|
مستويات
التعقيد
ومستويات
الواقع:
نحو
تعريف جديد بالطبيعة
بَسَراب
نيكولسكو *
كيف
لنا أن نتناول مشكلة الطوالع والمستقبل بدون
أن
نجيء على ذكر الطبيعة؟ كيف لنا أن ندرس
التعقيد في العلوم وما يفضي إليه –
العبرمناهجية[i]
trandisciplinarité
–
بدون أن نوضح بادئ ذي بدء ما هو مفهومنا عن
الطبيعة اليوم؟ من
المعلوم جيداً أن قرننا مموِّت mortifère
بصفة خاصة. فلقد ابتكر أنواعاً شتى من "الموت"
و"النهاية": موت الله، موت الإنسان،
نهاية الإيديولوجيات، نهاية التاريخ. بيد أن
ثمة موتاً قلّما يجري الكلام عليه، خجلاً أو
جهلاً، ألا وهو موت الطبيعة. وبرأيي
بالمناسبة أن موت الطبيعة هذا في أصل كل
التصورات المموِّتة الأخرى التي ذكرناها
لتوِّنا. وعلى كل حال فإن كلمة "طبيعة"
نفسها آلت إلى الاختفاء من المفردات العلمية.
لامراء في أن رجل الشارع وحتى رجل العلم (في
مؤلفاته المبسِّطة)
مايزالان
يستعملان هذه الكلمة، إنما بمؤدّى مشوَّش،
عاطفي، وكأنها استذكار سحري. حسب المرء في
عصرنا أن ينطق بكلمة "طبيعة" لكي يوصف
بأنه من "حماة البيئة" écologiste،
الأمر الذي وإن لم يكن مشيناً فهو مسرف في
التبسيط. فكيف بلغت بنا الأمور هذا المبلغ؟ لم
يكفّ الإنسان منذ فجر الزمان عن تعديل نظرته
إلى الطبيعة. ويجمع مؤرِّخو العلوم على
القول بعدم وجود طبيعة واحدة ظلت هي هي عبر
الأزمنة،1
على الرغم من المظاهر. فبمَ عساها تشترك
طبيعة الإنسان المسمى "بدائياً" مع
طبيعة
الإغريق وطبيعة عصر غاليليه وطبيعة المركيز
دو ساد وطبيعة لابلاس أو طبيعة نوفاليس؟
بلاشيء، ماعدا الإنسان نفسه. إن النظرة إلى
الطبيعة في عصر ما
تتوقف
على الخيال l’imaginaire
السائد في هذا العصر الذي يتوقف بدوره على
حشد من الثوابت: درجة تطور العلوم والتقنيات، التنظيم
الاجتماعي، الفن، الدين، إلخ. ومتى تشكلت صورة الطبيعة فإنها
تفعل في كل مجالات المعرفة. والعبور من نظرة
إلى أخرى ليس متدرِّجاً وموصولاً، بل يتم
بالحري بانقطاعات مباغتة وجذرية وغير
موصولة، حتى إن من الممكن لعدة نظرات
متناقضة أن تتعايش. إن التنوع المذهل
للنظرات إلى الطبيعة يفسر لماذا لا يمكننا
الكلام على الطبيعة، إنما فقط على طبيعة
معينة متوافقة مع الخيال في العصر المعتبَر. لابد
من التشديد على أن العلاقة المتميزة، إن لم
نقل المانعة، بين الطبيعة والعلم ليست إلا
حكماً مسبقاً مؤخراً تأسس على الإيديولوجيا
العلموية[ii]
scientiste
للقرن التاسع عشر. أما الواقع التاريخي فهو
أعقد منها بكثير. فلقد كان لصورة الطبيعة
دوماً فعل متعدد الأشكال، إذ لم يؤثر على
العلم وحسب، بل وعلى الفن والدين والحياة
الاجتماعية أيضاً. وهذا الأمر قد يفسّر
العديد
من
التزامنات العجيبة. حسبي هنا أن أورد مثالين:
ظهور الفن التجريدي والميكانيكا الكوانتية
في آن واحد في مطلع هذا القرن، وظهور نظرية
نهاية التاريخ ونظريات التوحيد في فيزياء
القسيمات معاً في نهايته. المثال الأول
معروف نسبياً بينما لم يُشَر إلى المثال
الثاني حتى الآن. تطمح نظريات التوحيد في
الفيزياء إلى صوغ مقترب تام، قائم على تفاعل
أوحد من شأنه أن يتنبأ بكل ما يمكن أن نرغب في
معرفته (من هنا اسم "نظرية كل شيء" a
theory of everything).
من البيِّن للغاية أنه إذا رأت نظرية كهذه
النور في المستقبل لكان معنى ذلك نهاية
الفيزياء لأنه لن يبقى شيء يُبحث عنه. من
الطريف أن نلحظ أن فكرتي نهاية التاريخ
ونهاية الفيزياء قد اتفق لهما أن تنبثقا في
الوقت نفسه من "نهاية قرننا"
المتخيَّلة. فهل هذه محض مصادفة؟ بيد
أنه على الرغم من التنوع الغزير الفاتن لصور
الطبيعة، بالإمكان التمييز بين ثلاث مراحل
كبرى: الطبيعة السحرية والطبيعة-الآلة
وموت الطبيعة. يتعذر عليّ طبعاً الدخول
في تفاصيل وصف هذه المراحل الثلاث. كل ما
أستطيعه هو تناول موجز لمسألة موت الطبيعة
التي هي منطلق بحثي الخاص. الطبيعة
في نظر الفكر السحري بنية organisme
حيّة تتحلّى بالفطنة والوعي. والمسلَّمة
الأساسية للفكر السحري هي مسلَّمة التواكل
الكلّي: l’interdépendance
universelle.
فلا يستطاع تصور الطبيعة بمعزل عن علاقاتها
مع الإنسان. كل شيء إشارة وأثر وسمة ورمز،
والعلم بالمؤدّى الحديث لهذه الكلمة عديم
الجدوى. عند
القطب الآخر يتصور الفكر الآلوي mécaniste
للقرن الثامن عشر، وبالأخص للقرن التاسع عشر
(الذي مازال سائداً اليوم)، الطبيعة ليس
كبنية بل كآلة يكفي تفكيكها قطعة قطعة
لامتلاك ناصيتها بالكلية. المسلّمة
الأساسية للفكر الآلوي هي أن الطبيعة يمكن
معرفتها والظفر بها بالمنهجية العلمية
المعرَّف بها تعريفاً مستقلاً كل
الاستقلالية عن ماهية الإنسان. والرؤية
الانتصارية لـ"فتح الطبيعة" تضرب
بجذورها في المردودية efficacité
التقنية والتكنولوجية المرعبة لهذه
المسلَّمة. وعلى الرغم من حكم مسبق راسخ فإن
بالوسع البرهان أن اختراع غاليليه لمنهجية
العلم الحديث ليس أصل الفكر الآلوي. فالنظرة
الآلوية نشأت تحت الرعاية المزدوجة لأرسطو
وديموقريطس. وبالوسع البيان أن الرؤية
الجديدة للطبيعة التي أدخلها أرسطو –
الطبيعة المكوَّنة من عناصر خارج الإنسان –
وثيقة الصلة بمنطقه الثنائي binaire
(الهوية وعدم التناقض والثالث المرفوع).
