|
الأسطورة
والمعنى
(1
من 2)
فراس
السواح
لقد
قلنا في تعريف الأسطورة بأنها ناتج انفعالي
غير عقلاني. أي أنها تصدر عن حالة انفعالية
تتخطى العقل التحليلي، لتنتج صوراً ذهنية
مباشرة تعكس تلك العقلانية الكلانية بين
الذات–الوعي والعالم–المادة. إلا أن
الأسطورة ليست انفعالاً صرفاً لأنها توسِّط
الأفكار في محاولتها للتعبير عن ذلك الانفعال
ومَوْضَعَته في الخارج. فهي، والحالة هذه،
نشاط يصدر عن ذهنية لم تتعلم بعد كيفية تجزئة
موضوع معرفتها وتحليله ثم إعادة تركيبه. إنها
نوع من الحدس بالكلِّيات يُمَوْضِع معرفته
الكلية في صور ومشاهد وشخصيات مفعمة برموز
ذات دلالات، بعضها يتصل بعالم الوعي وبعضها
يتصل بعالم اللاوعي. من هنا فإنها لا تشكل "معرفة"
بالمعنى الدقيق للكلمة. فكيف نستطيع اليوم
اختراق هذه البنية الرمزية المعقدة من أجل
الوصول إلى رسائلها الضمنية؟ وكيف يستطيع
العقل الحديث التفاعل مع هذه التركة الثقافية
الغريبة عنه كل الغرابة؟ إننا أمام مشكلة
تتعلق بالتفسير. فنحن، رغم إحساسنا اليوم
بسطوة الأسطورة ونفاذها إلى أعماقنا لتودع
رسالة ما هناك، فإننا غالباً ما نضيع عن فهم
هذه الرسالة وإعادة صياغتها بطريقة خطية
تنتقل من المقدمات إلى نتائجها. أما لب هذه
المشكلة فهو أننا لا نستطيع تجاوز ذلك الناظم
الأساسي للعقل الحديث، وأعني به ناظم "البرهان".
فلقد أعادت الفلسفة الإغريقية، والفلسفة
العربية من بعدها، تشكيل العمليات العقلية
للإنسان المتحضر وفق قواعد البرهان المنطقي.
ثم تابعت العلوم المختلفة التي استقلت عن
الفلسفة هذه المهمة، فنشأ البرهان الرياضي
والبرهان التجريبي بجميع صوره وأشكاله، مما
قادنا إلى عصر المعلوماتية الراهن. وبما أن
البرهان مرتبط عضوياً بعملية التحليل
والتفكيك، وبالإدراك المجزِّأ لموضوع معرفته، فإنه أكثر ما يمكن
بعداً عن "المنطق"
الأسطوري الذي يحدس ولا يحلل، ولا يرى في
الجزء إلا صورة عن الكل، وينظر إلى "البرهان"
كشأن متضمن في عملية "البيان". إلى جانب هذا
الانفصال النوعي بين العقل الحديث والعقل
الميثولوجي، وهو انفصال يشعر به دارسو
الثقافات التقليدية الحديثة، هنالك انفصال
من نوع مضاف آخر يشعر به دارسو الثقافات
القديمة، هو انفصال القِدَم والانقطاع. إن
العالم القديم الذي أنتج الأساطير، وكانت
بالنسبة إليه وسيلة تلاؤم وتوازن مع وسطه
الفكري الداخلي ووسطه الطبيعي الخارجي، هو
عالم بعيد عنا زمنياً، والعديد من حضاراته
المنطوية في الزمن السابق قد ظهر أمامنا من
تحت الآكام، ولم نكد نعرف عنه شيئاً ولا
أسلافنا القدماء من قبلنا. فهذه الحضارات
موغلة في القدم، من جهة، ومنقطعة عنا، من جهة
أخرى. ولتوضيح مسألة الفرق بين القِدَم
والانقطاع أقول بأن عصر الخلافة الأموية هو
عصر بعيد عنا كل البعد ولكنه غير منقطع. فنحن
متصلون به بسلسلة لم تنقطع واحدة من حلقاتها
أبداً، ولم يأتِ في سياق الزمن الواصل بيننا
وبينه وقت نسي فيه ناسُه خلفاء بني أمية أو
أشعار وأخبار ذلك العصر. أما حضارة سومر،
ومثلها إيبلا، فقد ظهرت لنا دفعة واحدة ولم
نكن نعرف عنها شيئاً البتة قبل بضعة عقود من
الزمان، ولم يكن الأقدمون منا يعرفون عنها
أيضاً. فهي بعيدة ومنقطعة في آن معاً. ومما يزيد مسألة
البعد والانقطاع تعقيداً أن الحضارات التي
صنعت الأساطير لم تكن تنتظم في زمان ثقافي
متصل ومتجانس، بل إنها تعاني أيضاً من مشكلة
التباعد الزمني، والانقطاع بعضها عن بعض في
أحيان كثيرة. فالحضارة الآشورية بعيدة عن
الحضارة السومرية بُعد الحضارة الآشورية عنا.
وسومر منقطعة عن آشور أكثر من انقطاع آشور عنا.
لقد كان الآشوريون ورثة ثلاثة آلاف عام من
حضارة وادي الرافدين، ومع ذلك فلم يكن بينهم
متعلِّم واحد يعرف شيئاً عن الثقافة السومرية
وتاريخها وملوكها. ولم تكن النصوص السومرية
القليلة الموجودة في مكتبة آشور بانيبال إلا
نسخاً عن أصول قديمة لا يعرف أحد شيئاً عن
أصلها وفصلها. على أننا نجد بعض
العزاء في أن المتأخرين من مفكري العالم
القديم لم يكونوا في وضع أفضل منا عندما
حاولوا تأمل عالم الأسطورة إبان الفترات
الأخيرة من تاريخ الشرق القديم، بعدما
اقتحمته الثقافة الإغريقية وأحدثت تغييرات
عميقة في بنية وأساليب التفكير المشرقي. وهذه
نقطة حساسة تتطلب بعض التوضيح بالأمثلة التي
أورد أبرزها فيما يلي: برغوشا وأسطورة
التكوين البابلية
في
القرن الثالث قبل الميلاد، عاش كاهن بابلي
اسمه برغوشا، وضع العديد من المؤلفات باللغة
اليونانية، وعُرِف باسمه اليوناني بيروسوس.
ومن أهم مؤلفات هذا الكاهن كتاب ضخم عن تاريخ
بابل وحضارتها، جمع فيه كل ما تنامى إليه علمه
من أخبار تواترت إليه عن حضارة شعبه. ولكن هذا
الكتاب الهام ضاع، وبقيت منه شذرات في بعض
مؤلفات الكتَّاب الكلاسيين، بينها هذه
الشذرة التي يتحدث فيها عن أسطورة التكوين
البابلية فيقول:[1] في البدء لم يكن سوى
الظلام والمياه. ثم ظهرت إلى الوجود مخلوقات
عجيبة التكوين: رجال ذوو أجنحة ولهم وجهان بدل
الواحد. وآخرون ذوو أجسام بشرية ولكن برأسين؛
رأس لامرأة ورأس لرجل. وكانت أعضاؤهم الجنسية
مذكرة ومؤنثة معاً. وغيرهم لهم سيقان الماعز
وقرونها، أو حوافر الخيل وذيولها. وبالمقابل،
كان هنالك حيوانات شتى استعارت أعضاء بشرية،
كما استعارت بعضها من بعض أيضاً. وفوق هؤلاء
حكمت امرأة اسمها أموركا. والكلمة في اللغة
الكلدانية تعني تامتي أي البحر. ثم جاء مردوخ–بل،
فصارع المرأة وشطرها نصفين، فجعل من شطرها
الواحد أرضاً ومن شطرها الثاني سماءً، وقبض
على المخلوقات العجيبة التي تتبعها جميعهاً،
وأحلَّ النظام في الكون. ولكن الأرض كانت خربة
ومهجورة، فأمر مردوخ بخلق الإنسان من تراب
ممزوج بدم إله قتيل ليملأ الأرض. ثم صنع
الحيوانات بأجناسها. وبعد ذلك خلق النجوم
والكواكب والشمس والقمر. مما لاشك فيه أن
جزءاً لا بأس به من المعلومات المتعلقة
بالمعتقدات البابلية القديمة عن أصل الكون
والآلهة قد وصل إلى برغوشا. ولكن الأمر المؤكد
هو أن نص أسطورة التكوين البابلية الأساسي،
الذي بين أيدينا اليوم، والذي تحدرت منه هذه
الشذرات التي أوردها، لم يكن متوفراً بين
يديه. فرغم اتفاق رواية برغوشا في كثير من
نقاطها مع الأسطورة الأصلية، إلا أن الاختلاف
بينها واضح في كثير من الأحداث الرئيسية
وترتيبها، وفي اختزال بعضها وغياب بعضها
الآخر تماماً. والأهم من ذلك أن نص برغوشا قد
قصَّر عن نقل جو الأسطورة ومراميها الأصلية.
