكةٌ ما غايتَها عندما لا يعود الشريك في حاجة إلى الآخر، ليتوحدا بالحبِّ الأبدي. فالحب فعل وعي يفتح فيه المرءُ حدودَه لِمَنْ يحب حتى يتوحد معه؛ وهذا لا يحدث قبل أن يتقبل المرءُ في نفسه كلَّ ما يمثله الشريك. عندما يمس الكِليةَ شيءٌ ما يجب طرح التالي من الأسئلة: ما هي المشكلات التي أعاني منها مع مَن يشاركني؟ هل أميل إلى اعتبار أخطاء شريكي ومشكلاته خاصة به وحده؟ هل يفوتني التعرف إلى نفسي في سلوكيات شريكي؟ هل أتمسك بقِيَمي القديمة دون أخذ التطور بالحسبان؟ ما هي القفزات التي تريد الحصاة في كِليتي أن تدفعني إلى القيام بها؟ ولأمراض المثانة أسئلة مثل: ما هي المجالات التي أتمسك بها على قِدَمها؟ أين أضع نفسي تحت الضغط فأسقِطُه على الآخرين؟ ما هي المواضيع المستهلَكة التي ينبغي عليَّ التخلِّي عنها؟ ما الذي يُبكيني؟ علاقة التبول في الفراش بالبكاء: كلاهما يخدم في تفريغ ضغط داخلي وتخفيفه عن طريق الترك والإرخاء. من هنا يمكن وصف التبول في الفراش بأنه "بكاء سفلي". أمراض الجلد: كلُّ اضطراب في أحد أعضائنا الداخلية يتم إسقاطه على الجلد؛ وكل تنبيه لمساحة جلدية موافِقة يتم نقله نحو الداخل إلى العضو. وراء جلد شديد الحساسية تكمن نفسٌ حساسة للغاية، في حين يُستدَل من الجلد القاسي على نفس منيعة لا يؤثر فيها شيء، ويكشف لنا الجلد المتعرِّق عن ارتباك وقلق، والجلد المحمرُّ يكشف الإثارة. الهوامات fantasies الجنسية التي يخجل منها المرء تطفو لتتبدى كالتهاب على الجلد. وحَبُّ الشباب يحمي المرء ويدافع عنه لأنه يعسِّر كلَّ حركة ويعيق النشاط الجنسي. يصف الكثير من الأطباء حبوب منع الحمل لمعالجة حَبِّ الشباب معالجة ناجحة؛ فهذه الحبوب تتظاهر في الجسم بالحمل (كما لو أن ما يُخشى منه يحدث فعلاً)، فيختفي حَبُّ الشباب، إذ لا يعود له من مبرِّر. الطفح الجلدي يبين دومًا أن شيئًا ما محجوزًا يود أن يخترق حدود القمع كي يخرج إلى النور–الوعي. يشتد حَبُّ الشباب ويتفاقم كلما أكثر المرء من سَتْر الجلد، بينما يمثل خلع الملابس خطوة انفتاح، حيث تقوم الشمس بطريقة آمنة مقام دفء الجسم الآخر وحرارته (المتاق إليها والمرهوبة في آن معًا). يستتبع كلُّ مرض طفولة غالبًا خطوةً تطوريةً هامة؛ وكلما كان الطفح الجلدي أشد كان سير مرض الطفولة أسرع والاختراق موفقًا. الأُكال: يبين لي الأُكال أو الهرش أن شيئًا ما يتأكَّلني أو يهرشني على الصعيد النفسي. فوراء الأُكال تكمن شهوةٌ ما، نارٌ داخلية، ولعٌ يتشوق إلى الخروج، يريد أن يُكتشَف. ويشي ضعف النسيج الضام عند الإنسان بنقص في الدعم والتماسك، ميل إلى اللين والإذعان، ونقص في التوثب الداخلي؛ ويكون المعانون منه عادةً معطوبين وسريعي التأذي ولوامين نوعًا ما. وتتبدى هذه الصفة في الجسم في بقع زرقاء تظهر عند هؤلاء الأشخاص على الفور لدى أخف صدمة. داء الصدف لا يريد السماح بدخول أيِّ شيء أو بخروجه. فوراء كلِّ نوع من الدفاع يكمن الخوف من الإصابة بجروح. وكلما اشتد دفاعُ شخص ما، كانت درعُه الواقية أسمك وحساسيته الداخلية وخوفه من الأذية أكبر. في مشكلات الجلد تُطرَح أسئلة من نحو: هل أحدُّ نفسي أكثر مما ينبغي؟ كيف هي قدرتي على الاتصال والتواصل؟ هل تكمن وراء موقفي الرافض رغبةٌ مكبوتة في القرب والحميمية؟ ما الذي يطلب فيَّ اختراقَ الحدود كي يظهر في النور (جنس، غريزة، شهوة، عدوان، ولع)؟ ما الذي يتأكَّلني في الحقيقة؟ هل ابتعدت ودفعت بنفسي إلى الانعزال؟ وضعية الجسم: الوضعية التي يقف بها المرء في موقفه الذاتي هي الوسط؛ ونقع عليها في تمارين الـتاي تشي الصينية. وضعية الجسم المنتصبة تجبر الإنسان على الثبات في وجه الاستحقاقات والتحديات وعلى النظر إليها مباشرة نظرة مستقيمة. أما إشاحة المرء برأسه فهي تشير إلى تجنب المواجهة. من هنا يمكن لنا التعرف فورًا إلى وضعية الإنسان التي لا تتطابق مع ماهيته على أنها وضعية غير طبيعية. فإذا أرغم المرضُ الإنسانَ على اتخاذ وضعية معينة ما كان ليتخذها طوعًا، فإن هذه الوضعية تدل على وضعية داخلية غير معيشة، تبين لنا ماذا يعترض الإنسان عليه ويحتج. فالظهر المحدب، مثلاً، يَتَمَظْهَر في خضوع غير معيش. آلام المفاصل والروماتيزم: الروماتيزم مفهوم جامع لمجموعة من الأعراض الناجمة عن تغيرات نسيجية مؤلمة تتظاهر قبل كل شيء في المفاصل والعضلات. تظهر الشكاوى المفصلية والعضلية على أشدها إثر أوقات الراحة، وتتحسن عندما يحرك المريض مفصله. وتصاب المفاصل عادةً إصابةً متناظرة. مَن يحتمل أعباءً أكثر مما يطيق، ولا يعي ذلك، يشعر بالضغط في جسمه على شكل آلام قرصية. المفصل المتيبس والمتصلب يدل أن المريض متصلب ومتشبث بشيء ما؛ وصلابة الفقرة تشي لنا بصلابة صاحبها وعناده. ونكاد نجد في سوابق مرضى الروماتيزم نشاطًا وحركية مفرطين في الشدة؛ إذ هُم شديدو التضحية بأنفسهم في سبيل الآخرين. ويظل التهاب المفاصل يحاصر مرضاه بالتصلب والتيبس كي يجبرهم على الراحة النهائية. طبع مرضى المفاصل الإفراط في التدقيق والنزوع إلى الكمال وملامح اكتئابية، مع حاجة شديدة إلى التضحية من أجل الآخرين، مقرونةً بسلوك أخلاقي مبالَغ فيه وميل إلى تعكر المزاج. السكَّري: لا يستطيع تلقِّي الحب إلا مَن يقدر على منحه: فمَن لا يدع نفسه تعبِّر بما يكفي يتسرب السكرُ إلى دمه لأنه لم يتعلم كيف يمنح من جانبه هذا الحب. الحمل والولادة وأمراض النساء: حالة عدم تصالُح المرأة مع أنوثتها تشكل خلفية معظم اضطرابات الحيض. فبقدر ما تكون المرأة غير راضية تنشأ اضطرابات الطمث وشكاواه؛ ومَن يؤلمها الحيض يؤلمها كونُها امرأة. الاحتجاج على التسليم في اضطرابات الحيض يحول دون الاسترخاء في الحياة الجنسية أيضًا؛ فمَن تستطيع الاسترخاء في أثناء الرعشة الجنسية تستطيع الاسترخاء في أثناء الطمث أيضًا. فالترك والإرخاء والرضا والسماح للأمور بأخذ مجراها التلقائي مطلوب من الرجل والمرأة على حدٍّ سواء إن هما أرادا اختبار الرعشة في عمق. أما