أما العقيدة الذرّانية[iii]
atomiste
فمن المعلوم تماماً أنها كانت في ذلك الوقت
عديمة الأساس العلمي. بل لقد ظهرت من جراء
خوف عميق من الفراغ. لقد كان ينبغي لسيرورة
تقسيم الجوهر أن تتوقف في مكان ما حتى يحال
بين الكون والحياة وبين الذوبان في الفراغ
إلى الأبد. ومن ثم فقد أمست "الجواهر" atomes،
على اختلاف مؤدَّياتها، اللبنات الأساسية
للمادة (كواركات quarks،
لبتونات leptons،
إلخ.) التي يؤمَل اعتباراً منها فك رموز
الكون-الآلة للإيديولوجيا الآلوية الحديثة
المعاصرة بالكامل. مع أرسطو وديموقريطس
وتلامذتهما، إذن، بات كل شيء ممهَّداً لظهور
الطبيعة-الآلة. لكن نظرة مؤسِّسي العلم
الحديث، على سبيل المفارقة، أعمق من ذلك بما
لايقاس، من حيث اعتمادها معايرة حاذقة بين
عناصر سحرية ودينية وعلمية.2
بيد أن النظرة الآلوية هي التي أحرزت النصر (حتى
مستهل قرننا) لأسباب أعقد من أن نستجلِيَها
في هذا المقام.
لقد
استشعر بعض العلماء والفنانين أو الفلاسفة
بالكلية الخطر المميت للفكر الآلوي. كذا فقد
ظهر تيار فلسفة الطبيعة
Naturphilosophie
الألمانية المناوئ، المتمركز حول مجلة Athanaeum.3
وبالوسع ذكر أسماء هامة مثل شِلّنغ وشليغل
ونوفاليس ورِتّر، بدون أن ننسى غوته.
ومؤلفات ياكوب بوهمِه[iv]
هي ملهِمة فلسفة الطبيعة. وهذه، منظوراً
إليها بمنظار عصرنا، قد تبدو تشويهاً مضحكاً
للعلم وتلاعباً فظاً به، وطريقاً مسدوداً في
محاولة زهيدة للعودة إلى الفكر السحري وإلى
طبيعة حيّة. ولكن كيف لنا أن نغيِّب كون
فلسفة الطبيعة هذه تمخّضت عن اكتشافين
علميين كبيرين اثنين على الأقل: النظرية
الخلوية والكهرمغناطيسية بالأخص (أورستِد،
1820)؟ أحسب أن الخطأ الحقيقي لفلسفة الطبيعة
هو أنها ظهرت أبكر بقرنين مما كان ينبغي لها
أن تظهر:
كانت تعوزها الطفرة المثلَّثة الكوانتية
والتكنولوجية والمعلوماتية. إن
النهاية المنطقية للنظرة الآلوية التي
اكتسحت فلسفة الطبيعة بوصفها استطراداً
ضالاً هي موت الطبيعة واختفاء مفهوم الطبيعة
من حقل العلم. لقد تحللت الطبيعة-الآلة
لبداية النظرة الآلوية، مع الإله الساعاتي
أوبدونه، إلى جملة من القطع المفكَّكة.
ومنذئذٍ انعدمت الحاجة إلى كلٍّ متلاحم، إلى
بنية حيّة أو حتى إلى آلة تحتفظ، على الرغم
من كل شيء، بأثر من الغائية. لقد ماتت
الطبيعة وبقي التعقيد. هو تعقيد complexité
مذهل يجتاح كل مجالات المعرفة، من
اللامتناهي في الصغر إلى اللامتناهي في
الكبر. بيد أن هذا التعقيد يُدرَك بوصفه
طارئاً، إذ يُعتبر الإنسان نفسه طارئاً من
طوارئ التعقيد. هي نظرة مبهجة تعيدنا إلى
عالمنا نحن، كما نعيشه اليوم. نصل
بذلك إلى مفارقة اشتقاقية. والحق أن عبارة
"الطبيعة الحية" نفسها حشو لأن كلمة "طبيعة"
وثيقة الصلة بكلمة "ولادة". أقتبس هنا
عن روبير لونوبل:
"[...] كلمة natura
اللاتينية ترتبط كذا بجذر nasci
(وَلَدَ) وتعني أول ما تعني:
فعل التوليد، النمو [...]؛ […]
تشير natura
كذلك إلى أعضاء التناسل، ولاسيما الأعضاء
المؤنثة. ولنلحظ أيضاً أن لصيغة
natio-onis
هي الأخرى معنى الولادة معنى أصلياً؛
وبالمعنى الاشتقاقي وبالتشخيص وبالتأليه
يشير إلى الأمّة nation،
أو إن شئت الوطن patrie،
أرض الآباء."1
هذه الاعتبارات الاشتقاقية البسيطة تطلق
حشداً من الأسئلة. هل اليقظة المعاصرة للأمم
هي آخر انتفاضة للطبيعة المحكوم عليها
بالموت؟ وهل إن مدنية تقبل موت الطبيعة
مدنية محرومة من أعضائها التناسلية؟ ومن ثم
فماذا يمكن أن يكون المغزى من طبيعة ميتة:
هل يستطيع ميت أن يولد أو أن يولِّد؟ اللهم
إلا إذا كان ميتاً حياً، ولكن لا حاجة عندئذٍ
للتفكّر في مفهوم الطبيعة. لكني لا أريد أن
أنساق في مضمار الاشتقاق الزلق جداً كما هو
معلوم. إنما
كان هذا المدخل المسهب ضرورياً لتحديد موقع
مسعاي الخاص. هو
بادئ ذي بدء تحديد منهجي. إذ لست أزعم البتة
تقديم نموذج أوحد و"علمي" للطبيعة، وإن
كانت الفيزياء الكوانتية هي التي تقودني في
بحثي قيادة مستمرة. ومن ثم فقد كانت لكل
النظرات إلى الطبيعة على كرّ التاريخ خاصية
متعددة الأشكال، أو، حتى نستعمل كلمة من
المفردات المعاصرة، خاصية عبرمناهجية transdisciplinaire
4.
ومعادلة العلم البحت = الطبيعة لم تكن، كما
نعلم، إلا استيهاماً –
هو الاستيهام العلمي. سيكون مسعاي إذن
عبرمناهجياً قطعاً. وبهذا أجازف بوصفي
اختصاصياً بمنهج معيّن تماماً مجازفة لا
يستهان بها تتمثل في الخروج من منهجي بأن
أقدم لكم نبذة إجمالية عن بحث عبرمناهجي
طويل الأمد، لابد أن ينخرط فيه مستقبلاً عدد
كبير من أكابر الاختصاصيين. لكني أعلم أن
بوسعي أن أنهض بهذه المجازفة في عالمنا
الرّيبي، المشوَّش، المتحرِّك، والمكدِّر
هذا. بيد أن مكمن الخطر الحقيقي في مكان آخر،
في القفزة المدوِّخة في المجهول التي يمثلها
العبور من موت الطبيعة إلى ولادتها من جديد. منطلقي
هو خبرة معيشة، بوصفي ممارِساً للفيزياء
الكوانتية، تتصف في نظري بخاصية البيّنة:
التعارض بين تأويل متماسك لنتائج العلم
المعاصر (ولاسيما الفيزياء والكونيات
الكوانتية[v])
والموقف الاختزالي الجديد
néo-réductionniste
الذي يعقِد أهمية مانعة على اللبنات
الأساسية للمادة وعلى تفاعلات الفيزياء
الأربعة المعروفة.[vi]
وكل لجوء إلى الطبيعة بحسب الموقف الاختزالي
الجديد لا طائل تحته وحتى عار عن المعنى. هدفي
هو صوغ تعريف بالطبيعة متوافق مع المعرفة
العلمية الحديثة. وعِمادا تعريفي بالطبيعة
هما التاليان:
مفهوم مستويات الواقع les
niveaux de réalité
ومنطق
الثالث المشمول la
logique du tiers inclus.