وهو يبدو لنا اليوم أشبه بتقرير صحفي لمراسل
غير متخصص يتحدث عن لوح أثري تم اكتشافه حديثاً. إنه صورة عن فترة النزع الأخير لعالم
الديانات الشرقية القديمة، بعد جفاف روحها
وانقطاع أصولها. ولنقارن الآن نص
برغوشا ببعض مقاطع الإينوما إيليش،
أسطورة التكوين البابلية، التي يرجع نصها إلى
مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، لنلاحظ الفرق
بين النص النثري التقريري والنص الأسطوري.[2] * برغوشا في البدء، لم يكن سوى
الظلام والمياه. ** الإينوما إيليش عندما
في الأعالي لم يكن هناك سماء
وفي الأسفل لم يكن
هنالك أرض لم يكن من الآلهة سوى
آبسو، أبوهم وممو، وتعامة التي
حملت بهم جميعاً يمزجون أمواههم معاً *
برغوشا ثم
ظهرت إلى الوجود مخلوقات عجيبة التكوين. رجال
ذوو أجنحة ... ... ... **
الإينوما إيليش الأم
تعامة، خالقة الأشياء جميعاً أتت بأسلحة لا تقاوم،
أفاعٍ هائلة حادة أسنانها مريعة
أنيابها مُلئت أجسامها بدل
الدماء سماً. أتت بتنانين ضارية
تبعث الهلع توَّجتها بهالة من
الرعب وألبستها جلال الآلهة. يموت الناظر إليها
فَرَقاً خلقت
الأفعى الخبيثة، والتنين، وأبا الهول الأسد الجبار،
والكلب المسعور، والإنسان العقرب عفاريت العاصفة،
والذبابة العملاقة، والبيسون. أحد عشرة نوعاً من
الوحوش أظهرت إلى الوجود ... ... ... * برغوشا ثم جاء مردوخ–بل
وصارع المرأة. **
الإينوما إيليش
رفع الهراوة، أمسكها
بيمينه وربط القوس والجعبة
إلى جنبه ثم أرسل البرق أمامه وملأ جسمه بالشعلة
اللاهبة. صنع شبكة يحيط بها
تعامة وصرَّف الرياح تمسك
بأطرافها ريح الجنوب وريح
الشمال وريح الشرق وريح العاصفة. خلق الأمهيلو،
الرياح الشيطانية، وخلق الإعصار. الرياح الرباعية
والرياح السباعية والزوابع والرياح الداهمة. ثم أفلت الرياح التي
خلق فهبت من ورائه وهاجت
في إثره وقد حفت به الآلهة،
حفت به الآلهة. تدافعت حوله الآلهة،
تدافع آباؤه الآلهة. [وعند اللقاء في أرض المعركة] تلت تعامة تعويذتها
وألقتها عليه مراراً وتكراراً فنشر الرب شبكته
واحتواها في داخلها وفي وجهها أفلت
الرياح التي تصطخب وراءه. وعندما فتحت فمها
لابتلاعه دفع في حلقها الرياح
الشيطانية فلم تستطع إطباقاً وامتلأ جوفها
بالهواء العاصف. ثم أطلق الرب من
سهامه واحداً فمزق أعماقها. فلما تهاوت أمامه
أجهز على حياتها وبهراوته العتية فصل
رأسها وقطع شرايين دمائها التي بعثرتها ريح
الشمال إلى الأماكن المجهولة. * برغوشا وشطرها
إلى شطرين جاعلاً من شطرها الواحد أرضاً
ومن شطرها الثاني
سماءً. ** الإينوما إيليش ثم اتكأ الرب يتفحص
جثتها المسجاة ليصنع من جسدها أشياء
رائعة. شقها فانفتحت كما
الصدفة. رفع نصفها الأول وشكل
منه السماء سقفاً وضع تحته العوارض
وأقام الحرس ثم جال أنحاء السماء
فاحصاً أرجاءها. استقام في مقابل
الأبسو [=
بحر المياه العذبة] قاس الأب أبعاد
الأبسو وأقام لنفسه نظيراً
له، بناءً هائلاً أسماه عيشارا [=
الأرض] ... ... ... أخذ من لعاب تعامة فخلق الغيوم
وحمَّلها بالمطر الغزير وخلق من لعابها أيضاً
ضباباً. ثم عمد إلى رأسها
فصنع منه تلالاً وفجر في أعماقها
مياهاً فاندفع من عينيها
نهرا دجلة والفرات ... ... ... ثم نزع عنها شبكته
تماماً وقد تحولت إلى سماء
وأرض. تعطينا هذه
المقارنة السريعة صورة حية عن الإينوما
إيليش، أسطورة أساطير الثقافة الرافدية،
وتقدم لنا مثالاً عن سلطان الأسطورة الحقيقية
الذي ينبع من سحر البيان، لا من حبكة البرهان،
وأسلوبها المسيطر الذي لا يخاطب العقل بل
الوجدان، وذلك في مقابل النص الآخر الذي نزع
عن الأسطورة غلالتها الميثولوجية وقدمها
كمادة معلوماتية باهتة، تروي بأسلوب موضوعي
ومن موضع مفارق. فيلون الجبيلي
وأسطورة التكوين الفينيقية
كما
قام بيروسوس البابلي بوضع مؤلَّف عن تاريخ
البابليين في القرن الثالث قبل الميلاد، كذلك
فعل المفكر السوري فيلون الجبيلي في القرن
الأول بعد الميلاد، عندما وضع مؤلفاً عن
تاريخ الفينيقيين وحضارتهم. ومن المؤسف أن
كتاب فيلون هذا قد ضاع كما ضاع كتاب بيروسوس
من قبله، ولم تبق منه سوى شذرات قليلة أوردها
مؤلفون آخرون في كتبهم. في إحدى هذه الشذرات
يروي فيلون عن أسطورة التكوين الفينيقية
فيقول:[3] في البدء، لم يكن
هناك سوى هواء عاصف وخواء مظلم. ثم وقع هذا
الهواء في حب مبادئه الخاصة وتمازج. ذلك
التمازج دُعِي الرغبة، وهي مبدأ خلق جميع
الأشياء. ولم يكن للهواء معرفة بما فعل. وقد
نشأ عن تمازج الهواء: موت، الذي كان عبارة عن
كتلة من الطين، أو مجموعة من العناصر المائية
المتخمرة، وهو بذرة خلق وأصل الأشياء. ثم
استضاء الهواء بالتهاب اليابسة والبحر،
وسُيِّرت الرياح والغيوم، وهطل المطر على
الأرض مدراراً. وبتأثير حرارة الشمس انفصلت
الأشياء وطارت من مكانها لتتصادم في الجو،
فنشأت البروق والرعود وعلى صوتها أفاقت ذوات
الحياة مذعورة، وراحت تتنقل على اليابسة وفي
البحر، ذكوراً وإناثاً... يتضح من هذا النص
الذي يشكل مطلع نظرية التكوين الفينيقية
المنسوبة إلى فيلون أن هذا الكاتب كان يحاول
استجلاء طبيعة الفكر الأسطوري الكنعاني
القديم استناداً إلى معلومات مبعثرة جمعها في
قالب تفوح منه رائحة الفكر الفلسفي اليوناني.
وهو، في سعيه لإضفاء المصداقية على نصه، قد
اخترع شخصية دينية قديمة دعاها سانخونياتن،
لم يذكرها أحد قبله، ثم ادعى أنه قد نقل
معلوماته عن هذه الشخصية. وفي الحقيقة، إن ما
وصلنا من معلومات مباشرة عن الميثولوجيا
الكنعانية، سواء في نصوص أوغاريت أم في نصوص
فينيقية متفرقة، يلقي ظلالاً من الشك على
نظرية التكوين المنسوبة لقدماء الفينيقيين
هذه، وعلى معلومات فيلون والمواقف الفكرية
التي يصدر عنها. لقد عاش هذا المفكر في بيئة
مشبعة بالثقافة الهلنستية، وفي زمن كانت
الأسطورة فيه تتلقى أوجع ضربات الفلسفة
الإغريقية، فلم يستطع أن يرى إلى الأسطورة
إلا بمنظار الفلسفة، وجاء عمله بمثابة مساهمة
أخرى في الحرب المعلنة من الفلسفة على
الميثولوجيا. هذا الحديث عن
اليونان يقودنا إلى ما أدعوه بالمشكلة
الإغريقية في دراسة الأسطورة. المشكلة الإغريقية
تبدي
الثقافة الإغريقية انقطاعات حادة في مسيرتها
لم تعرف مثلها ثقافات الشرق القديم. فلقد
رأينا منذ قليل كيف أن كاهناً بابلياً من
القرن الثالث قبل الميلاد كان قادراً على جمع
وتحقيق معلومات عن تاريخ وثقافة بابل، ترجع
إلى ما قبل عصره بحوالى ألف وخمسمائة عام. أما
إغريق القرن السابع قبل الميلاد (وهو القرن
الذي وعى فيه الإغريق أنفسهم تاريخياً) فلم
يعرفوا عن ماضيهم القديم ما يتجاوز حدود
الحروب الطروادية (أي أواخر القرن الثالث عشر
ق م) التي كانوا يعتبرونها بداية لتأسيس
الحضارة الإغريقية، وينظرون إليها كماضٍ
مغرق في القدم رغم قربها النسبي إليهم. ولكننا
نعرف اليوم بشكل شبه مؤكد أن اللغة اليونانية
قد دخلت أرض اليونان القارية في مطلع الألف
الثاني قبل الميلاد، مع فاتحين ينتمون إلى
الجماعات المدعوة بالهندوروبية، وأن دخول
هذه الجماعات كان بداية مرحلة حضارية جديدة
في أرض اليونان. وهذا يعني أن حوالى ألف عام من
تاريخ الثقافة اليونانية كان مجهولاً تماماً
لدى إغريق القرن السابع قبل الميلاد. ويتجلى
انقطاع الثقافة الإغريقية عن ماضيها بشكل
واضح في مجال الأساطير والمعتقدات الدينية.
يقول هيرودوتس، المؤرخ اليوناني المتوفى عام
425 ق م، إن هسيود وهوميروس، اللذين عاشا قبله
بأربعمائة سنة، هما اللذان رسما للإغريق
أساطيرهم وصور آلهتهم.[4]
وهذا القول الذي أُخِذ على علاَّته زمناً
طويلاً لا يعكس بالطبع حقيقة الأمر، ويعطي
صورة عن جهل الإغريق بأصول ديانتهم وأساطيرهم.