انقطاع الطمث فينبِّه المرأة إلى فقدان القدرة على الإنجاب والتناسل، وبالتالي، إلى فقدان مظهر أنثوي نوعي أيضًا. تكشف مشكلات الحمل دومًا عن حالة رفض للطفل. وإسقاط الجنين يدل أن المرأة تريد التخلص من الطفل، والغثيان يعني رفضه. التسمم الحَمْلي هو محاولة جسمية لخنق الجنين، حيث تجازف الأم في ذلك بحياتها. والنساء المعرضات لخطر الإصابة بالتسمم الحَمْلي هن مريضات السكري والكِلى وذوات البدانة الشديدة: فمريضات السكري لا يمكنهن تلقي الحب ولا منحه؛ ومريضات الكِلى لديهن مشكلات مع الشراكة؛ والبدينات يُظهِرن بالنهم والشراهة أنهن يحاولن التعويض عن نقص الحبِّ لديهن بالطعام. ومَن لديهن صعوبات في الحب لديهن كذلك صعوبات في الانفتاح من أجل طفل. جميع المشكلات التي تؤخر الولادة أو تعسِّرها تكشف في النهاية عن محاولة للاحتفاظ بالطفل والامتناع عن تسليمه. وعدم إرضاع الطفل يكشف عن عدم استعداد الأم لتغذية الطفل وحمايته والعناية به عن طريق بذل النفس. وعند الأمهات اللواتي تخلو أثداؤهن من الحليب تكون هذه المشكلة أعمق منها عند اللواتي يدافعن صراحة عن عدم رغبتهن في الإرضاع. الاضطرار إلى العملية القيصرية تعبير عن خوف المرأة من كونها ضيقة أكثر مما ينبغي، عن خوفها من تمزُّق العجان أو من فقدان جاذبيتها عند الرجل. وإذا لم تحمل المرأة أبدًا على الرغم من رغبتها في الطفل فإن هذا يعني إما وجود رفض لاواعٍ أو أن الرغبة في الطفل يحرِّكها حافز غير صادق. هذا وترمز الأورام في الرحم إلى الحمل: فالمرأة تدع شيئًا ما ينمو في رحمها ليتم استخراجه بعملية جراحية، كما في الولادة. لذا ينبغي أن تكون هذه الأورام العضلية مبرِّرًا لاقتفاء أثر رغبات لاواعية في الحمل. يجب تشجيع الحوامل على النظر إلى الأشياء الجميلة، والإصغاء إلى الموسيقى المتناغمة والمنسجمة اللحن، والتفكير إيجابيًّا، والجدية، وتجنب المعارضة. فهذا كله يؤثر على الجنين ومستقبله وعلى قواه وميوله العاطفية والعقلية. وفي حال سلبية المسلك تكون العواقب على الطفل سلبية هي الأخرى. العقم والعجز الجنسي: يكشف عقم الرجل عن الخوف من الارتباط والتقيد بالمسؤولية في حال قدوم الطفل. وكلما تزايدت محاولات الأنا إحداث الرعشة إراديًّا قل الأمل بالنجاح. فمادامت الأنا تريد شيئًا يتعذَّر على المرء بلوغه تنقلب رغبةُ الأنا دومًا إلى عكسها في النهاية: الرغبة في النوم تنتهي إلى الأرق، والرغبة في الفحولة الجنسية تقود إلى العجز الجنسي أو العنانة. فالرجل العاجز جنسيًّا أكثر انسجامًا مع القطب المنفعل، مع دور التابع أو الخاضع؛ إنه رجل يخاف من الإنجاز: فكلما كان ضغط الإنجاز أكبر تضاءل الأملُ في حدوث الانتصاب. في إمكان المرأة الباردة جنسيًّا مع شريكها معايشة الرعشة كليًّا عن طريق الاستمناء اليدوي. فهي لا تريد السماح بدخول أيِّ شيء أو بخروجه، بل تريد أن تبقى باردة. في كلِّ إنسان، كما رأينا، يوجد في آن معًا جانب نفسي أنثوي وآخر ذكري؛ وعلى