أقصد
بـالواقع ما يقاوم تجاربنا
وتمثّلاتنا وتوصيفاتنا وصورنا. وأقصد بـالمستوى
جملة من المنظومات لا تغيِّر فيها بعض
القوانين. وأخيراً، أقول إن مستويي واقع مختلفان
إذا ما حصل لدى العبور من واحدهما إلى الآخر
انقطاع في القوانين وفي المفاهيم الأساسية (كالسببية
على سبيل المثال). المثال البيّن هو مثال
الزوجين المستوى الميكروفيزيائي microphysique
والمستوى الماكروفيزيائي macrophysique.5
وبالفعل فإن الانقطاع بين الفيزياء
الاتباعية والفيزياء الكوانتية انقطاع جذري.
لذا فإن تأويل الظاهرات الكوانتية بلغة
الفيزياء الماكروفيزيائية يولِّد مفارقات
لانهاية لها. لم يفلح أحد في إيجاد صورية formalisme
رياضية تسمح بالعبور الدقيق من عالم إلى آخر.
ومع ذلك فإن هذين العالمين يتعايشان، وما
وجودنا إلا البرهان على ذلك. يتعلق
الوجه
الثاني بالمنطق. لقد ولد العلم الحديث نتيجة
انقطاع منهجي، إنما ليس بالضرورة نتيجة
انقطاع في المنطق بينه وبين العلم الذي سبقه.
وهذا يفسر لماذا استطاع أن يولِّد الفيزياء
الاتباعية والفيزياء الكوانتية على حد سواء.
على أن الثورة الكوانتية هي قبل كل شيء ثورة
من نسق منطقي. وبدقة أكبر، الثورة الكوانتية
عبارة عن بروز الثالث المشمول le
tiers inclus
بفضل
المنهجية العلمية. لقد
أدّت الميكانيكا الكوانتية، والفيزياء
الكوانتية من بعد، إلى انبثاق أزواج من
الأضداد يستبعد بعضها بعضاً5
(أ و أ`
، حيث أ`
تعني نفي أ). من الأمثلة على ذلك:
الموجة onde
و الجسيم corpuscule،
الاتصالية continuité
و
عدم الاتصالية discontinuité،
الانفصالية séparabilité
و
عدم الانفصالية non-séparabilité،
السببية المحلية causalité
locale
و
السببية الشاملة causalité
globale،
الاستقلالية autonomie
و
القسرية contrainte،
المرئي و غير المرئي، المتجلّي و غير
المتجلّي، التناظر symétrie
و
انكسار التناظر brisure
de symétrie،
الزمن و اللازمن، عكوسية réversibilité
الزمن و لاعكوسيّته irréversibilité. هناك
حلان ممكنان لهذا الوضع المبلبل:
فإما ألانمنح السلّم الكوانتي منزلة الواقع
(الأمر الذي يعني مرة أخرى إعلان موت
الطبيعة، أياً كانت الاحتياطات البلاغية
المتَّخَذة) ، وإما أن نغيّر منطقنا (كما
اقترح حوالى 1930-1940 كل من ألفرد كورزبسكي
وستيفان لوباسكو). والموقف الثاني هو الذي
نتبنّاه هنا. يتناول تغيير المنطق المسلَّمة الثالثة للمنطق الثنائي الاتباعي – مسلِّمة الثالث المرفوع: "لا يوجد حد ثالث ث (ث من "الثالث المشمول") هو أ و أ` في آن معاً." ينبغي أن تُستبدل بهذه المسلَّمة مسلَّمة الثالث المشمول – "يوجد حد ثالث ث هو أ و أ` في آن معاً" – وهي صياغة تنطوي على تناقض ظاهري لكنها تتضح بالأخص إذا أخذنا بالحسبان المفهوم الأول الذي ناقشناه - مستويات الواقع. بالوسع أن يُمثَّل لحدود المنطق الجديد الثلاثة – أ، أ`، ث – والديناميّات الملازمة لها بمثلث تتوضع إحدى ذراه على مستوى من مستويات الواقع والذروتان الأخريان على مستوى آخر (أنظر الشكل 1). فإذا اقتصرنا على مستوى واحد من مستويات الواقع بدا كل تجلٍّ وكأنه صراع بين عنصرين متناقضين (مثال: الموجة والجسيم). بينما تفعل الدينامية الثالثة، دينامية الحالة ث، على مستوى آخر للواقع يكون فيه ما يبدو مفترِقاً (موجة أو جسيم) مجتمِعاً (كوانتون) في الواقع، وما يبدو متناقضاً يُدرَك بوصفه غير متناقض. الشكل
1:
تمثيل
ترسيمي لفعل منطق الثالث المشمول. مو1
و مو2 يعنيان مستويين
مختلفين من مستويات الواقع. على
الرغم من التحفظات الناجمة عن الخوف (المبرَّر)
من
العودة إلى الفكر السحري فإن منطق الثالث
المشمول أصبح موضوع دراسات معمَّقة، في
فرنسا على الأقل، من قبل مفكرين أمثال
ستيفان لوباسكو الذي تقدم بصياغة ممكنة لهذا
المنطق6
وإدغار موران7
وجان جاك فوننبورغر8
وجيلبير دوران9
وأنطوان فيفر10.
ولقد تكشَّف عن كونه الأداة المثالية لتحليل
التعقيد. وقد حاولنا مؤخراً، بالتعاون مع
تييري مانيان، أن نبيّن أن منهاج التحليل
العلمي للتعقيد، المؤسَّس على منطق الثالث
المشمول، لا يقل خصوبة للاهوتيين، بدون أي
مزج أو توفيقية.11
ولقد أجرى كزافييه سالانتان أبحاثاً مهمة في
هذا المنحى.12 على
كل حال فإن منطق الثالث المشمول يتكشف عن
كونه الأداة المثالية لتحليل التعقيد. أود
أن أذكر بهذا الصدد إبستمولوجيا التعقيد
التي صاغها إدغار موران والتي تقدم لنا
إطاراً عقلانياً لدراسة تنوع كبير من
الظاهرات. ويشدد إدغار موران محقاً أن الأمر
ليس إلغاء منطق الثالث المرفوع، إنما بالحري
الإقرار بأن مجال صلاحيته يقتصر على الحالات
البسيطة:
"مبدأ الثالث المرفوع معلّق في كل القضايا
الريبية (حيث يتعذر الإتيان ببرهان عليها أو
ضدها) في مجال الميكانيكا الكوانتية. وبصورة
أعمّ يجد نفسه معلَّقاً حيثما يلتقي الفكر
بالضرورة العقلانية للجمع بين نسبتين
متضادتين [...] يصلح مجال الثالث المرفوع
للحالات البسيطة [...] والمبدأ عبارة عن حاجز
[...] ليس بالوسع إلغاء الثالث المرفوع، بل
ينبغي تطويعه بمقتضى التعقيد [...] والثالث
المرفوع، الضروري للفكر التحليلي وحسب،
ينبغي أن يُرفع ويُضمَّن على التناوب في
الفكر التحليلي/التركيبي، الفكر الانتظامي،
الفكر المعقّد [...] والحواريّة dialogique
هي الثالث المشمول على وجه التحديد، حيث
تقضي الضرورة أن تكون القضيتان المتعاكستان
مرتبطتين وهما متضادتان."7
بالوسع أيضاً أن نلحظ أن منطق الثالث
المشمول مبطون في المقترب المنظوميّ systémique.13-14
وبرأيي أن إدخال مفهوم "مستويات الواقع"
الذي صغته منذ بضع سنين5
لابد أن يدعم في المستقبل الأساس التجريبي
العلمي لمنطق الثالث المشمول. هناك
دلائل عديدة أخرى من أجل فلسفة للطبيعة
جديدة (مختلفة جذرياً عن الفلسفة الطبيعية
لكنها مكمِّلة لها):
عدم الاتصالية الكوانتية، اللاحتمية l’indéterminisme،
الاتّفاقي البنّاء l’aléatoire
constructif،
الشواش المولِّد للنظام، اللاانفصالية
الكوانتية، البوتستراب، توحيد كافة
التفاعلات الفيزيائية، الأبعاد الإضافية
للمكان، ديناميّة الانفطار العظيم Big
Bang،
المبدأ الأنثروبي the
Anthropic Principle،
الفراغ الكوانتي le
vide quantique.