فكل ما كانوا يعرفونه أيام هيرودوتس لم يكن
يتعدى في قدمه روايات هذين المؤلفين، اللذين
جمعا ونسقا وأعادا صياغة التقاليد التي
تواترت إليهما منذ القدم. والمشكلة التي
تواجهنا اليوم في دراسة الميثولوجيا
الإغريقية هي أننا، رغم معرفتنا الأكيدة بأن
هسيود وهوميروس قد قدما لنا النسخة الأخيرة
المنقحة عن التقاليد الميثولوجية الأقدم،
إلا أننا لا نستطيع اختراقهما وصولاً إلى
الأشكال الأصلية، كما فعلنا بخصوص أعمال
فيلون الجبيلي وبرغوشا. والسبب في ذلك راجع
إلى عدم توفر نصوص أدبية وأسطورية من الفترات
السابقة للقرن الثامن قبل الميلاد. ونحن
مضطرون هنا إلى الاعتماد على صياغة أدبية
للميثولوجيا الإغريقية عبثت بها يد محرريها
بشكل حاذق. هذه الصياغة الأدبية التي ابتدأها
هوميروس وهسيود، ثم تابعها فيما بعد عدد من
المؤلفين الكلاسيين، تمثل انتصار العمل
الأدبي على المعتقد الديني، على حد قول مؤرخ
الأديان ميرشيا إلياده.[5]
فنحن لا نملك أسطورة يونانية نُقِلت إلينا في
سياقها الديني الشعائري، وإنما من خلال وثائق
أدبية منمقة منقطعة عن خبراتها الدينية
الأصلية، أي من خلال ميثولوجيا مجردة من
القدسية ومنزوعة عنها صفة الأسطرة. وفيما عدا
ميثولوجيات ديانات الأسرار التي نجت من
التصرف الأدبي بسبب الطابع المغلق لتلك
الديانات، فإني أرى أن معظم التفسيرات التي
جهد الميثولوجيون المحدثون في استنباطها
للأساطير الكلاسية تشكل جهداً ضائعاً بحق
لأنها لم تتعامل مع أساطير أصلية، بل مع نسخة
أدبية لا يربطها بالأصول سوى أوهى الروابط. ثم
إني أنطلق من هذه المقدمة، التي أطرحها بكل
ثقة علمية، إلى القول بأن أية دراسة
للميثولوجيا الإغريقية يجب أن تنظر إلى ذلك
الركام الأدبي كمصدر ثانوي ومشكوك به وخاضع
للنقد، وتلتفت إلى الميثولوجيات الشعبية
الخاصة بديانات الأسرار في الثقافة
الكلاسية، لأنها الميثولوجيات الوحيدة التي
تمثل بحق ما بقي من الميثولوجيا اليونانية
الأصلية. نعود
الآن إلى معالجة مسألة "التفسير"، وإلى
تساؤلنا الأساسي المتعلق بكيفية تعامل العقل
الحديث مع تلك التركة الثقافية الغربية عنا
كل الغرابة. الأسطورة
بين البسيط والمستغلق من
خلال الأفكار التمهيدية التي سقتها أعلاه قمت
بإلقاء الضوء على عقبتين رئيسيتين نواجههما
في فهمنا وتفسيرنا للأسطورة. العقبة الأولى
ذاتية، وتتعلق باختلاف آليات تفكيرنا اليوم
عن آليات تفكير الإنسان القديم، والثانية
موضوعية وتتعلق بالبعد الزمني والانقطاع عن
تلك الثقافات التي أنتجت الأساطير. ولكننا
رغم العقبات مطالبون بفهم وتفسير هذه التركة
الميثولوجية الغنية، لأننا لا نستطيع أن نبقي
على هذا المصدر الهام من مصادر الثقافة
الإنسانية في دائرة الظل، ولا أن نقول مع
بعضهم بأن الأسطورة ليست إلا نتاج طفولة
العقل الإنساني القاصر، في مرحلة من مراحل
تطوره، وأنها تفتقر إلى أية قيمة إيجابية أو
مغزى، لأننا نكون بذلك قد حكمنا على الحضارات
الكبرى الغابرة بأنها لم تكن سوى أقنعة
للغباء البدائي. غالباً
ما يبدأ دارسو الميثولوجيا باستعراض ونقد
للمدارس الرئيسية التي نشأت منذ أواسط القرن
التاسع عشر، من طبيعانية وبراغماتية
وبسيكولوجية وبنيوية وما إليها، لينتهوا إلى
الوقوف إلى جانب واحد منها، أو التأسيس
لنظرية جديدة ينطلقون منها. وهذا ما لن أفعله
هنا، لأن منهجي الخاص هو منهج تجريبي لا يقوم
على نظرية بعينها تدَّعي الشمول والإطلاق، بل
على النظر إلى كل نسق ميثولوجي على حدة، وإلى
خصوصية كل أسطورة ضمن هذا النسق الميثولوجي
الذي تنتمي إليه. ولسوف ألجأ فيما يلي إلى عرض
هذا المنهج التجريبي من خلال تقديم ثلاثة
نماذج من الأساطير، تتدرج في تركيبها من
البسيط إلى المعقد إلى المستغلق. ثم أجري مع
القارئ محاولات في الفهم والتفسير، لنستكشف
معاً كيف تتدرج الأسطورة في إسلام قيادها
لنا، ونختبر مدى فعالية أدواتنا في التعامل
معها. ونماذجنا هذه مستمدة جميعاً من
ميثولوجيا الشرق القديم. *
النموذج البسيط هلاك
مدينة أور يبدأ
هذا النص السومري ببكائية للإلهة ننجال، إلهة
مدينة أور، تندب فيها مدينتها التي اتخذ
الآلهة قراراً سماوياً بتدميرها. أقتطف من
مطلعها الأسطر التالية:[6] اليوم الذي كنت أخشى،
يوم العاصفة، يوم العاصفة ذاك، قد
كُتِب عليَّ وقُدِّر. هبط عليَّ مثقلاً
بالدمع، يوم العاصفة ذاك، قد
كُتِب عليَّ وقُدِّر هبط علي مثقلاً
بالدمع، هبط عليَّ أنا الملكة. اليوم الذي كنت أرتعد
منه، يوم العاصفة، يوم العاصفة ذاك، قد
كُتِب عليّ وقدّر. هبط عليَّ مُثقلاً
بالدمع. جفا الرقاد وسادتي
والأحلام، لأن الأسى المرَّ قد
قُدِّر على أرضي وشعبي. سعيت إلى شعبي كما
البقرة إلى عِجلها، فلم أستطع نشله من
الطين. لأن الحزن والأسى قد
قُدِّرا عليها. ستدمَّر أور فوق
أساساتها، ستفنى أور في مكانها، حتى لو نشرت جناحي
وطرت إليها. بعد
المرثية الطويلة التي يُستهَل بها النص، نجد
الإلهة ننجال تسعى يائسة لدفع الكارثة عن
مدينتها، وتستجدي مجمع الآلهة الذي انعقد
لاتخاذ القرار الحاسم: ثم توجهْتُ بتصميم
إلى المجمع قبل انفضاضه، بينما كان آلهة
الأنوناكي[7]
جلوساً يتعاهدون. جرجرْتُ قدميَّ،
فتحت ذراعيَّ. ذرفْتُ الدموع أمام
آن بكيت بحرقة أمام
إنليل قلت لهما: عسى أور لا
تدمَّر، عسى مدينتي أور لا
تدمَّر، قلت لهما. ولكن آن لم يعط دعائي
أذناً، وإنليل لم يثلج صدري
بكلمة، بل أصدرا الأوامر
بهلاك المدينة، أصدرا الأمر بهلاك
أور. وسيفنى أهلها وفق
القضاء النافذ. وهكذا
يصدر القرار من مجمع الآلهة بدمار المدينة
وهلاك أهلها، ويعهد مجمع الآلهة إلى إنليل،
رب العاصفة، بتنفيذ القرار. وقبل أن يتحرك
إنليل لأداء مهمته، يقوم إله القمر نانا،
المعبود في مدينة أور، بمحاولة أخيرة من
جانبه للدفاع عن المدينة، ويبتهل إلى إنليل
بدعاء طويل نقتطف منه بعض أبياته: أي أبي إنليل الذي
أنجبني. أيَّ ذنب جنته مدينتي
حتى أدرت وجهك عنها؟ أي أبي إنليل الذي
أنجبني. انشل مدينتي من
وحشتها، ضمها إليك ثانية. انشل معبدي من عزلته،
ضمه إليك ثانية. دع اسمك يعلو في أور
مجدداً، دع أهليها يرتعون في
حماك مثلما كانوا. ولكن
إنليل يجيبه، بعد أن يستمع إليه مطولاً، بأن
قرار الآلهة لا رجعة عنه، وأن البشر لم يعطوا
ميثاقاً باستمرار الأحوال وراحة البال. لم
تقترف أور ذنباً ولكن قد حُمَّ عليها القضاء: أجاب إنليل ابنه
قائلاً: قلب المدينة يبكي،
وناي القصب فيها ينوح. شعبها يقضي يومه في
العويل والصراخ. أي نانا، أيها
النبيل، عد لشأنك، فإنك لن تقايض بالدمع
شيئاً. حُكمنا لا مبدِّل
لكلماته، حكم المجمع. لقد مُنحَت أور
سلطاناً ولكنها لم تُمنَح دواماً. منذ القدم، منذ أن
أرسيت البلاد إلي يومها هذا، من رأى منكم مُلكاً
باقياً؟ كذا فسلطان أور قد
اجتُثَّ وولَّى. أما أنت يا نانا، فدع
الهمَّ عنك واهجر البلدا. بعد
ذلك يشرع إنليل في مهمته مستخدماً العاصفة،
سلاحه التقليدي الرهيب، وذلك في مقطع وصفي
طويل يثير في النفس الرهبة والشفقة. وعندما
يرفع إنليل غضبه عن المدينة تكون قد تحولت
أنقاضاً: جثث البشر مثل كسرات
الجرار كانت تملأ الطرقات الجدران المتينة قد
تهاوت، والبوابات العالية
والمسالك قد تكدست فيها
الأجداث. في الشوارع العريضة
التي شهدت الأعياد، وفي المرابع الطلقة
التي حفلت بالراقصين، تراكمت جثث الموتى وملأ دم البلاد
آبارها. يعتبر
هذا النص واحداً من عيون الأدب المشرقي
القديم، وهو يتألف من حوالى أربعمائة بيت
شعري مفعمة بالعاطفة القوية الدافقة والصور
المؤثرة المعبرة.[8]
أما الحادثة التاريخية التي يمكن أن تكون
أساساً لأحداث هذه الأسطورة، فهي الهجوم
الكاسح الذي قام به العيلاميون على مدينة أور
حوالى عام 2000 ق م، فحاصروها مدة ثم فتحوها
واستباحوها بضعة أيام. لكن الأسطورة لا تنظر
إلى هذه الواقعة في سياقها الزمني وفي
دلالاتها التاريخية، بل تنتقل بالحدث إلى
المستوى الميثولوجي وتعالجه على هذا الأساس،
فتسخره من أجل تقديم الأمثولة والعبرة، شأنها
في ذلك شأن بقية الأدبيات الدينية الشرقية
اللاحقة. إن رسالة الأسطورة هنا واضحة كل
الوضوح وهي تقول لنا إن عالم الإنسان قائم على
الصيرورة والتبدل الدائم، والإنسان لا يكاد
يطمئن إلى ثبات وديمومة رغده، حتى يحمَّ عليه
قضاء الآلهة بغتة وهو غارق في لهوه ومتع حياته
اليومية التي أمِن إلى استمرارها. والدول
والممالك لا تقوم وتزدهر فتصل أوج عزتها حتى
تأتي ساعة اندحارها. ومدينة أور لم ترتكب
ذنباً واضحاً ولكنها أمِنت إلى رغدها وطيبات
رزقها ودوام مجدها. ويلخص النص رسالته هذه بكل
وضوح في الأبيات التي تقول: لقد مُنحَت أور
سلطاناً ولكنها لم تُمنَح دواماً. منذ القدم، منذ أن
أرسيت البلاد إلى يومها هذا، من رأى منكم مُلكاً
باقياً؟ كذا فسلطان أور قد
اجتُثَّ وولَّى. مثل
هذه الرسالة الواضحة يقدمها لنا مقطع جميل من ملحمة
جلجامش، حيث يقول أوتنابشتيم لجلجامش في
اللوح الحادي عشر، العمود السادس:[9] هل نشيد بيوتاً لا
يدركها الفنا وهل نعقد ميثاقاً لا
يصيبه البِلى؟ هل يقتسم الإخوة
ميراثهم ليبقى دهراً وهل ينزرع الحقد في
الأرض دواماً؟ هل يرتفع النهر ليأتي
بالفيض أبداً وهل يترك اليعسوب
شرنقته ليدير وجهه للشمس
طوالاً؟ فمنذ القدم لا تُظهِر
الأمور ثباتاً النائم للميت توأم ألا تفشي صورة الموت
كليهما؟ ألا يتساوى الأمير
والفقير في حضرة الردى؟ إن
فكرة القضاء والقدر هي فكرة راسخة في
الأدبيات الدينية المشرقية. فالقضاء يحُمُّ
على المدن المزدهرة وعلى الأفراد وهم في قمة
مجدهم وعزتهم؛ وما على الإنسان إلا أن يقبل
بالإرادة الإلهية، سواء أكانت مقاصدها واضحة
أم خافية. فها هو ذا إبراهيم، في سفر التكوين
من العهد القديم، يشفع لمدينتي سدوم وعمورة
أمام الرب بعد أن اتخذ قراراً بتدميرهما كما
شفع الإله نانا لمدينة أور أمام إنليل: "فتقدم
إبراهيم وقال: أفتُهلِك البارَّ مع الأثيم؟
عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة،
أفتُهلِك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين
باراً الذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا
الأمر." ولكن شفاعة إبراهيم تفشل كما فشلت
شفاعة نانا: "وإذا أشرقت الشمس على الأرض،
دخل لوط إلى صوغر. فأمطر الرب على سدوم وعمورة
كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء،
وقَلَبَ تلك المدن وجميع سكان المدن ونبات
الأرض." (التكوين 18) وإذا كان إثم المدن في
أسطورة سدوم وعمورة ذريعة لإنفاذ القضاء، فإن
مثل هذا الإثم يتخذ ذريعة ظاهرية عندما لا
يتناسب العقاب مع فداحة الإثم. ففي سفر صموئيل
الثاني يقرر الرب إهلاك الشعب لسبب مجهول،
فيدفع داود لارتكاب خطيئة من شأنها تعريض
الشعب بأكمله لإبادة شاملة: "وعاد فحمي غضب
الرب على إسرائيل، فأهاج عليهم داود قائلاً
له: إمضِ واحصِ إسرائيل ويهوذا. فقال الملك
لرئيس الجيش الذي عنده: طُفْ في جميع أسباط
إسرائيل وعدُّوا الشعب فأعلم عدد الشعب."