كلِّ إنسان تطوير كلا الجانبين وإظهارهما في نفسه إظهارًا كاملاً. وراء الصعوبات الجنسية كلها يكمن القلق. وترجح كفةُ القلق بمقدار اعتياد المرء على ضبط النفس. فالنشوة هي فقدان السيطرة، بينما ضبط النفس لا يعني سوى كبت سائر الدوافع غير المرغوب فيها في المجتمع واستبعادها إلى اللاوعي. يُفترَض فيمَن لديه مشكلات جنسية أن يحلَّها على المستوى الجسمي بدلاً من البحث عن سلامته في الهروب. فتوحيد الأضداد على المستوى الأعلى أصعب بكثير. السرطان والإيدز: السرطان حدثية متمايزة وذكية جدًّا، تشغل الإنسان على المستويات كلِّها بالدرجة نفسها. الخلية السرطانية ليست شيئًا قادمًا من الخارج يهدد العضوية، كالجراثيم والفيروسات والسموم، بل هي خلية وضعت مجمل نشاطها حتى الآن في خدمة العضو؛ فهي، بالتالي، تخدم العضوية بأكملها لكي تكون لها أفضل الفرص في البقاء. لكنها تغيِّر نيَّتها فجأة، فتتخلَّى عن تماهيها مع العضو، وتبدأ في تطوير أهدافها الخاصة وتحقيقها بلا هوادة. فهي لا تعود تتصرف بوصفها خلية في كائن حي متعدد الخلايا، إنما تنكص إلى مراحل وجود سابقة من الناحية التطورية وتتصرف ككائن وحيد الخلية: تنسلخ بغشائها الخلوي عن المجموع، وتأخذ في الانتشار السريع عن طريق نشاط انقسامي فوضوي، ضاربة عرض الحائط بكلِّ الحدود المورفولوجية (الارتشاح)، مشيدةً مَعاقِلَها الخاصة في كلِّ مكان. أما المجموع الخلوي الباقي الذي خرجت عنه بسلوكها الشاذ فتستخدمه كمضيف من أجل تغذيتها الخاصة. ويحدث نمو الخلايا السرطانية وتكاثُرها بسرعة تجعل ترويتها الدموية غير كافية؛ ولهذا تتحول من التنفس الهوائي إلى الشكل البدائي للتخمر، حيث يمكن لكلِّ خلية أن تقوم بالتخمر بمفردها. ولا يبلغ هذا الانتشار الناجح جدًّا للخلية السرطانية نهايتَه إلا عند استنزافها. فلا شك أنها سوف تخفق في وقت ما من جراء انقطاع سُبُل الإمداد؛ لكنْ حتى ذلك الحين يبقى سلوكُها مستمرًّا. والسؤال هو: لماذا تقوم الخلية السرطانية بهذا كلِّه؟ كانت هذه الخلية واحدة من بين خلايا كثيرة وَجَبَ عليها إنجاز عمل في سبيل الآخر؛ وقد فعلت ذلك مدة طويلة. ولكن في وقت من الأوقات تفقد العضوية جاذبيتها كإطار لتطور الخلية الخاص. فالكائن الحي وحيد الخلية حرٌّ ومستقل، في وسعه القيام بما يريد، وفي إمكانه أن يخلَد عن طريق تكاثره اللامحدود؛ أما في الكائن عديد الخلايا، فتصير الخلية مستعبَدة وفانية. لذا فإنها تُخضِع التضامن القائم حتى الآن لمصالحها الخاصة، وتشرع في تحقيق حريتها عن طريق انتهاج سلوك لامبال. فسلوك الخلية السرطانية يظل ناجحًا مادام الإنسان على قيد الحياة كمضيف؛ ونهايته تعني نهاية النمو السرطاني أيضًا. هذا وإن للخلية السرطانية حججًا لا تقل قوة عن حجج الإنسان – سوى أن وجهتَي نظرهما مختلفتان: كلاهما يريد الحياة وتحقيق مصالحه وتصوراته عن الحرية. متوسط عمر مرضى السرطان غير المعالَجين يبدو أعلى من متوسط عمر المعالَجين. فمرض السرطان