ولمقاربة كل هذه الأفكار والظواهر لا تكفيني
دراسة بل كتاب. جلّ ما أستطيع هو طرح بعض
الأسئلة منثورة في الهواء. من أين تأتي
اللاانفصالية حين يبدو كل شيء في عالمنا
الماكروفيزيائي منفصلاً؟ من أين يأتي
الاتساق cohérence
المذهل بين اللامتناهي في الصغر
واللامتناهي في الكبر؟ لماذا يبدو تطور
الكون فارضاً، في سبيل وجوده وظهور الحياة،
نوافذ شديدة الضيق على الثوابت المعيارية paramètres
الفيزيائية الأساسية؟ ما هو "واقع"
الأبعاد الإضافية للمكان؟ ما معنى تفاعل
فيزيائي واحد بعينه متحداً بطاقة لن يتم
بلوغها في مسرّعاتنا أبداً؟ إن تساؤلات
كهذه، شديدة الرسوخ في العلم، يمكن لها أن
تقود خطواتنا في تفتيشنا عن تعريف جديد
بالطبيعة. أتخذ
نقطة انطلاق لي موضوعتين اثنتين:
وجود مستويات عديدة للواقع
(ذات عدد منتهٍ أو غير منتهٍ) والفعل الكلي
لمنطق الثالث المشمول. ولهاتين
الموضوعتين، كما رأينا، أساس اختباري ما
بالمعنى العلمي للمصطلح. تقودني
هاتان الموضوعتان إلى إدخال أولاً ثلاثي
يتوقف على
مستوى ما للواقع (مو)، معتبَراً بوصفه منظومة
مرجعيةsystème
de référenc : (الطبيعة
المخلوقية Nature
créaturelle،
الطبيعة الوسيطة Nature
intermédiaire،
الفوقطبيعة
Surnature). المنظومة
المرجعية التي تفرض نفسها هي، بالطبع، مستوى
الواقع حيث نحن - المستوى الماكروفيزيائي (مو0). يُعرَّف
بـالطبيعة المخلوقية بجملة السيرورات
الكونية كما تتبدى لنا بدون تدخل النشاط
الإنساني:
الإنسان، الحيوان، النبات، الأرض، الكواكب،
المجرات، إلخ. وهذا المظهر للطبيعة يتكشّف
على المستوى الماكروفيزيائي مو0. تقع
الطبيعة الوسيطة هي الأخرى في متناول
الاختبار، لكن القوانين التي تحكم مستويات
الواقع المقابلة (مو1، مو2،...؛ مو-1، مو-2،…
–
أنظر الشكل 2) مختلفة جذرياً عن قوانين
المستوى الماكروفيزيائي مو0. وبالإمكان
تقديم مثالين على ذلك المستوى الكوانتي (مو-1)
والطبيعة
التقنية (مو1).
وقد سبق لي وصف المستوى الكوانتي في غير مكان.5
وأود الآن أن أفسر لماذا أعتبر الطبيعة
التقنية مستوى مختلف للواقع، ينتمي إلى
الطبيعة الوسيطة. أقصد
بـالطبيعة التقنية الخلع المادي لذهن
الإنسان خارج ذاته بما يولِّد نتائج ليست
نتاج السيرورات الكونية المسماة بـ"الطبيعية".
على أن لهذه النتائج حركتها الذاتية automouvement،
بدءاً من منظومة طرق السرعة في الولايات
المتحدة وانتهاءاً
بالواقع الافتراضي la
Réalité virtuelle
المكدِّر. ويبدو أن الطبيعة التقنية تخضع
لمبدأ الأقصوية maximalité:
كل ما
يمكن القيام به سيتم القيام به.
وهذا المبدأ حالة خاصة من مبدأ عام للأقصوية
يبدو أنه يحكم الطبيعة: كل ما يمكن أن يحدث،
بمقتضى القوانين، يحدث. من
المسلِّي أن نلحظ أن الطبيعة التقنية تنفِّذ
نوعاً من الارتداد إلى المركزية الأرضية géocentrisme:
الطبيعة
التقنية غير موجودة في مكان آخر، لا في
منظومتنا الشمسية ولا في مجرّتنا، على
الأغلب. والواقع الافتراضي (الذي أفضل
بالحري تسميته بـ"الواقع الكموني" Réalité
potentielle
لأسباب
تتعلق بالاصطلاح الفلسفي) يشغل مكاناً
مركزياً في الطبيعة التقنية لأنه يؤذِن
بالدخول القوي للتجريد في مجال الواقع، وهو
ظاهرة موجودة أصلاً على المستوى الكوانتي. وأخيراً
تتعلق الفوقطبيعة Surnature
بجملة مستويات الواقع العصيّة على الاختبار
العلمي. وبحسب هذا التعريف، ليست الفوقطبيعة
"فائقة للطبيعة" surnaturelle
حقاً، إذ إنها تترجم محدودية مزدوجة ينبغي
أن تنتمي إلى مجال البيّنات: محدودية أعضاء
حواسنا واستطالاتها ومحدودية المنهجية
العلمية (الغاليلييّة). في الشكل 2 مثَّلتُ دارّة مغلقة وموجَّهة تجتاز كل مستويات الواقع. إنها تعني وجود دفق من المعلومات يجتاز هذه المستويات. وانغلاق الدارة يرمز إلى ديناميّة ذاتية التماسك autoconsistante من نمط "بوتستراب"[vii] bootstrap: كل مستوى للواقع هو ما هو لأن كل مستويات الواقع الأخرى موجودة في آن معاً. وتوجيه الدارة يعني أن عبور دفق المعلومات يتم على نحو متلاحم إما بخسارة للمعلومات وإما بكسب لها. وهذا التوجُّه قد يزوّدنا بمفتاح مفيد لفهم وحتى لصياغة مشكلة تحيّر العديد من العلماء المعاصرين صياغة رياضية: مشكلة لاعكوسية الزمن. اللاعكوسية بحسب تذهّننا هي نتيجة خسارة للمعلومات، من حيث إن العبور من مستوى للواقع إلى مستوى آخر يترافق بتعديل في المعلومات. فالعبور من مستوى ميكروفيزيائي مو-1 إلى المستوى الماكروفيزيائي مو0، على سبيل المثال، يجري بخسارة في المعلومات. والعكوسية حاضرة على المستوى مو-1 (وهي محكومة بنظرية الثبوت invariance CPT) ، بينما تظهر اللاعكوسية على المستوى مو0. الشكل
2: تمثيل
ترسيمي للثلاثي (الطبيعة
المخلوقية، الطبيعة الوسيطة، الفوقطبيعة) في
تمثيلينا تُعتبر مستويات الواقع مستويات
طاقية، من حيث إن العبور من مستوى إلى آخر
يكون، بالتعريف، غير متّصل. الطاقة مفهوم
موحِّد، إذ إنها تظهر على هيئة مرمَّزة،
بوصفها معلومات، أو على هيئة عيانية، بوصفها
جوهراً. ويمكن
التأكيد أن تمثيلنا للطبيعة يقابل تلييفاً
fibration،[viii]
يقود إلى بنيان غودِليّ[ix]
لمعرفتنا. وإن
لبوسعنا أن نعرّف بسببية محلية تخص مو معيّن
تمام التعيين، وسببية كلية تخص اثنين أو عدة
أو كل مو. وتنشأ الحركة من التفاعل بين
السببية المحلية والسببية الكلية. و"الموضوعية"
objectivité
تتوقّف
على مو المعتبَر. وفي حضرة عدة مو فإن
التقسيم الثنائي (الذات –
الموضوع)
يجب
أن يُستبدل بها الثلاثي (الذات –
الموضوع –
الثالث المشمول). ونستطيع أيضاً
وصف مفهوم "التناقض" contradiction:
إنه يشير إلى التغيّر المستمر من نوعية طاقة
إلى أخرى. والتعريف بـالمعنى، كما تقدم
به الفيلسوف ريمون لودرو - علاقة تناقضية relation
contradictorielle
بين حضور وغياب - مندرجة في مقتربنا.15
تجيز
لنا هذه الاعتبارات القليلة إدخال ثلاثي آخر
للـطبيعة الحية: (الطبيعة
–
الضدطبيعة anti-Nature
–
العبرطبيعة trans-Nature). لا
يتوقف هذا الثلاثي على مستوى للواقع معيّن
تماماً، وبعبارة أخرى فهو ثابت بالنسبة
إلى مستويات الواقع قاطبة. الطبيعة
هي جملة الظواهر التي تتبدى لنا بوصفها
نتائج السيرورات الكونية أو ذهن الإنسان.