وبعد الانتهاء من عملية الإحصاء، تُحَدِّثُ
داودَ نفسُه بأنه قد أخطأ، فيستغفر ربه
معترفاً بذنبه، ولكن الرب لا يلتفت إلى توبته:
"فجعل الرب وباءً في إسرائيل من الصباح إلى
الميعاد. فمات من الشعب سبعون ألف رجل...
فكلَّم داود الرب وقال: ها أنا أخطأت، وأنا
أذنبت. وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟" (صموئيل
الثاني 24) وفي
القرآن الكريم لدينا العديد من الأمثلة
والمواعظ عن هلاك المدن الآثمة: "فلما جاء
أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها
حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من
الظالمين ببعيد." (هود: 82-83) "ولما جاء
أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة
منا وأخذتْ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في
ديارهم جاثمين كأن لم يَغْنوا فيها." (هود:
94-95) ولكن أحكام المشيئة الإلهية قد تكون
خافية عن أفهام البشر، ويحمُّ القضاء على
جماعة دون سبب واضح: "وإذا أردنا أن نهلك
قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها
القول فدمرناها تدميراً." (الإسراء: 16)
فهنا، وعلى العكس من بقية القصص القرآني
المتعلق بدمار المدن الآثمة، نجد أن الدمار
قد حل على مدينة لم تأثم، بل لقد أثم مترفوها
بتوجيه من الرب فحق عليها القول. ذلك لأن على
الإنسان ألا يركن إلى دوام منجزاته وهناءة
عيشه، وأن يسلِّم بالقضاء والقدر خيره وشره
من الله تعالى. وتدور الآية التالية حول نفس
الفكرة: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور. أَمِنْتُم من في السماء أن يخسف بكم
الأرض فإذا هي تمور؟ أم أمنتم من في السماء أن
يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير؟" (الملك:
15-17) وحول
الاطمئنان إلى دوام منجزات الإنسان وهناءة
عيشه، بدل الركون إلى لطف الخالق والتسليم
بقضائه، لدينا في القرآن الكريم أيضاً أمثولة
ذات مغزى كبير حول قانون التغير الدائم: "واضرب
لهما مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنَّتين من
أعناب، وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً.
كلا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً،
وفجرنا خلالهما نهراً وكان له ثمر. فقال
لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز
نفراً. ودخل جنَّته وهو ظالم لنفسه. قال ما أظن
أن تبيد هذه أبداً، وما أظن الساعة قائمة.
ولئن رُدِدتُ إلى ربي لأجدن خيراً منها
منقلباً [...] وأحيط بثمره فأصبح يقلِّب كفيه
على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها، ويقول:
يا ليتني لم أشرك بربي أحداً، ولم تكن له فئة
ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً." (الكهف:
32-43) أنتقل
الآن من هذا النوع البسيط من النصوص الذي تسير
أحداثه في اتجاه خطي واحد، إلى النوع المركب
الذي تسير أحداثه في أكثر من اتجاه، وتتقاطع
ضمن بنية أكثر تعقيداً من بنية النوع الأول. **
النموذج المركب إيتانا
والنسر وصلنا
أقدم نص لهذه الأسطورة من العصر البابلي
القديم (2000-1600 ق م)، وذلك من موقع سوسه عاصمة
عيلام، كما وصلنا نص آخر من العصر الآشوري
الوسيط (1600-1000 ق م)، ونص ثالث من مكتبة آشور
بانيبال بنينوى يعود إلى القرن السابع قبل
الميلاد، هو أكمل هذه النصوص وأكثرها وضوحاً.
ورغم وجود بعض الاختلافات البسيطة بين هذه
النصوص الثلاثة، إلا أن الأحداث الرئيسية
للقصة واحدة، ويكاد التطابق أن يكون حرفياً
بينها عند كثير من السطور والمقاطع. وسوف أقدم
فيما يلي ملخصاً للأسطورة اعتماداً على ترجمة
ستيفاني دالي الجديدة لنسخة نينوى، في كتابها
الصادر عن أوكسفورد عام 1981.[10] تدور
أحداث هذه القصة في الأزمان الأولى عندما كان
الآلهة يخلقون الجهات الأربع، ويضعون مخططاً
لبناء أول مدينة للبشر هي مدينة كيش. فبعد أن
انتهوا من أعمال الخلق والتنظيم أسسوا منصب
المُلْك، وراحوا يبحثون عن شخص مناسب ينصبونه
ملكاً على المدينة، ليكون حاكماً صالحاً
للناس فوقع اختيارهم أخيراً على إيتانا: الآلهة الكبار، آلهة
الإيجيجي صمموا مدينة. آلهة الإيجيجي وضعوا
لها الأساسات. آلهة الأنانوكي
صمموا مدينة كيش. آلهة الأنانوكي
وضعوا لها الأساسات. آلهة الإيجيجي صنعوا
لها قوالب الآجر. <...> الآلهة الكبار الذين
يقدِّرون المصائر، جلسوا، تشاوروا في
أمور البلاد، بينما كانوا يخلقون
جهات العالم الأربع ويصيغون شكلها. <...> لم يكونوا قد أقاموا
ملكاً على الناس قاطبة، ولم يكن التاج وعصابة
الرأس،[11]
حينئذ، قد أُوثقا معاً، ولم يكن أحد، بعد، قد
لوَّح بصولجان الملك. ولم تكن منصة العرش
أيضاً قد رُفِعت. [بعد ذلك هبط المُلْك
من السماء].[12] كانت عشتار في ذلك
الوقت تبحث عن راعٍ، كانت تبحث هنا وهناك
عن ملك. وإنليل يبحث عن منصة
عرش لإيتانا، الشاب الذي كانت
عشتار لا تني تبحث عنه. وهكذا
وقع اختيار الآلهة على إيتانا ليكون أول ملك
أقيم لحكم الناس، وتنتهي مقدمة النص. بعد ذلك
ندخل إلى متن الأسطورة الذي يتألف من جزأين،
أو قصتين، ثم الربط بينهما عند مفصل معين في
سير الأحداث، لسبب يبدو غير واضح من الوهلة
الأولى. فبعد صعود إيتانا على العرش في كيش،
نمت شجرة عملاقة وارفة الظلال، وجاءت إليها
حية فاتخذت من قاعدتها وكراً لها ولصغارها،
ثم حط على قمتها نسر فصنع له ولفراخه عشاً. وقد
تعاهد الاثنان على العيش بسلام وعلى اقتسام
الرزق فيما بينهما. فإذا اصطاد النسر فريسة
جاء بها إلى المكان وترك الحية وصغارها
يقتسمونها معه، وإذا اصطادت الحية فريسة جاءت
بها أيضاً وتركت النسر وفراخه يقتسمونها معها.
ثم وثَّق الطرفان عهدهما هذا بالقسم أمام
الإله شمش، إله الحق والعدالة، على احترام
الاتفاق وعدم النكث بالعهد. سارت الأمور
سيراً حسناً واحترم كل من الحية والنسر
اتفاقهما، إلى أن كبر فراخ النسر ولم يعودوا
بحاجة إلى رعاية. عندئذ أضمر النسر في قلبه
شراً وراح يتحين الفرص لأكل صغار الحية: عندما كبر فراخ النسر
وشبوا، أضمر النسر مكيدة
شريرة في قلبه. ثم تحدث إلى فراخه
قائلاً: إني لآكل صغار الحية. سيشتعل غضبها علي
بالتأكيد ولكني سوف أطير
عالياً وأختبئ في الأجواء، ثم أهبط إلى أعلى
الشجرة فقط لأخطف من ثمرها. فقال له فرخ مُزغبٌ
كثير الحكمة، قال لأبيه: لا تفعل ذلك يا أبي،
لأن شبكة شمش سوف تمسك بك. ولكن
النسر لم يستمع لنصيحة ابنه الحكيم، وبينما
كانت الحية غائبة عن وكرها نقض النسر عهده
وانقض فأكل صغارها ثم هرب. وعندما عادت الحية
بصيدها واكتشفت ما فعله النسر، بكت وذرفت
دموعها أمام الإله شمش ضارعة إليه أن يثأر لها
من النسر. استجاب شمش لدعاء الحية ورسم لها
خطة توقع بالنسر. دفع إليها بثور مقيد في
الفلاة، عليها أن تقتله وتختبئ في أحشائه.
وعندما تحط طيور السماء لتأكل من الجيفة
سيأتي النسر بينها أيضاً. وعندئذٍ عليها أن
تنبري له وتقبض عليه فتنتزع مخالبه وتنتف ريش
أجنحته، ثم ترميه في حفرة عميقة ليموت هناك من
الجوع والعطش. تسير الخطة بنجاح وتأتي الطيور
لتأكل ويَهُمُّ النسر أن يحط معها ليأكل
أيضاً، ولكن فرخه الحكيم يحذِّره من احتمال
كمون الحية في بطن الثور لتثأر لصغارها منه.
تردد النسر قليلاً، ثم أقدم عندما رأى بقية
الطيور تأكل بهدوء وسلام دون أن ترى ما
يعكرها، فطار وحط على الثور. عندئذ انقضت عليه
الحية من مكمنها فاقتلعت مخالبه ونتفت ريشه
ثم ألقته في الحفرة العميقة غير آبهة
لتوسلاته، ومضت تاركة إياه لمصيره. راح النسر
يتضرع في كل يوم إلى شمش، لعلَّه ينقذه من
ورطته. فقال له شمش: إنك مخلوق مؤذٍ
وشرير، وقد أحزنت قلبي. لقد ارتكبت فعلاً
مرذولاً من قبل الآلهة، لا يقبل الصفح. ها أنت ذا تموت،
ولكني لن أقترب منك، بل سأقيِّض لك رجلاً،
فاطلب منه عوناً. هنا
تنتهي القصة الأولى وتبدأ القصة الثانية التي
تعود بنا إلى إيتانا الصالح. فإيتانا عاقر وقد
شارف على الشيخوخة دون أن يُرزَق بغلام يخلفه
على العرش، وهو يصلي في كل يوم ويقدم قرابينه
إلى الآلهة من أحسن مواشيه، علَّها تنظر إليه
بعين العطف وترفع عنه لعنة العقم. ثم يسمع
بنبتة مزروعة في السماء تشفي من العقم، فيدعو
الإله شمش أن يجعل هذه النبتة في متناول يده.