تعبير عن عصرنا وعن صورتنا الجماعية عن العالم. لقد توسعت أنظمة اتصالنا وامتدت لتشمل العالم بأسره حقًّا، لكننا لا نزال لا نجيد التواصل مع جارنا أو شريكنا. الإنسان، في عماه وقصر نظره، لا يختلف عن الخلية السرطانية في شيء. من هنا لا حاجة إلى "قهر" السرطان، بل يجب علينا أن نفهمه فقط كي نتعلم فهم أنفسنا أيضًا. فالسرطان فرصتنا الكبرى كي نكتشف عيوب تفكيرنا وأخطائنا الخاصة. تتميز الخلية السرطانية عن الخلية الجسمية السليمة بالمبالغة في تقدير أناها. لكن الأنا يجب أن تموت كي نتمكن من الولادة الجديدة في الذات. فالتضحية بالشكل لا بدَّ أن تتم للفوز بالمضمون؛ إذ إن العمل العظيم يعني دائمًا التضحية بالأنا. الموت الذي تعمل الخلية السرطانية على إقحام العضوية فيه ينقلب إلى موتها هي أيضًا، مثلما ينطوي موتُ بيئة الأرض على موتنا أيضًا. ومع ذلك تؤمن الخلية السرطانية بخارج منفصل عنها مثلما يؤمن البشر بخارج منفصل عنهم أيضًا – وهذا الاعتقاد داء مميت. أما الدواء فيُدعى الحب. الحب يشفي لأنه يفتح الحدود ويدع الآخر يدخل من أجل التوحد معه. مَن يحب لا يضع أناه في المرتبة الأولى، بل يحيا كلِّيةً أكبر؛ مَن يحب يشعر بالمحبوب تمامًا كما لو أنه هو نفسه. ومَن لا يحيا هذا الحب في الوعي فهو مهدد بأن يهبط بحبِّه إلى الجسدية ليسعى هناك إلى تحقيق قوانينه الخاصة – كالسرطان تمامًا. السرطان، إذن، "حب" على المستوى الخاطئ! فالكمال والتوحد لا يمكن تحقيقهما إلا في الوعي، وليس في نطاق المادة؛ إذ إن المادة هي ظل الوعي. السرطان عَرَضٌ للحبِّ المُساء فهمه؛ وهو لا يهاب إلا الحب الحقيقي. ورمز الحب الحقيقي هو القلب. من هنا فإن القلب هو العضو الوحيد الذي لا يصاب بالسرطان. أما الإيدز فيؤدي إلى انهيار القوى الدفاعية الجسمية. ومدة حضانة فيروس الإيدز طويلة جدًّا؛ فهو بذلك يعتبر عدوًّا غير مرئي تصعب محاربته. وفيروس الإيدز لا يمكن أن ينتقل إلا إذا وصلت خلايا دموية أو حيوانات منوية طازجة إلى الدورة الدموية لشخص آخر مباشرة؛ فخارج العضوية البشرية يموت العامل المُمْرِض. ويحتل اللوطيون حتى اليوم المرتبة الأولى بين الفئات المعرَّضة لخطر العدوى، وذلك لأن الجماع الشرجي يقود إلى جروح في الغشاء المخاطي الحساس للمستقيم؛ وبذلك يمكن للحيوانات المنوية الحاملة للفيروس الوصول إلى الدورة الدموية مباشرة. وقد ظهر الإيدز عندما تمكن اللوطيون في أمريكا من تحسين وضعهم الاجتماعي وشَرْعَنَة ممارساتهم. الإيدز حالة نهائية للحبِّ الهاوي إلى الظل. والموت، في النهاية، ليس غير شكل جسديٍّ للتعبير عن الحب. والجنس الجسدي المحض ينسحب على جسدية الآخر؛ أما الحب فيغمر نفس الآخر. لذا فإن الجنس والحب ينبغي أن يكونا متوازيين، أي أن يلتزما التوازن. بين الإيدز والسرطان الكثير من القواسم المشتركة من حيث المضمون. فالسرطان يصيب المريض وحده، وهو غير قابل للانتقال بالعدوى؛ أما الإيدز فيجعلنا نعي إلى حدٍّ كبير أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن كلَّ عزلة هي انخداع ووهم؛ وبالتالي، فإن الأنا في النهاية وهم. الإيدز يجبرنا في النهاية على تحمل مسؤولية وجودنا. الحوادث بأشكالها: ماذا تعني؟ وكيف نتعامل معها؟ قانون الرنين يقول بأنه لا يمكن لنا أبدًا أن نتصل بما لا صلة لنا به أصلاً. وتمثل السيرورات المادية الوسط المادي الضروري من أجل التَمَظْهُر على المستوى الجسماني. وفي هذا مدعاة للتفكر. لذا ينبغي على المرء أن يتأمل في المجرى الكامل للحادث، مثله كمثل مسرحية، فيحاول فهم البنية الدقيقة للمجرى وينقلها إلى حالته الذاتية. فالحادث عبارة عن صورة كاريكاتورية للإشكالية الذاتية. فرط السرعة الذي يقود إلى حادث ما هو إلا دعوة إلى مراجعة كلِّ تسرع أو عجلة في الحياة، وذلك ليتم خفض السرعة في الوقت المناسب. من هنا ينبغي على المرء مراجعة مناورات التسابق والتجاوز في حياته كافة. أما مَن ينام على المقود فعليه، بأسرع وقت ممكن، أن يصحو في حياته أيضًا قبل أن يتم إيقاظه إيقاظًا أكثر فظاظة! الصادق مع نفسه يمكن له أن يتحقق بعد حادثة ما من أنه، منذ مدة طويلة، لم يكن راضيًا عن مساره وأنه كان يرغب في الواقع في التخلِّي عنه، إنما كانت تنقصه الشجاعة على الإقدام. * الحروق تلفت الانتباه إلى أن المرء يعبث بخطر ما. * الكسر يعني قطع الطريق المتَّبَع حتى الآن، الذي كان يتصف غالبًا بالنشاط والحركة المفرطين. فمبالغة المرء في الحركة والإجهاد تؤدي إلى حالات الكسر؛ وهكذا ففي الكسر تظل الحركة والإجهاد يتجمعان حتى ترضخ النقطة الأضعف. عندما يفرط الإنسان في عناده وتصلبه، بحيث لا يعود ينحني أبدًا، فإن كسر الفقرات يصحح أحادية الجانب هذه. وهذا ما يمكن اتقاؤه بالانحناء والرضا طوعًا. تكاثُر الحوادث في حياة إنسان ما يدل أن هذا الإنسان مستمر في عدم حلِّ مشكلاته حلاًّ واعيًا. فنحن نتحمل دائمًا مسؤولية كلِّ ما يصيبنا في حياتنا – ولا استثناء في هذا. فعندما يعاني أحدهم فهو لا يعاني دائمًا إلا من نفسه: كلٌّ منا هو الفاعل والضحية في شخص واحد؛ ومادام الإنسان لم يكتشف كلا الوجهين في نفسه يتعذر عليه الشفاء. الإنسان الذي أصيب بحادث ما يكون احتمال إصابته بحوادث أخرى أكبر من الأشخاص الذين لم يكونوا يومًا ضحية أيِّ حادث – وهذا ما لا يقبل الجدل، حيث نرى لدى بعضهم استعدادًا خاصًّا للحوادث؛ وهؤلاء يحتفظون بهذه الخاصية في أنواع العمل كلِّها، وفي الحياة اليومية أيضًا. العَرَض المَرَضي يرغم الإنسان على الصدق ماذا نستطيع أن نفعل حيال هذا كلِّه؟ يجب علينا النظر في رغبتنا المستمرة في التغيير. فإذا فعلنا، نكتشف أنه لا يوجد في الواقع أي شيء للتغيير أو الإصلاح – باستثناء طريقة رؤيتنا. ليس في مكنة الإنسان في هذا العالم أن يفعل شيئًا أكثر من تعلُّم الرؤية. فكل الخواطر والأفكار موجود دائمًا، ولكن الإنسان في حاجة إلى زمن كي يستدمجها. الأنا تُمرِضنا، بينما الذات تشفينا. وطريق الشفاء هو الطريق من الأنا إلى الذات، من الأسْر إلى الحرية، من القطبية إلى الوحدة. فالنظر إلى الظل يعني إنارته. التجنب والتنصل يقودان إلى تكوين ظلٍّ معتم، بما يجعل المرء غير سليم. أما رؤية العدوان في حضوره فتشفي. ليس هناك من مبدأ خطير. الخطر هو فقط في الطاقة غير الموازَنة: كل مبدأ يتم تعديله عن طريق قطبه المعاكس – وفي التوازن وحده تسود السكينة. إذا اكتشفنا في عَرَضٍ ما أن شيئًا ما ينقصنا، فحسبنا أن نتعلم حبَّ العَرَض؛ إذ إنه يحقق سلفًا ما ينقصنا. ومَن يتطلع دومًا إلى زوال العَرَض وحسب فهو لم يفهم الفكرة الكامنة وراءه. أما وقد اتضحت لنا هذه الحقائق فلنعِها ولنتمعن في مضمونها: الإنسان، بوصفه العالم الأصغر، يشتمل في وعيه في صورة كامنة على مبادئ العالم الأكبر كلِّها. ولكن بما أن الإنسان، بناءً على قدرته على البتِّ واتخاذ القرار الفَصْل، يتفاعل دائمًا مع نصف المبادئ فقط، فإن النصف الآخر ينتهي إلى الظل، وبالتالي، يكون لاواعيًا بالنسبة إليه. المبدأ غير المعيش في الوعي يغتصب بالقوة حقَّه في الوجود والحياة مداورةً عن طريق الأعراض الجسمية. ففي الأعراض يضطر الإنسان إلى أن يعيش ويحقق ما لم يُرِدْ أن يعيشه في الواقع. وبذلك تقوم الأعراض بمعاوضة أحادية الجانب. الوعي البشري قطبي – وهذا ما يتيح لنا القدرة على المعرفة، من جهة، ويجعلنا غير سليمين وغير كاملين، من جهة أخرى. الإنسان كائن مريض؛ والمرض تعبير عن عدم الكمال، ولا يمكن تجنبه ضمن نطاق القطبية. حالة المرض عند الإنسان تتبدى في أعراض؛ والأعراض عبارة عن أجزاء من الظلِّ هبطت إلى صعيد المادية. العَرَض المرضي عند الإنسان هو ما ينقصه في الوعي؛ لذا فإن الشفاء يهدف إلى الاكتمال والوحدة. الشفاء غير ممكن إلا عن طريق وعي الإنسان للجزء من الظلِّ المستتر في العَرَض المرضي ودمجه. وإذا وجد الإنسان ما ينقصه غدا العَرَض زائدًا عن اللزوم ولا داعي له. فالإنسان يصير سليمًا عندما يجد ذاتَه الحقيقية ويتوحد مع كلِّ ما هو كائن. المرض يرغم الإنسان على عدم هجر الطريق إلى الوحدة؛ من هنا فإن المرض طريق إلى الكمال. ولتفسير الأعراض المَرَضية علينا أن نأخذ بالحسبان النقاطَ التالية: - عند تفسير الأعراض المَرَضية يجب أن نتخلَّى عن العلاقات السببية ظاهريًّا على المستوى الوظيفي؛ - يجب تحليل تاريخ ظهور الأعراض بالتساؤل عن الظروف الحياتية والأفكار والتخيلات والأحلام والأحداث والأنباء التي تُمِدنا بالإطار الزمني للأعراض؛ - لا بدَّ من القيام بتجريد الحدث الأعراضي وإرجاعه إلى المبدأ، مع نقل هذا النموذج إلى المستوى النفسي؛ فالإنصات إلى العبارات اللغوية في باطنها غالبًا ما يخدم كمفتاح، ذلك أن لغتنا نفسجسمية أساسًا. فلنسأل أنفسنا دومًا: ما الذي يحول بيننا وبين المرض؟ وما الذي يرغمنا المرضُ عليه؟ فنحن إذ نفعل نضع أنفسنا على بداية طريق وعي ما نحن فيه وإدراكه – وبذلك وحده نسلك طريق السلامة بحق. *** *** *** |
|
|