وبالإمكان خصّها بالإنتروبيا entropie
المتنامية، بالنزوع إلى التفتيت، بنزوع
الطاقة إلى الندرة (أنظر الشكل 3). وباختصار
فإن هذه الطبيعة، بنظرنا، هي بؤرة
الانكفاء والموت. والمضي ضد هذه الحركة يعني
"مناوئة الطبيعة"، الأمر الذي ليس بعدُ
الانقلاب إلى الضدطبيعة. وباستعمال
الاصطلاح اللوباسكي يمكن التعريف بالطبيعة
بأنها تحقيق كل التحقيقات l’actualisation
de toutes les
actualisations. المقصود
بالـضدطبيعة واضح إذن: زيادة نفي
الإنتروبيا néguentropie،
النزوع نحو الوحدة في التنوع، تكثيف الطاقة.
فالضدطبيعة هو بؤرة التطور والحياة. وبلغة
لوباسكو يمكننا التأكيد أن الضدطبيعة هي تحقيق
كل التكمينات
l’actualisation
de toutes les potentialisations.
العبور من الطبيعة إلى الضدطبيعة ينطوي على لااتصالية. وهذه اللااتصالية ترغمنا على إدخال حد ثالث هو العبرطبيعة. الشكل
3: ثلاثي
الطبيعة الحية (الطبيعة،
الضدطبيعة، العبرطبيعة) العبرطبيعة
هو ما يعبر الطبيعة والضدطبيعة وما يتعداهما
في آن معاً. العبرطبيعة هو تحقيق كل
الحالات ث وحالات الوجدان l’affectivité.
وبصفة خاصة، تولِّد العبرطبيعة العبرثقافة.
تظهر العبرثقافة trans-culture
بوصفها تجسيداً للعبرطبيعة، بما هي خبرة
حياة وخيال كل شعوب الأرض. تحرِّض
العبرطبيعة عبرحضور
trans-présenceحقيقي
على كل مستويات الواقع. والعبرحضور هذا يمكن
أو يولِّد مستقبلاً أنَسية humanisme
عبرمناهجية –
العبرأنَسية transhumanisme. يُعرَّف
بالطبيعة الحية إذن بالثُلاثيين المناقَشين.
وهذان الثلاثيان يجيزان لي أن أعتبر العديد
من الثلاثيات بوصفها عواقب وتطبيقاً
عيانياً على حياتنا: (الطاقة،
الحركة، العلاقة) (التوحيد،
الوحدة، الواحدية unicité) (مستويات
الواقع، مستويات المعرفة، مستويات الفهم) (المعنى،
الضدمعنى anti-sens،
اللامعنى non-sens) (العلوم
البحتة، العلوم الإنسانية، علوم الثالث
المشمول) (العلم،
الفن، المنقول Tradition) (الطبيعة
التقنية، الثقافة التقنية technoculture،
العلم التقني) (الأنَسية،
الأنَسية التقنية، العبرأنَسية) (الذات،
الموضوع، الثالث المشمول) إلخ. والثلاثي
الأخير (الذات، الموضوع، الثالث المشمول)
مؤسِّس، ليس لما بعد الحداثة، ولكن لما يمكن
أن نطلق عليه اسم الحداثة الكونية la
cosmodernité.
يعوزني المكان للتعليق على كل هذه الثلاثيات.
وإني لعلى يقين أنها تمثل خطى واعدة للبحث
العبرمناهجي. وأضيف أن مواجهة التعريف
الجديد بالطبيعة مع النظرة إلى الطبيعة
لمفكّرين آخرين بالثلاثي لابد أن تتضح
خصوبتها العظيمة. أفكر بصفة خاصة بتشارلز
ساندرز بيرس،16
وبنظريته في الأكوان الثلاثة وثلاثيّه من
المقولات الأساسية (الأولانية Priméité،
الثانوية Secondéité،
الثَلاثية Tiercéité). من
المهم أن نلحظ أن تعريفنا بالطبيعة متساوق
كل التساوق مع الطرائح thèses
الثلاثة المتعلقة بقوانين الطبيعة التي
صاغها فالتر تيرنغ:17
"(1) ليست قوانين كل مستوى أدنى من الهرم
المذكور آنفاً معيّنة كل التعيين بقوانين
المستوى الأعلى، حتى وإن لم تتناقض معها. غير
أن ما يبدو واقعاً أساسياً على مستوى ما قد
يبدو محض طارئ من وجهة نظر المستوى الأعلى؛
(2) تتوقف قوانين مستوى أدنى أكثر على ظروف
انبثاقها من قوانين المستوى الأعلى. غير أن
هذه القوانين ضرورية لحل بعض الإبهامات
الباطنة الخاصة بقوانين المستوى الأدنى؛ (3)
تطورت تراتبية hiérarchie
القوانين متزامنة مع تطور الكون نفسه.
والقوانين الحديثة الخلق لم توجد في البداية
بوصفها قوانين، إنما بوصفها كمونات."
وبرأيي أن منطق الثالث المشمول يقدم أساساً
عقلانياً لهذه الطرائح الهامة الثلاث
المتعلقة بقوانين الطبيعة. قبل أن أختم أود أن أقول تحديداً بضع كلمات على المنطق الذي يحكم دينامية مستويات الواقع. الشكل
4:
تمثيل ترسيمي لفعل مبدأ الهوية اللانهائية يصح
المنطق الاتباعي على مستوى للواقع معيَّن
تماماً (ولنقل مو0). ومبدأ الهوية (أ = أ)
على وجه الخصوص صحيح على هذا المستوى (أنظر
الشكل 4). وإن تأثير مستوى آخر للواقع، توضّحه
النظرية والتجربة العلميتين، يتجلى على
المستوى المعتبَر بظواهر متناقضة، متنافية.