يستجيب له الإله ويدلُّه على مكان النسر
الحبيس، فيحرره ويشفيه لقاء أن يطير به إلى
السماوات العُلى لجلب نبتة الإخصاب التي
تتعهدها هناك عشتار بالرعاية والسقاية. يأتي
إيتانا إلى حفرة النسر ويخبره بمشيئة شمش، ثم
يعمل على شفائه وتعويده على الطيران مجدداً.
وعندما يتعافى النسر يعتلي إيتانا ظهره
فينطلق به صُعَداً في طبقات الجو العليا، حتى
تبدو الأرض وكأنها بستان صغير ويبدو البحر
الواسع وكأنه قدر ماء. ولكن قوى النسر تخور
ويعترف بعجزه عن المضي قُدُماً أبعد من ذلك،
ثم يهوي عائداً إلى الأرض. لدى رجوعه إلى كيش
يرى إيتانا أحلاماً غريبة عن رحلة ثانية إلى
السماء، منها الحلم التالي الذي قصَّه على
صديقه النسر: رأيت أننا نمضي عبر
بوابة آنو وإنليل وإيا هناك ركعنا معاً، أنا
وأنت. ثم رأيت أننا نمضي
معاً، أنا وأنت عبر بوابة سن وشمش
وأدد وعشتار. هناك ركعنا، أنا وأنت. رأيت بيتاً فيه نافذة
غير موصدة. دفعتها، فانفتحت
وولجت منها، فرأيت هناك فتاة
مليحة الوجه مزينة بتاج، وهناك عرش منصوب [...]، وتحت العرش أسود
رابضة مزمجرة. فلما ظهرتُ لها قفزت
نحوي. عند ذلك أفقتُ من
نومي مذعوراً. يرى
النسر في حلم إيتانا بشارة بنجاح محاولة
ثانية لهما في ارتقاء السماء، فيقرران
التحليق مجدداً. تنجح المحاولة ويصل النسر
بإيتانا إلى سماء آنو، حيث يدخلان بوابة آنو
وإنليل وإيا، فيسجدان هناك، ثم يجتازانها إلى
بوابة سن وشمش وأدد وعشتار، فيسجدان هناك
أيضاً. ثم يفتح إيتانا البوابة ويدخل، وهنا
ينكسر الرقيم وتتوقف القصة. ولكن من المؤكد أن
الجزء المفقود يقص عن كيفية حصول إيتانا على
نبتة الإخصاب والعودة بها إلى الأرض، لأننا
نعرف من وثيقة ثبت ملوك سومر أن الملك
إيتانا كان أول ملك على كيش بعد الطوفان، وأنه
الذي أسس لسلالة كيش الأولى، وأن وريثه على
العرش كان ابنه المدعو بالح. إن
لدينا من الأسباب ما يرجِّح انتماء هذه
الأسطورة إلى مطلع عصر السلالات في منطقة
سومر (حوالى 2600 ق م). فرغم أن أقدم نص لها – وهو
النص البابلي القديم – يرجع إلى مطلع الألف
الثاني قبل الميلاد، إلا أن العثور على عدد من
الأختام الأسطوانية التي ترجع إلى العصر
الصارغوني (حوالى 2300 ق م)، والتي نرى عليها
مشهداً يمثل صعود إنسان ما إلى السماء على ظهر
نسر، يؤكد لنا أن أسطورة إيتانا كانت معروفة
خلال أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، وأن
جذورها تضرب أبعد من ذلك في عصر السلالات
الأولى، وحتى زمن قريب من صعود أسرة كيش
الأولى، أول وأقوى الأسر الحاكمة في سومر،
التي كان ملوكها ينتمون إلى الذخيرة السكانية
السامية، لا السومرية، على ما تدل عليه
أسماؤهم. ولكن ما معنى هذه الأسطورة، وأية
رسالة تحمل لنا؟ رغم
الحيرة التي يسببها لنا احتواء الأسطورة على
قصتين غير متجانستين، إلا أن رسالتها واضحة
تماماً. ذلك أن الهاجس الرئيسي هنا هو التأسيس
لأصل مؤسسة الملكية التي "هبطت من السماء"،
على حد تعبير النص البابلي القديم. فأسطورتنا
هي أسطورة أصول، وتنتمي إلى تلك الزمرة من
أساطير الأصول التي تهدف إلى تبرير المؤسسات
الاجتماعية القائمة وتجذيرها في البدايات
الميثولوجية الأولى، من أجل إسباغ طابع
القداسة عليها. فمطلع النص يعود بنا إلى
الأزمان الميثولوجية البدئية، عندما كانت
الآلهة تضع اللمسات الأخيرة على الكون الذي
خرج لتوِّه من رحم الهيولى البدئية. فكانت
مؤسسة الملكية أول ما التفتت إليه بعد أن
انتهت من هندسة "المكان ولكن
ما معنى قصة الحية والنسر؟ ولماذا جُعِلت
بمثابة مدخل إلى المتن الأساسي للأسطورة؟ إن
القراءة الأولى للنص تغرينا بالنظر إلى قصة
الحية والنسر على أنها مجرد حكاية، ذات طابع
تشويقي، تم دمجها في السياق العام للقصة
الرئيسية لأغراض أدبية محضة. إلا أن التلازم
الطويل بين القصتين في جميع النصوص التي
وصلتنا للأسطورة، عبر أكثر من ألف عام،
يدفعنا إلى استبعاد هذا التفسير القريب
والبحث عن تفسير آخر. إن
مفتاح الولوج إلى سر العلاقة بين القصتين هو
التساؤل المشروع الذي يخطر بالبال عقب قراءة
النص وهو: لماذا كان على النسر أن يمر بتجربته
الأليمة تلك قبل أن يصعد بإيتانا إلى السماء؟
ألم يكن بمستطاع الإله شمش أن يوكل لهذا النسر
نفسه أو لغيره مهمة الصعود، دون أن يكون قد
تعرض لتلك الأحداث التي أودت به إلى أعماق
الحفرة حيث وجده إيتانا؟ إن الجواب على هذا
التساؤل متضمَّن في بنية النص نفسه الذي يقول
لنا صراحة، ومن خلال توكيده على الربط العضوي
بين القصتين، إنه كان على النسر أن يمر
بتجربته مع الأفعى قبل أن يكون قادراً على
التحليق في طلب نبتة الإخصاب. فهذه التجربة هي
التي أهَّلته للمهمة وجعلت منه نسراً مختلفاً
عن بقية النسور. فما الذي تضمنته التجربة مع
الحية وأية قوى استثنائية أكسبته إياها؟ تتضمن
التجربة مع الحية حدثين مهمين قادا إلى حدث
ثالث هو مركز القصة بكاملها. ويمكن تصوير هذه
الأحداث الثلاثة وفق المخطط التالي:
الصعود إلى السماء
أكل
صغار الحية
الهبوط
إلى قاع البئر وإني
أرى في الحدثين الأولين مرحلتين في طقس عبور
وتعدية Initiation. في المرحلة
الأولى يأكل النسر صغار الحية، وفي المرحلة
الثانية يُلقى به في قاع حفرة أو بئر عميقة في
باطن الأرض. فأما أكل صغار الحية فهو إجراء
طقسي يؤدي إلى إكساب النسر قوى تتعلق
بالإخصاب، لأن الحية هي رمز للخصوبة في
ثقافات الشرق القديم ورمز للشفاء أيضاً. وأما
الهبوط إلى قاع البئر المظلم فهو إجراء طقسي
آخر مشابه من حيث الغاية. فلقد كان على النسر
أن يموت رمزياً في باطن الأرض–الأم، لكي
يُبعَث من جديد معافى ومزوداً بقوى تتعلق
أيضاً بالإخصاب زوَّدته بها ننخرساج، الأرض.
أما الشجرة التي كانت مسرح الصراع بين النسر
والحية، فتمثل مبدأ الحياة الذي قوامه قطبان:
الموجب والسالب، المبدأ الذكري والمبدأ
الأنثوي. وهنا يتجسد المبدأ الذكري في النسر
الذي يسكن قمة الشجرة ويطير في السماء، وتجسد
الحية المبدأ الأنثوي الملتصق بالأرض. وما
الصراع بين النسر والحية إلا تمثيل للتناقض
بين المبدئين. لقد هبط النسر أولاً من القمة
إلى الأرض حيث جحر الحية، ثم هبط أعمق من ذلك
في غياهب البئر حيث رحم الأرض، لينطلق بعد ذلك
في طلب النبتة التي تتعهدها بالرعاية عشتار
إلهة الخصوبة الكونية. هذا المغزى السرَّاني
لعلاقة النسر بالحية يفسر لنا عدم جدية
العِقاب الذي تعرَّض له النسر، ومسارعة الإله
شمش إلى العفو عنه ليوكل إليه المهمة التي صار
الآن صالحاً لها، بعد أن تحول، عبر الطقس الذي
مر به، من نسر عادي إلى نسر قادر على إتمام
مهام لا يقدر عليها غيره. ولإلقاء
مزيد من الضوء على التفسير الذي أتقدم به هنا،
سوف أستعرض فيما يلي عدداً من التصورات
الأسطورية الموازية، المستمدة من
الميثولوجيا المقارنة. ففي ميثولوجيا الشعوب
في أوروبا الشمالية هناك شجرة كونية عملاقة
يتوضع عليها عالم الآلهة وعالم البشر وعالم
العمالقة وعالم الموتى. فهي تمد رأسها إلى
الأعلى نحو عالم الآلهة وتضرب بجذورها في
العالم الأسفل عالم الموتى. ونجد هذا التصور
نفسه في ميثولوجيات شمال ووسط آسيا، وفي
ميثولوجيات معظم الثقافات الشامانية. ففي
الأساطير الفنلندية، تقوم هذه الشجرة
باعتبارها مركزاً للكون وتعمل على الربط بين
أجزائه وأقاليمه المختلفة. على أوراقها يتغذى
الآلهة وبين أغصانها تولد الأرواح. ومن خلال
تجديد حياتها تلقائياً، فإنها تعمل على تجديد
حياة الكون وعوالمه، وتقدم في الوقت نفسه
للإنسان وسائل تحقيق الخلود. وتمثل التقاليد
الشامانية شجرة الحياة هذه على هيئة جذع حفرت
عليه درجات سلم، تعين الشامان على العروج نحو
العوالم العليا في رحلته الوَجْدية، حيث يعبر
سلسلة السماوات وصولاً إلى السماء العليا حيث
يقيم الآلهة. وفي أحيان كثيرة، نجد أن شجرة
الكون، أو الحياة هذه، تسكنها نفس الكائنات
التي وجدناها في أسطورة إيتانا والنسر. ففي
بورنيو الجنوبية يجري تمثيل الشجرة الكونية
وقد سكنت الحية عند قاعدتها وسكن النسر في
قمتها. وتقول الأسطورة إن الصراع بينهما يقود
إلى تدمير الشجرة، ولكنها تنبعث جديدة مرة
أخرى. وفي الميثولوجيا التوتونية هنالك سنجاب
ينقل الرسائل العدوانية بين النسر الذي يقيم
في قمة الشجرة والحية التي تسكن في قاعدتها.[13] ***
النموذج المعقد أسطورة
خصاء آنو أسطورة
خصاء آنو هي نص حوري يعود إلى أواسط الألف
الثاني قبل الميلاد. والحوريون هم شعب تعلَّم
لغة خاصة لا تنتمي إلى عائلة اللغات السامية
ولا إلى عائلة اللغات الهندوروبية. وقد بدأوا
بالتسرب التدريجي من الشمال إلى مناطق
الجزيرة السورية خلال النصف الثاني من الألف
الثالث قبل الميلاد، واستطاعوا تكوين عدد من
المدن القوية فيها. وقد شكل هؤلاء الحوريون
القاعدة السكانية العريضة التي قامت عليها
مملكة ميتاني القوية بقيادة شرائح عسكرية ذات
أصول هندوروبية، اختلطت بالحوريين وجمعتهم
في مملكة واحدة. سيطرت مملكة ميتاني على مناطق
حوض الخابور الأعلى في سورية، وبلغت أوج
قوتها إبان القرن الخامس عشر قبل الميلاد،
حيث استطاعت إخضاع معظم مناطق الجزيرة العليا
وسورية الشمالية والوسطى، وصارت القوة
الثالثة في المنطقة إلى جانب مملكة الحثيين
في الأناضول ومملكة مصر في الجنوب. تقول
الأسطورة:[14] في قديم الزمان، كان
ألالوس ملكاً في السماء. وطوال مدة جلوسه على
عرش السماء، كان آنوس [=آنو] الأول بين الآلهة،
يقف بين يدي ألالوس ويسجد عند قدميه ويقدم له
كأس الشراب. مضت تسع سنوات وألالوس ملك في
السماء. ولكن في السنة التاسعة، قام آنوس
فنازع ألالوس السيادة وقهره في المعركة، فهرب
من وجهه وهبط إلى الأرض المظلمة، ثم اعتلى
آنوس العرش. طوال مدة جلوسه على العرش كان
كوماربي الجبار يقدم له الطعام ويسجد عند
قدميه ويقدم له كأس الشراب. مضت تسع سنوات
وآنوس ملك في السماء. ولكن في السنة التاسعة
قام كوماربي فنازع آنوس السيادة وقاتله مثلما
قاتل آنوس ألالوس. وعندما لم يستطع آنوس
الصمود أمام كوماربي انتزع نفسه من بين يديه
وهرب، وكطير حلق في السماء. اندفع وراءه
كوماربي فأمسك بقدميه وجرَّه من هناك ثم عضَّ
على قضيبه فانسال سائله المخصب إلى بطن
كوماربي. عندما ابتلع كوماربي مَنْي آنوس
واستقر في جوفه،[15]
استدار آنوس نحو كوماربي مبتهجاً ضاحكاً وقال
له: ها أنت ذا سعيد لما أخذته في جوفك، ولكن
سعادتك لن تطول، لأني زرعت في داخلك وزراً
ثقيلاً. لقد جعلتك تحبل بإله العاصفة النبيل،
كما جعلتك تحبل بنهر دجلة الذي لن تطيق حمله،
وأيضاً بتاسميشو النبيل (وزير إله العاصفة).
ثلاثة آلهة مخيفة زرعت بذورها في بطنك. فامض
الآن وانطح رأسك بصخور جبالك. ولما انتهى آنوس
من كلامه تابع طريقه نحو السماء واختبأ هناك.
عند ذلك بصق كوماربي بعض المادة التي ابتلعها
على الأرض فولد منها تاسميشو ونهر دجلة. أما
كوماربي فقد مضى إلى مدينة نيبور السومرية
ليحصل على مشورة إيا، إله الحكمة الرافدي.
ولكن النص مشوه في هذا الموضع ولا ندري ما
الذي دار بين الطرفين. ثم نرى كوماربي مازال
في نيبور يعدُّ الأشهر المتبقية لمدة الحمل،
والجنين في بطنه ينمو، إلى أن اكتمل وجاءت
ساعة المخاض. ولما لم يكن كوماربي مجهزاً كما
النساء لأداء ولادة طبيعية، فإن آلام المخاض
تشتد عليه، وإله العاصفة في بطن أبيه لا يجد
طريقة للخروج بسلام. وهنا يتدخل الإله
المخلوع آنو لمساعدة إله العاصفة، لأنه
يعوِّل عليه في الانتقام من كوماربي. وتبدأ
مشاورة بين آنوس وبين إله العاصفة الحبيس في
الداخل حول الطريقة التي يمكن بواسطتها حل
المعضلة. ويجري بحث كل الاحتمالات الممكنة في
أفضلية المنفذ الذي يمكن لإله العاصفة شق
طريقه عبره. ويبدو أن اختيار المنفذ كان أمراً
في غاية الصعوبة، لأن الخروج من إحدى
الفتحات، كما نفهم من شذرات الموضع المشوَّه
في الحوار، سوف يتسبب في تعطيل عمل العضو أو
الحاسة المقابلة عند إله العاصفة عقب ولادته.
فالخروج من عين كوماربي سوف يسبب له العمى،
والخروج من الأذن سوف يبتليه بالصمم. وهكذا تم
استبعاد جميع المنافذ العليا بما فيها جدار
الرأس لأن الخروج من الرأس سوف يبلبل عقل إله
العاصفة. بعد ذلك يتم بحث احتمالات المنافذ
السفلى. فيقترح إله العاصفة أن يقوم بشق مؤخرة
كوماربي والنفاذ عبرها، ولكن آنو يستبعد هذا
الإجراء ويحذره من مخاطر غير واضحة في السطر
المشوَّه. ثم يجري اقتراح الخروج من مكان
يدعوه النص بـ"الموضع الحسن" دون تعيين
اسمه. وبما أنه لم يبق من المنافذ السفلى سوى
السرة والقضيب، فإن هذا الموضع الحسن ينطبق
على واحد منهما ولاشك. تشتد الآلام على
كوماربي فيأتي إلى حضرة الإله إيا ويتهاوى
أمامه من الألم وهو يصرخ كالمجنون: "أخرجوا
إليَّ ابني أعطوني ابني لأبتلعه." يرسل إيا
في طلب مجموعة من السحرة لأداء طقوس تعين
كوماربي على الوضع، فيأتي السحرة فيمددون
الإله ثم يقدمون القرابين ويقرؤون التعاويذ،
ويعملون جهدهم في الحفاظ على شرج كوماربي من
اقتحام ابنه له. يقوم إله العاصفة بمحاولة
أخيرة للخروج من مؤخرة كوماربي ولكنه يفشل،
عند ذلك يتجه نحو "الموضع" الحسن وينبثق
من هناك إلهاً مكتمل القوة والرجولة. (تلي ذلك
فجوة في النص). أما ما تبقى من الشذرات فنفهم
منها أن آنو المخلوع قد ساعد إله العاصفة على
خلع أبيه والاستيلاء على عرش السماء. وفيما
يتعلق بـ"الموضع الحسن" الذي خرج منه
الإله، يرجِّح بعض دارسي هذه الأسطورة، ومنهم
G.S.Kirk
من جامعة كامبريدج،[16]
أن يكون الموضع المعني هو القضيب وذلك لسببين:
فالقضيب هو العضو المقابل لعضو الولادة عند
المرأة، وهذا ما يجعله أكثر ملاءمة لتقليد
العملية عند الرجل. كما أن القضيب، باعتبار
دوره في عملية الإخصاب، هو الوحيد الذي يحسُن
اقترانه بإله العاصفة بما هو إله للخصب أيضاً.[17]
غير أني أرجِّح أن يكون العضو المعني هو السرة
لأننا نفهم من الحوار بين آنوس وإله العاصفة
أن الخروج من أي موضع في جسم كوماربي سيسبب
العطب في العضو المقابل عند إله العاصفة. من
هنا فإن من الأجدر أن يكون القضيب هو أكثر
الأعضاء استبعاداً، لأنه ما الذي يجنيه إله
الخصب من اقترانه بالقضيب إذا كان هو نفسه
فاقداً لوظيفة القضيب؟ والآن،
ما الذي يعنيه هذا النص ذو البنية المعقدة
المتراكبة؟ لماذا وقعت تلك الانقلابات
المتوالية في السماء؟ لماذا عضَّ كوماربي
قضيب أبيه وابتلع سائله المخصب؟ ولماذا كان
على إله العاصفة أن ينمو في بطن أبيه من دون
أم؟ من
الأدوات القوية التي تعيننا على التعامل مع
النص الأسطوري المفرد إرجاعه إلى النسق
الميثولوجي الذي ينتمي إليه، وذلك لأن هذا
النص إنما يكتسب معناه ومغزاه من خلال موقعه
في ميثولوجيا الثقافة التي أنتجته، ومن خلال
ترابطاته مع الأساطير الأخرى التي تنتظم
وإياه في نسق واحد، وذلك مثلما تكتسب الكلمة
المفردة معناها ومغزاها من موقعها في سياق
الجملة المفيدة. يضاف إلى ذلك ضرورة تحديد
الزمرة التي تنتمي إليها الأسطورة ضمن النسق
الميثولوجي ذاته، وذلك كأنْ تكون أسطورة أصول
وتكوين، أو أسطورة خصب، أو أسطورة طقسية من
نوع خاص، الخ. وهذا التحديد يعتمد على
معاينتنا المبدئية للشكل في ضوء معارفنا
السابقة والخبرة المكتسبة في هذا الميدان. وبتعبير
آخر، فإنه من غير المجدي في المرحلة الأولى من
الإقبال على النص تفسير أسطورة مصرية، مثلاً،
عن طريق المقارنة مع أسطورة إغريقية، أو
النظر إلى أسطورة إفريقية على ضوء
الميثولوجيا البابلية. بل لابد، أولاً، من
النظر إلى الأسطورة في ترابطاتها المحلية ضمن
نسقها وضمن زمرتها. فإذا أتممنا هذه المهمة
المبدئية استطعنا بعدها الانطلاق إلى إجراء
المقارنات البعيدة منها والقريبة، ولكن ضمن
نظام صارم في الوقت ذاته، يبتعد بنا عن تلمس
المشابهات السطحية التي تقود إلى نتائج
متسرعة، ويبقي على فهمنا لأية أسطورة نتخذها
لغاية المقارنة ضمن بيئتها والثقافة التي
أنتجتها. إن مثل هذا المنهج الصارم في
المقارنة يجب أن يحل محل المنهج القديم الذي
اختطه السير جيمس فريزر في موسوعته المعروفة: الغصن
الذهبي The Golden
Bough
في أوائل القرن العشرين، ومارس تأثيراً على
سلسلة من الباحثين في الأنثروبولوجيا
النظرية والميثولوجيا، كان أولهم روبرت
بريفو Robert Breffualt
في كتابه The Mothers،
وآخرهم جوزيف كامبل Joseph
Campbell في
ثلاثيته The Masks of
God، حيث يتم تقديم
الفكرة الأسطورية، ثم إتباعها بحشد من
الأمثلة الموضِّحة المستمدة من ثقافات
متباعدة، والمنتَزَعة من سياقاتها
وترابطاتها المحلية. وفيما
يتعلق بنص خصاء آنو الذي بين أيدينا، فإننا لا
نستطيع أن ندرسه على الخلفية الثقافية
الحورية، وذلك لندرة النصوص الحورية،
وخصوصاً الأدبية والأسطورية منها. فنحن لا
نملك حتى الآن سوى نصين ميثولوجيين حوريين
مكتوبين باللغة الحثية. من هنا لابد لنا من
اللجوء إلى ربط نصنا بأكثر الأنساق
الميثولوجية قرباً إليه، وهو النسق الأكادي–البابلي.