ففي أعقاب المفارقات الكوانتية اقترح ألفرد
كورزبسكي بذلك، منذ 1933،18
إدخال مبدأ تناقض (أ هو أ‘). والصياغة
المباغتة لهذا المبدأ تفسر لماذا ألهم مؤلفي
الخيال العلمي مثل ألفرد فن فوت. فكما رأينا،
هناك حل عقلاني للمفارقات الكوانتية: تبنّي
منطق الثالث المشمول وإدخال مفهوم مستوى
الواقع. ويبدو مبدأ التناقض بوصفه خلعاً
لديناميّة ثلاثية على مستوى ما من مستويات
الواقع. هناك
مستويان متجاوران متصلان بمنطق الثالث
المشمول، بمعنى أن الحالة ث الحاضرة على
مستوى ما متصلة بزوجين من المتناقضات (أ، أ‘)
من المستوى المجاور مباشرة. والبنيان
التكراري لفعل منطق الثالث المشمول،
الممثَّل بالتثليث المبيَّن في الشكل 4،
يولِّد تراكب المستويات وتلاحم الطبيعة
بكليّتها. ويلعب الغلاف الطوبولوجي لكل
حالات ث، الممثَّل بالدارة المغلقة في الشكل
4، دوراً خاصاً. وهذا الغلاف يمثل فعل مبدأ
جديد أصله في العبرطبيعة. وإني أدعو هذا
المبدأ مبدأ الهوية اللانهائية le
principe
d’identité infinie،
من حيث إن هنالك
تصييراً transmutation
دائماً، تفاعلياً ودورياً لحالة ث في زوجين
من المتناقضات (أ، أ‘). ويشتمل مبدأ الهوية
اللانهائية في آن معاً على مبدأ الهوية
الأرسطيّ ومبدأ التناقض. وهذا المبدأ يضيء
مسألة التعقيد إضاءة هامة: التعقيد المرعب
لمستوى واحد من مستويات الواقع قد يعني
البساطة المتناغمة لمستوى آخر. وبذلك يبدو
التعقيد مقياساً للمسافة بين الإنسان
والطبيعة. (من المفيد أن نلحظ أن كلمتي "مستوى"
niveau
و"تعقيد" complexité
متصلتان من الوجهة
الاشتقاقية: كلمة "معقّد" complexe
أصلها باللاتينية complecti
التي
تعني "ضم، احتواء، إحاطة بجملة من الأشياء"). فبحسب
نظرية الأوتار الفائقة Superstrings
في فيزياء القسيمات، على سبيل المثال، تبدو
التفاعلات الفيزيائية وكأنها بسيطة للغاية،
موحَّدة وخاضعة لبضعة مبادئ عامة، إذا تم
توصيفها في زمكان عديد الأبعاد، ولطاقة
مهولة تقابل الكتلة المسماة بكتلة بلانك.
وينبثق التعقيد لحظة العبور إلى عالمنا
المختص حتماً بأربعة أبعاد وبطاقات ميسورة
أصغر بكثير. النظريات الموحَّدة قديرة جداً
على مستوى المبادئ العامة لكنها فقيرة إلى
حد ما في توصيفها لتعقيد مستوانا نحن.17
ويبدو هذا الأمر واحداً من المظاهر الكبرى
لما دعوناه البنيان الغودلي للطبيعة
والمعرفة. أود
الآن أن ألفت النظر إلى الدور المحتمل
لطبيعة الزمكان في التعريف بمستوى من
مستويات الواقع وبالتالي في فهم طبيعة
التعقيد. إن
متّصلنا الزمكاني الرباعي الأبعاد ليس
الزمكان الأوحد القابل للتصور. ففي بعض
النظريات الفيزيائية، يبدو بالحري وكأنه
تقريب، وكأنه "مقطع" من زمكان أغنى
بكثير بالظواهر الممكنة. والأبعاد الإضافية
ليست حصيلة مجرد نظر فكري. فهذه الأبعاد من
جهة ضرورية لضمان التماسك الذاتي للنظرية
وإزالة بعض المظاهر غير المرغوب فيها. وهي من
جهة أخرى غير ذات خاصية محض صورية –
إذ إن لها عواقب فيزيائية على
سلَّمنا نحن. فعلى سبيل المثال، بحسب بعض
النظريات الكونية، لو كان الكون في "بدء"
الانفطار العظيم مقترناً بزمكان عديد
الأبعاد لبقيت الأبعاد الإضافية مستترة إلى
الأبد، غير قابلة للرصد. لكن بقاياها لابد أن
تكون تحديداً التفاعلات الفيزيائية
المعروفة. وبتعميم المثال المستمد من فيزياء
القسيمات، ليس من قبيل اللامعقول التفكير
بأن مستويات معينة من مستويات الواقع تقابل
زمكاناً مختلفاً عن الزمكان الذي يميِّز
مستوانا نحن. والتعقيد نفسه لابد أن يتوقف
بذلك على طبيعة الزمكان. والأهمية
الميتافيزيائية للأبعاد الإضافية للزمكان
سبق لعبد السلام أن لفت النظر إليها.19
يسمح
لنا مبدأ الهوية اللانهائية أيضاً بمقاربة
معقولة لمسألة الصواب la
Raison
الشائكة. كل مستوى للواقع فهو متصل بـدرجة
صواب degré
de Raison
معينة.
والصواب هو مجموع درجات الصواب. وتراكب جملة
درجات الصواب وتماسكها يترجمان تراكب جملة
مستويات الواقع وتماسكها. وبالوسع حتى النظر
في الصواب بوصفه يتولَّد عن مخيّلة الطبيعة.
لكن هذا سينأى بنا كثيراً عن موضوعنا. على
أنه ينبغي التمييز بين "درجة الصواب" و"الصواب
الصغير" la
petite raison.
الصواب الصغير ينتج عن اختزال كافة مستويات
الواقع إلى مستوى واحد. وهو بالتالي، في إطار
النموذج الذي نقترحه على الأقل، صواب يهذي
وغير عقلاني وخطِر حتى. وإني مستيقن أن
الكثير من أحداث التاريخ يمكن أن يُفسَّر
بفعل الصواب الصغير. إن
مفهومنا عن درجات الصواب يجب أن يقارَن
بمفهوم درجات المعرفة الذي جاء به جاك
ماريتان.20
مهما يكن من أمر فنحن منقادون إلى التمييز
بين صواب المعرفة وصواب الفهم: صواب
المعرفة يُستودَع فينا على هيئة معلومات،
بينما صواب الفهم يندغم عضوياً بكيان
الإنسان. وما كنا لنفهم المقصود بتعبير "كلية
الكيان" l’entièreté
de l’être
لو
لم نكن نقوم بهذا التمييز. إن صواب الفهم،
بصورة أو بأخرى، هو الذي يساعد على توسيع
الحوار بين العلم والمعنى.21 إن
التعريف بالطبيعة الذي أتقدم به لا يعني
العودة لا إلى الفكر السحري ولا إلى الفكر
الآلوي لأنه يقوم على التأكيد المزدوج
المتناقض: 1) يمكن للإنسان أن يدرس الطبيعة
بالعلم؛ 2) ليس للطبيعة أن تُتَصوَّر خارج
علاقاتها مع الإنسان. وإني
لواعٍ أن نموذجي عن الطبيعة قابل للنقد
والتعديل والتحسين أو حتى الاستنكار. لكني
موقن أن الأوان قد آن للمضي أبعد من طيب
القول والتصريحات الاحتفالية المتعلقة
بأهمية العبرمناهجية والبدء كذا ببحث
عبرمناهجي حقيقي. إن مفهوم "العبرمناهجية"
مفهوم يتخذ كل الأشكال protéiforme
ويمكن أن يفسح المجال لشطط خطير. وأخطر الشطط
هو النطق بتعريف للعبرمناهجية سابق لأوانه،
بما يحول فضاء حرية إلى عقائدية خانقة. علينا
أن نرضخ لحكم الواقع: بدون تعريف صارم
بالطبيعة لا يمكن أن يكون ثَمَّ تعريف
بالعبرمناهجية. وفي هذا المسعى من المهم فتح
نوافذ الخيال المُطَّلِع
l’imaginaire
informé.