فلقد تجاور الحوريون مع سكان وادي الرافدين،
ومارست الثقافة الأكادية على الحوريين
تأثيراً أكبر من تأثير الثقافة السورية.
يدلنا على ذلك استخدام اللغة الأكادية في
كتابة معظم الوثائق الحورية–الميتانية،
وتداخل بانثيون الآلهة الحورية مع بانثيون
الآلهة البابلية. ومن
ناحية ثانية، فإن الصلة الوثيقة بين الجماعات
الحورية والجماعات الهندوروبية التي وفدت
إلى مناطق الحوريين، بعد قدوم هؤلاء بفترة
قصيرة، وشكلت طبقة حاكمة في مملكة ميتاني
التي كان الحوريون قاعدتها السكانية، تدفعنا
إلى البحث عن روابط ثقافية حورية–هندوروبية
يمكن لها أن تضيء جوانب من موضوعنا، وإلى أخذ
نسقين ميثولوجيين هندوروبيين بعين الاعتبار،
هما النسق الحثي والنسق الإغريقي. فلقد شهد
النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد
عدداً من التحركات والهجرات لجماعات رعوية
محاربة تتكلم بلغات هندوروبية. فإلى آسيا
الصغرى توجهت الجماعات التي عُرِفت تاريخياً
باسم الحثيين، وإلى مناطق الجزيرة والشمال
السوري توجهت الجماعات التي عرفت باسم
الميتانيين، وإلى أرض اليونان القارية توجهت
الجماعات التي حملت إليها اللغة الإغريقية.
ويغلب الظن أن الحوريين والميتانيين
والحثيين والإغريق كانوا يتشاركون مناطق
السكن نفسها، قبل أن يبدأوا تحركاتهم الكبرى. هذا عن
النسق. وأما عن الزمرة التي تنتمي إليها
أسطورة خصاء آنو، فإن النص لا يخفي لأول وهلة
شبهه من حيث البنية العامة بأساطير التكوين
في كل من بابل واليونان، ولكننا لا نعثر على
ما يشبهه في الميثولوجيا الحثية، لأن ما
نعرفه حتى الآن عن الميثولوجيا الحثية لا
يحتوي على نص متكامل في الأصول والتكوين. من
هنا فإن مقارنة أسطورة خصاء آنو بأساطير
التكوين البابلية والإغريقية سوف تقدم لنا
الإضاءات اللازمة على النص. تقوم
أسطورة التكوين البابلية على عنصر الصراع بين
أجيال الآلهة. وهذا الصراع يعكس ثلاثة عصور
متتابعة تؤدي في النهاية إلى استتباب نظام
الكون بعد خروجه من رحم الهيولى. ففي البدء
كان العماء المائي ممثلاً بثلاثة آلهة هي
تعامة، الماء المالح والأم الأولى، وآبسو،
الماء الحلو والزوج الأول، وممو الذي ينتج
عنهما والذي نرجِّح أن يكون الضباب المنتشر
فوقهما. ثم أخذت هذه الآلهة البدئية تتكاثر،
فنشأ عنهما أولاً الثنائي لهمو ولهامو (اللذان
يمثلان في تفسير المدرسة الطبيعانية الطمي
والرواسب المائية). وعن هذين نشأ الثنائي
أنشار وكيشار (اللذان يمثلان في تفسير
المدرسة الطبيعانية الجانب السماوي والجانب
الأرضي من خط الأفق).[18]
ثم أنجب أنشار وكيشار بكرهما آنو، وأنجب آنو
ابنه إيا الذي كان واسع الحكمة شديد الدهاء
والذكاء وأكثر قوة وعتياً من آبائه. وقد كان
هذا الجيل الثاني من الآلهة في حالة حركة
دائبة، يصخبون في جوف تعامة ويسببون الأرق
والإزعاج للإلهة القديمة، حتى فكرت بإفنائهم
والتخلص من ضجيجهم لتعود إلى حالة السكون
الأولى. وبعد التشاور في الأمر قرر آبسو شن
حملة على الجيل الثاني، ووقف إلى جانبه ممو؛
أما تعامة فآثرت الحياد لعدم رغبتها في قتل
أبنائها. فبادر الجيل الثاني إلى تعيين إيا
قائداً عليهم. وعندما التقى الجمعان قام إيا
بإلقاء تعويذته السحرية على آبسو، فشلَّت
حركته؛ ثم عمد إليه فقتله وأسر وزيره ممو.
وفوق آبسو الماء العذب أقام إيا مسكنه وعاش
فيه مع زوجته دومكينا. وفي بيت الأقدار هذا،
كما يصفه النص، ولد مردوخ، بكر إيا ودومكينا،
الذي يصفه النص بقوله: "تخلب الألباب
قامته، تلمع كالبرق عيناه، يخطو بعنفوان
ورجولة. بفن بديع تشكلت أعضاؤه. لا تدركه
الأفهام ولا يحيط به خيال." ابتهج
الآلهة بمقدم مردوخ وأعلوه فوقهم جميعاً. خلق
آنو الرياح الأربعة وسلَّمها إليه، فراح
مردوخ يصرِّف الرياح ويحدث فيها الأمواج التي
اضطربت لها تعامة، فصارت قلقة حائرة تحوم على
غير هدى. والآلهة البدئية الأخرى نسيت الراحة
في خضم العواصف الهائجة، فجاءت إلى تعامة
تحرضها على القتال والانتقام لزوجها القتيل.
خلقت تعامة أحد عشر نوعاً من الوحوش المخيفة
وجهزت جيشاً وضعت على رأسه الإله كينغو،
وتهيأت لشن المعركة. أما الآلهة الشابة من
الجيل الثالث فقد لجأت إلى مردوخ وأسلمته
القيادة بعد أن تنصَّل منها أفراد الجيل
الثاني. ولما التقى الجمعان اضطربت صفوف جيش
تعامة لمرأى مردوخ وخارت قواهم. فتقدم مردوخ
واشتبك مع تعامة في معركة منفردة. رمى عليها
شبكته التي تحملها الرياح الأربعة، ثم أفلت
في جوفها الرياح الشيطانية فتهاوت عند قدميه.
عند ذلك عمد إلى قتلها، وشقَّها إلى نصفين صنع
من واحدهما السماء ورفعها إلى الأعلى، وأرسى
الآخر فصنع منه الأرض. ثم التفت بعد ذلك إلى
صنع بقية أجزاء الكون وتنظيمه. وأخيراً صنع
الإنسان من تراب ممزوج بدم الإله كينغو الذي
جرى إعدامه. وكان هذا آخر عمل مبدع قام به.[19]
ومعه ابتدأت سيادة الجيل الثالث من الآلهة
على الكون. رغم
عدم تشابه الأحداث في الأسطورتين البابلية
والحورية، واختلافهما في التفاصيل، إلا
أنهما تقومان على فكرة أساسية واحدة هي فكرة
الصراع بين أجيال الآلهة. ففي الأسطورة
البابلية تتابع ثلاثة أجيال من الآلهة هي جيل
آبسو فجيل إيا فجيل مردوخ، وهذا التتابع هو
تمثيل رمزي لكيفية خروج الكون من مرحلة
الهيولى الساكنة والعماء الذي لاشكل له، إلى
مرحلة التشكل والتكون، فمرحلة التنظيم. وفي
الأسطورة الحورية تتتابع أربعة أجيال هي جيل
ألالوس فجيل آنوس فجيل كوماربي فجيل إله
العاصفة. وتفيدنا مقارنة الأسطورتين في فهم
مغزى الصراع الذي يدور بين أجيال الآلهة في
الأسطورة الحورية. فهذا الصراع ليس سياسياً
يهدف إلى السيطرة على عرش السماء، وإنما هو
أيضاً نوع من التمثيل الرمزي لمراحل تنظيم
العالم في التصورات الحورية. ورغم الشكل
المختزل للأسطورة الحورية وعدم احتوائها على
تفاصيل مشابهة لتفاصيل الأسطورة البابلية،
فإنها يجب أن تُدرس وتفهم على هذا الأساس. وتقدم
لنا أسطورة التكوين الإغريقية من جانبها
نموذجاً أقرب من حيث البنية والأحداث إلى
نموذج الأسطورة الحورية. يقول هسيود في كتابه أصول
الآلهة: "في البداية لم يكن سوى العماء
المائي المظلم المتسع بلا حدود. من هذا العماء
ظهرت جيا الأرض الراسخة الأثداء. وبعدها
ظهر إيروس الحب الذي دخلت قدرته في صلب
الأشياء والكائنات جميعاً. كما ولد من العماء
أريبوس الهاوية المظلمة، وولد الليل،
ومنهما ولد الأثير والنهار. ثم إن
جيا، أول الآلهة، خلقت الجبال العالية والبحر
الواسع بأمواجه المتناغمة، وأنجبت دون زوج
بكرها أورانوس السماء المتوجة بالنجوم،
فغطاها من جميع جهاتها وتزوجته. وعن قران
الأرض والسماء ظهر الآلهة التيتان. إلا أن
هؤلاء لم يروا النور لأن أورانوس كان يبقي على
أولاده سجناء في أعماق أمهم الأرض غير عابئ
بتوسلاتها. وعندما ولدت جيا كرونوس، اتفقت
معه على التخلص من أبيه وتحرير إخوته. كمن
كرونوس عند فوهة رحم الأرض ومعه منجل حاد
زودته به أمه، وعندما أقبل أورانوس لمضاجعة
زوجته مساءً وأولج فيها، انبرى له كرونوس
وخصاه بالمنجل ثم رمى بأعضائه التناسلية
بعيداً. سالت الدماء من الجرح النازف وسقطت
على التربة فولدت منها الإيرينيَّات،
ربات الانتقام، والعمالقة، وحوريات
الدردار. أما الأعضاء المفصولة فقد وقعت في
البحر وتسربت منها المادة المخصبة فصارت زبد
البحر الذي تمخض وأنجب أفروديت. وبذلك
ينتهي عصر أورانوس ليبدأ عصر كرونوس. تزوج
كرونوس من أخته رحيا التي خرجت من باطن
الأرض مع بقية الآلهة التيتان. ولكن سلوك
كرونوس حيال أولاده لم يكن بأفضل من سلوك أبيه.