فكما يقول لنا رونيه برجيه: "[...] لاشيء
أكثر استعجالاً من إنقاذ خيالنا من قنوط تام
بأن ننفث فيه معنى الإجلال والخشوع."22
بمثابة
خاتمة، حاولت بتعريفي بالطبيعة أن آتي
بإسهام الأسس المنهجية للعبرمناهجية.
وبذا تبدو هذه وكأنها علم وفن الطبيعة
الحية، بدون أن تكون اختصاصاً جديداً.
حاولت أن أبيِّن كيف يمكن لأساس عالم بلا أسس
أن
يكون تحديداً غياب الأسس. والمعرفة connaissance
تبدو وكأنها "ولادة مع"
co-naissance
الإنسان والطبيعة. إن "فتح الطبيعة"
المحتفل به يُختزل إلى إفناء طبيعتنا نحن.
وبذلك ترتسم إيكولوجيا جديدة –
الإيكولوجيا العبرمناهجية. ينبغي أن يحلّ
تعاون حقيقي بين
الإنسان والطبيعة محل "فتح الطبيعة"
الجنوني القاتل. ويلوح لي مستقبل تطوري لا
ينفصم عن صياغة فلسفة طبيعة جديدة أساسها
الطبيعة بوصفها العبرطبيعة. رأى
غاليليه الطبيعة نصاً مكتوباً بلغة رياضية
يكفي فك رموزه وقراءته. وهذه الرؤية التي
اجتازت القرون تبيّن أنها ذات مردودية مرعبة.
لكننا نعلم اليوم أن الوضع أعقد بكثير. تظهر
لنا الطبيعة بالحري وكأنها نص أولي: كتاب
الطبيعة ليس كتاباً للقراءة بل للكتابة. لايتردد
فيزيائي كبير كستيفن واينبرغ في التساؤل حول
مسألة لامعقولية الكون: "أصعب أيضاً
أن ندرك أن هذا الكون قد تطور بدءاً من شروط
ابتدائية هي من قلة الإلفة بحيث نكاد
لانستطيع تخيّلها، ولابد أن ينتهي بالخمود
في برودة لا تنتهي أو في حرارة جهنمية. كلما
بدا لنا الكون قابلاً للفهم ظهر لنا غير
معقول."23
أما إدغار موران فيتساءل حول الخاصية
المأساوية للكون: "[...] أوليس التعقّد
خروج على الكارثة المعمَّمة لكون مأساوي
جوهرياً وقطعياً."24
غير معقول الكون؟ مأساوي الكون؟ ربما، لو
أهملنا دور الحياة والإنسان ووعيه ودور
الطبيعة الحيّة. شكر
أشكر
ميشيل كامو على أسئلته وملاحظاته المناسبة
للمقام والمحرِّضة. ولقد كان التفاعل مع
الأساتذة رونيه برجيه وأنطوان فيفر وإليوت
ليدر وتييري مانيان وإدغار موران وكزافييه
سالانتان مفيداً للغاية في صوغ الأفكار
المقدَّمة في هذا النص. وأود أن أعرب عن
امتناني للأستاذين فالتر تيرنغ ورونيه توم
على ملاحظاتهما المحرِّضة يوم انعقاد
الجمعية العامة للأكاديمية البابوية للعلوم
(تشرين الأول 1992). المراجع
*
فيزيائي منظِّر فرنسي في المركز الوطني
للبحث العلمي CNRS،
مختص في دراسة القسيمات الأولية ومنكبّ على
بحث العلاقة بين العلم والفن والمنقول (أنظر
الهامشين 4 و 5 في نهاية المقال تجد أسماء
بعض منشوراته). للاطلاع على منحاه الفكري
العام والتوسع في المسائل المطروحة هنا،
راجع كتاب العلم
يواجه تخوم المعرفة (وثائق ندوة البندقية
التي عُقدت بمبادرة من اليونسكو 3-7 آذار 1986)،
بترجمة محمد حسن ابراهيم، منشورات وزارة
الثقافة في ج ع س، سلسلة "علوم" 17، دمشق
1994، حيث قدم نيكولسكو إحدى وثيقتي العمل
الافتتاحيتين للندوة بعنوان "العلم
كشهادة"، ص 29-61، بالإضافة إلى حوار رائع
بينه وبين سْفِن أورتولي ص 159-177، وكتاب العبرمناهجية:
بيان، بتقديم أدونيس وترجمة ديمتري
أفييرينوس، دار مكتبة إيزيس، دمشق 2000. [i]
على حد علمي، جاء بكلمة "عبرمناهجية" transdisciplinarité
(المستعملة بمعنى مختلف عن معنى "بينمناهجية"
interdisciplinarité)
للمرة الأولى عام 1970 كل من جان بياجيه
وأندريه لِشنيروفتش وإريك يانتش؛ راجع
إسهامهم في: Jean
Piaget, André Lichnerowicz & Erich Jantsch, L’interdisciplinarité
– Problèmes d’enseignement et de recherche dans les universités,
OCDE, Paris, 1972. ومن
وجهة نظر اشتقاقية، “trans”
تعني "عبر، أبعد من". ولقد تطور معنى
كلمة "عبرمناهجية" كثيراً مع الوقت،
فكان مؤتمر البندقية (1986) شوطاً حاسماً في
هذا التطور. وبعد تسارع انفجاري وشواشي بعض
الشيء، ينحو معنى هذه الكلمة إلى الاستقرار.
وفي النص الحالي أقصد بـ"عبرمناهجية"
ما هو في الوقت نفسه عبر المناهج
ويتعداها جميعاً. وبحسب هذا المؤدى يتضح أن
العبرمناهجية ليست منهجاً جديداً. [ii]
"العلموية" رأي فلسفي من أشكال
الوضعية شاع في أواخر القرن التاسع عشر،
مفاده أن العلم يستطيع أن يحيط معرفة بكلية
الموجودات وأن هذه المعرفة كافية لتلبية
كافة الأشواق البشرية. (م) [iii]
"الذرانية" atomism
عقيدة قديمة مؤداها أن الكون مشكَّل من
ذرات يتراكب بعضها مع بعض تراكباً طارئاً
وآلياً. وجدت امتدادها المنطقي الحديث في
"الذرانية المنطقية" Logical
Atomism
(برترند رسّل) التي تتصور العالم جملة من
الوقائع المعبَّر عنها بلغة منطقية
مصوَّرة formalized.
(م) [iv]
ثيوصوفي ("حكيم متألِّه") وصوفي ألماني
(1575-1624)، مؤلف السر الأكبر (1623). (م) [v]
تؤكد نظرية الكوانتا أو النظرية الكوانتية théorie
quantique
التي
أسسها ماكس بلانك عام 1900 أن للطاقة المشعة،
شأنها شأن المادة، بنياناً غير متّصل؛ فهي
لايمكن أن توجد إلا على هيئة "كمّات"،
أو كوانتا، تساوي h.v
حيث h
ثابتة بلانك التي تساوي 6,624
´10
³ J. s
و v
تواتر الإشعاع. وهذه النظرية، إلى جانب
نظرية النسبية لأينشتاين، هي أساس
الفيزياء الحديثة. (م) [vi]
يميل العلماء اليوم إلى الاستعاضة عن مفهوم
"القوة" بمفهوم "التفاعل"، بحيث
يكون عدد محدود من "التفاعلات"
الأساسية كافياً لتعليل تعقيد الظاهرات
الفيزيائية. فبالإضافة إلى التفاعل الثقالي
الذي تتصف به كل المنظومات ذات الكتلة يمكن
تمييز التفاعل الكهرضعيف (حصيلة توحيد
التفاعلين الكهرطيسي والنووي الضعيف
الذي توصل إليه الفيزيائيون غلاشو
وواينبرغ وعبد السلام) الذي يعلل في آن معاً
الظاهرات الكهرطيسية والظاهرات
الإشعاعية، والتفاعل النووي القوي
المسؤول عن تماسك نواة الذرة. والواقع أن
جهود علماء عديدين منصبة اليوم على توحيد
هذه التفاعلات في تفاعل واحد "جامع مانع".
(م) [vii]
نظرية البوتستراب نظرية صاغها الفيزيائي
الأمريكي جفري تشو. وبحسب هذه النظرية لا
يمكن اختزال الطبيعة إلى أية كيانات
أساسية، من نحو لبنات البناء الأساسية
للمادة، إنما يجب أن تُفهَم بالكلية عبر
التماسك الذاتي. الأشياء موجودة بفضل
علاقاتها المتساوقة، وعلى الفيزياء كلها
أن تنجم وحسب من ضرورة أن مكوِّناتها يجب أن
يتساوق بعضها مع بعض ومع ذاتها. وعلى مدى
الأربعين سنة الماضية استعمل تشو مقترب
البوتستراب لصياغة نظرية شاملة للقسيمات
ما تحت الذرية، بالإضافة إلى فلسفة طبيعة
أكثر عمومية. وفلسفة البوتستراب هذه لا
تتخلى عن فكرة لبنات البناء الأساسية
للمادة وحسب، بل لا تقبل أية كيانات أساسية
من أي قبيل –
لا ثوابت، ولا قوانين، ولا معادلات أساسية.
الكون المادي يُرى بوصفه نسيجاً دينامياً
من الحوادث المتعالقة. وما من خاصية من
خصائص أي جزء من أجزاء هذا النسيج تتصف
بالأساسية؛ فكلها ينجم من خصائص الأجزاء
الأخرى، والتماسك الإجمالي لتعالقاتها
يعيِّن بنية النسيج برمته. (م) [viii]
الأستاذ رونيه توم هو الذي اقترح عليّ
تسمية تلييف (بالإنكليزية fibering).
وإني أجد هذا المفهوم الرياضي يوصّف
توصيفاً كاملاً الدينامية الذاتية التماسك
الملازمة لبنيانها من حيث مستويات الواقع. [ix]
نسبة إلى كورت غودل (1906-1978)، المناطقي وعالم
الرياضيات الأمريكي النمسوي الأصل، صاحب
النظريتين (1931) اللتين بحسبهما يستحيل على
أية جملة رياضية أن تشكل منظومة تامة لأن
عدم التناقض في هذه المنظومة يبقى أمراً لا
يمكن حسمه. (م)
1
Robert
Lenoble, Histoire de l’idée de Nature, Albin Michel, Paris, coll.
« L’évolution
de l’humanité
», 1990, pp. 229-230. 2
Georges
Minois, L’Église et la science - Histoire d’un malentendu,
vol. I - De Saint Augustin à Galilée, vol. II - De Galilée à
Jean-Paul II, Fayard, Paris, 1990-1991. 3
Georges
Gusdorf, Le savoir romantique de la Nature, Payot, Paris, 1985 ; Ph.
Lacoue-Labarthe et J.-L. Nancy, L’absolu littéraire - Théorie de la
littérature du romantisme allemand, Seuil, Paris, 1978 ; Pierre
Thuillier, « De la philosophie à l’électromagnétisme: le
cas Oersted », La Recherche, Paris, nº 215, mars 1990, pp.
344-351 ; Antoine Faivre, « Franz von Baader et les Philosophes de la
nature », in Naturmystik,
Erich Schmidt Verlag,
Stuttgart, 1979, pp. 381-425. 4
Basarab
Nicolescu, « Une nouvelle approche scientifique, culturelle et
spirituelle - la transdisciplinarité », Passerelles, nº
7, 1993. 5
Basarab
Nicolescu, Nous, la particule et le monde, Le Mail, Paris, 1985 ; Basarab
Nicolescu, Science, Meaning and Evolution - The Cosmology of Jakob Bœhme,
Parabola Books, New York, 1991, pp. 200-201.
6
Stéphane
Lupasco, Le principe d’antagonisme et la logique de l’énergie,
Rocher, Paris, 1987. 7
Edgar
Morin, La Méthode - 4. Les idées, Seuil, Paris, 1991. 8
Jean-Jacques
Wunenburger, La raison contradictoire, Albin Michel, Paris, 1989.
9
Gilbert
Durand, L’imaginaire symbolique, Quadrige / Presses Universitaires
de France, Paris, 1964. 10
Antoine
Faivre, Accès à l’ésotérisme occidental, Gallimard, Paris,
1986. 11
Thierry
Magnin & Basarab Nicolescu, “The Analysis of Complexity in Science and
Theology: Towards a Common Method?”, in Proceedings of the 4th
European Conference on Science and Theology, Villa Mondo Migliore on
Lake Albano, March 23-29, 1992. 12
Xavier
Sallantin, Le monde n’est pas malade, il enfante - Vers l’unité de
la foi et de la connaissance, O.E.I.L., Paris, 1989. 13
Ervin
Laszlo, The Systems View of the World, George Braziller, Inc., New
York, 1972. 14
Erich
Jantsch, The Self-organizing Universe, Pergamon, Elmsford, NY, 1980. 15
Raymond
Ledrut, « Situation de l’imaginaire dans la dialectique du rationnel
et l’irrationnel » in Cahiers de l’imaginaire, nº 1
– L’imaginaire dans les sciences et les arts, Privat, Toulouse,
1988, pp. 43-50. 16
Charles S. Peirce, Selected Writings (Values in a Universe of Chance),
Edited with an introduction and notes by Philip P. Wiener, Dover, New York,
1966 ; Isabel Stearns, “Firstness, Secondness and Thirdness”, in Studies
in the Philosophy of Charles Sanders Peirce, Harvard University Press,
Harvard, 1952. 17
Walter
Thirring, “Do the Laws of Nature Evolve?”, in Proceedings of the
Study Week of the Pontificia Academia Scientiarum on Understanding Reality:
The Role of Culture and Science, 1991. 18
Alfred
Korzybski, Science and Sanity, The International Non-Aristotelian
Publishing Company, Connecticut, 1958 (1st Edition 1933). 19
Abdus
Salam, “Islam and Science”, in Proceedings of the Venice Symposium on
Science and the Boundaries of Knowledge: The Prologue of Our Cultural Past,
UNESCO, Paris, 1986, pp. 163-169. 20
Jacques
Maritain, Distinguer pour unir ou Les degrés du savoir, Desclée de
Brouwer, Paris, 1982. 21
Michel
Cazenave, La science et l’âme du monde, Imago, Paris, 1983. 22
René
Berger, L’effet des changements technologiques, Pierre-Marcel Favre,
Lausanne, 1983, p. 229. 23
Steven
Weinberg, The First Three Minutes, Bantam Books, New York, 1979. 24
Edgar
Morin, « La relation anthropo-bio-cosmique », in Encyclopédie
Philosophique Universelle, vol. I – L’Univers Philosophique,
Presses Universitaires de France, Paris, 1989, p. 384.
|
|
|