فبعد صعوده إلى سدة السلطان أخذ يبتلع أولاده
من رحيا حال ولادتهم، خوفاً من منازعة أحدهم
له مثلما فعل هو بوالده. وهكذا كبر وترعرع
الجيل الثاني من الآلهة في جوف أبيهم كما كبر
وترعرع الجيل الأول في جوف أمهم. وعندما ولدت
رحيا آخر أبنائها زفس، كانت عازمة على
الاحتفاظ به، فدفعت إلى كرونوس حجراً ملفوفاً
في قماط فابتلعه معتقداً أنه المولود الجديد.
أما زفس فقد أخفته أمه في جزيرة كريت وعهدت به
إلى الحوريتين إدراستيا وإيدا ابنتي ملك
الجزيرة. وعندما كبر صمم زفس على العودة
والانتقام من أبيه. وهناك أجبره على أخذ شراب
جهزته الإلهة ميتيس، سبب له الإقياء الذي
ساعد إخوة زفس على الخروج من جوف أبيهم. ثم
نفاه إلى أقاصي الأرض حيث أقام هناك بعيداً عن
مشاكل العالم.[20] تكشف
هذه الأسطورة الإغريقية عن تشابه في البنية
العامة وفي العناصر الرئيسية مع الأسطورة
الحورية، على ما تبينه المقارنة التالية: 1ً. ·
جيا أول الآلهة
تنجب أورانوس–السماء، وتتزوجه. ·
ألالوس أول
الآلهة وأبوهم ينجب آنوس–السماء الذي يخدمه
طيلة تسع سنوات. 2ً. ·
أورانوس يسود على
الكون ويسجن أولاده في باطن الأرض جيا،
وبينهم كرونوس آخر مواليد جيا. ·
يتمرد آنوس على
ألالوس فيقصيه عن العرش ويحكم بدلاً عنه. 3ً. ·
يتمرد كرونوس على
أبيه ويخصيه بمنجل حاد عندما أقبل لمضاجعة
أمه. ·
يتمرد كوماربي
على أبيه ويعض على قضيبه بأسنانه. 4ً. ·
ينسكب دم الجرح
من أورانوس وينسكب على الأرض وينتج عن تلاقح
الدم والتربة العمالقة وآلهة أخرى. ·
يبتلع كوماربي
سائل أبيه، ثم يبصق منه على الأرض فينتج عن
تلاقح الأرض والسائل إلهان. أما بقية المادة
فتنزل إلى بطن كوماربي وتنتج بذورها إله
العاصفة، الذي ينمو في بطن أبيه. 5ً. ·
كرونوس يسود
ويبتلع أولاده. كما يبتلع زفس رمزياً عن طريق
ابتلاعه لحجر ملفوف في قماط، بينما يشب زفس في
مخبئه حتى بلوغه سن الرشد. ·
كوماربي يسود
وإله العاصفة ينمو في بطنه حتى يبلغ الرشد في
شهر المخاض. 6ً. ·
يتشاور إله
العاصفة مع آنو حول أفضل طريقة للخروج من بطن
كوماربي. ·
تتعاون الآلهة
ميتيس مع زفس بإعدادها شراباً مقيئاً يساعد
الآلهة الحبيسة على الخروج من فم كرونوس، بما
فيهم الحجر الذي ابتلعه على أنه زفس نفسه. 7ً. ·
كرونوس يتقيأ
أولاده بالإكراه وزفس يقهره وينفيه. زفس يسود. ·
إله العاصفة يخرج
بالقوة وبعون تعاويذ إيا السحرية فيقهر أباه
وينفيه. إله العاصفة يسود. نلاحظ
من هذه المقارنة مدى تشابه الأسطورتين في
البنية العامة وتوافق عناصرهما الرئيسية.
ورغم أن زفس في الأسطورة الإغريقية قد نجا من
الابتلاع نتيجة حيلة دبرتها أمه، إلا أني
أرجح أن ابتلاع الحجر هو عنصر مستحدث على
الشكل الأصلي للأسطورة، وأنها كانت تتضمن في
الأصل قيام كرونوس بابتلاع زفس، ثم خروج هذا
على رأس إخوته بطريقة ما. ذلك أن خدعة جيا تبدو
لي فكرة مستمدة من الفولكلور الشعبي، وواهية
الصلة بالأفكار الميثولوجية الأصلية. وكما
قلنا عند مقارنتنا مع الأسطورة البابلية، فإن
الأسلوب المختزل للنص الحوري، وخلوه من
التفاصيل التي يمكن أن تضيء لنا ماهية كل عصر
من العصور المتتابعة، وما يقابله من التحولات
الكونية التي قاد تسلسلها إلى تنظيم الكون،
يخفي طابعه العام كنص في أصول العالم وتنظيمه.
إلا أن البنية المشتركة بين النص الحوري
والنص الإغريقي يجب أن توجِّه أنظارنا إلى
رؤيته في الإطار العام لأساطير الأصول وتنظيم
العالم ودراسته على هذا الأساس. غير أن
الأسطورة الحقيقية لا تُسلِم نفسها لمستوى
واحد من التفسير لأنها تقوم في الأصل على عدة
مستويات من الطرح الرمزي، الأمر الذي يفرض
علينا بالمقابل أن نعمد إلى حفريات تخترق
المستوى الأول للتفسير لتصل إلى المستويات
التحتية للطرح الأسطوري. وفي حالة أسطورتنا
المركبة هذه، فإن تفسيرنا المبدئي لا يفي كل
عناصر الأسطورة حقها من التوضيح. فصراع
الأجيال يمكن أن يجري دونما حاجة إلى ابتلاع
الأولاد في الأسطورة الإغريقية وإقامتهم في
بطن أبيهم حتى بلوغهم سن الرشد، وأيضاً دونما
حاجة إلى حبل ذكري وولادة غير طبيعية في
الأسطورة الحورية. فكيف نفسر هذه العناصر في
الأسطورتين؟ إني لا
أستطيع تلمس أي معنى لهذه العناصر الغريبة في
الأسطورتين إلا من خلال صراع الثقافة
الأمومية القديمة مع الثقافة الذكرية
البطريركية الجديدة، ومنعكسات هذا الصراع في
الميثولوجيا. والفكرة التي تقوم عليها هذه
العناصر هي فكرة الحمل الذكري التي نستطيع
التعرف عليها في أكثر من أسطورة إغريقية. إن
عنصر ابتلاع السائل المنوي والحمل بإله
العاصفة في الأسطورة الحورية يعادل، من حيث
القيمة الرمزية، عنصر ابتلاع الأولاد في
الأسطورة الإغريقية. وكلا هذين العنصرين يخدم
فكرة الحمل الذكري، وهي بقية ميثولوجية من
بقايا الصراع الكبير بين الميثولوجيا
الذكرية والميثولوجيا الأمومية، الذي عكس
ذلك الصراع الاجتماعي الحاسم عند مطلع
التاريخ، عندما كانت المجتمعات الإنسانية
تنتقل من الثقافة القروية إلى الثقافة
المدنية.[21] فالإله الذكر
في الأساطير التي تقوم على هذه الفكرة يدَّعي
لنفسه أهم وظيفة من وظائف الأنثى ويثبت أنه
قادر على الحمل أيضاً. وغالباً ما يكون هذا
الحمل حملاً من الدرجة الثانية، أي أن
المولود الإلهي الجديد يدخل في جسد الأب بعد
خروجه من رحم الأم، حيث يقيم فترة كافية
تطهِّره من آثار الأمومة وتقطع روابطه بكل ما
تمثله الأم من قيم أنثوية. لقد عاش الآلهة
التيتان من أولاد الأرض جيا في رحم أمهم
وترعرعوا هناك في فترة حمل طويلة استمرت حتى
شبُّوا عن الطوق. وهؤلاء التيتان هم آلهة
الثقافة الأصلية في بلاد اليونان قبل قدوم
القبائل الهندوروبية إليها. أما الآلهة
الأوليمبيون من إخوة زفس، وهم الآلهة
الحقيقيون للقبائل الإغريقية الهندوروبية
ذات التقاليد البطريركية، فقد خرجوا من رحم
الأم رُضَّعاً ليكبروا ويشبوا عن الطوق في
جوف أبيهم. وإذا كانت الأم قد أعطتهم الحياة
البيولوجية فإن الأب هو الذي وهبهم الحياة
الثقافية. ولدينا
أسطورتان إغريقيتان أخريان تقومان على عنصر
الحمل الثاني الذكري، هما أسطورة مولد
ديونيسوس وأسطورة مولد أثينا. في أسطورة مولد
ديونيسوس تطلب سيميلي من زوجها زفس أن يظهر
لها في هيئته الأصلية كإله للصواعق والبروق.
وعندما يفعل ذلك تموت سيميلي هلعاً من المنظر
المخيف وتهبط إلى العالم الأسفل وهي حامل
بديونيسوس. يستطيع زفس إنقاذ الجنين من بطن
أمه، ولكن قبل اكتمال نموه، ثم يعمد إلى شق
فخذه فيودع الجنين هناك ويخيط الشق عليه.
يُكمِل الجنين ما تبقى له من شهور الحمل، ثم
يخرج إلى الحياة في ولادة ثانية بعد أن أمضى
قسماً من أشهر الحمل في رحم أمه وقسماً آخر في
فخذ أبيه. أما في أسطورة مولد أثينا، فإن زفس
يقوم بابتلاع ميتيس أولى زوجاته والإلهة
الفائقة الحكمة، وذلك إثر نبوءة حذرته من
أنها حامل بمولود سوف يتحدى سلطانه. تُكمِل
ميتيس فترة حملها في جوف زفس ثم تلد الإلهة
أثينا التي صعدت إلى رأس أبيها تحاول الخروج
دون جدوى. انتاب زفس صداع أليم بسبب اضطراب
أثينا في رأسه، وهنا تطوَّع الإله الحداد
هيفستوس لحل المشكلة وعمد إلى شجِّ رأس زفس
بفأس، ومن الجرح العميق خرجت أثينا في عدة
الحرب الكاملة. ولرب
سائل يسألنا هنا: كيف ينطبق تفسيرنا لفكرة
الحمل الثاني على الإلهة أثينا وهي امرأة؟
ولتوضيح هذه النقطة يجب أن ننظر إلى شخصية
أثينا كما رسمتها الميثولوجيا الإغريقية.
فأثينا هي ربة الحرب، وربة الذكاء والحصافة،
وحارسة المدن الحصينة، وحامية البنائين
والنحاتين وأصحاب الحرف. لم تتزوج ولم يخفق
قلبها بحب أحد بل حافظت على عذريتها ولم
يقربها رجل. تمثلها الأعمال الفنية دائماً في
عدة الحرب الكاملة.[22]
فأثينا، والحالة هذه، أقرب لأن تكون فكرة
مجردة منها لإلهة محددة مشخصة. إنها الأفكار
التي تصدر عن عقل الرجل، والذكاء البراغماتي
الذي يصنع بواسطته تقاليد المدينة. إن الرجل
يحبل ويلد أيضاً كما المرأة ولكنه يلد
الأفكار التي تصدر عن رأسه كما صدرت أثينا عن
رأس أبيها. إنه الحمل على المستوى الثقافي
الذي يعادل حمل المرأة على المستوى البيولوجي
الطبيعاني. من هنا قامت هذه الأسطورة
البطريركية بتكريس "الفكرة" كمولود
ذكري، يتكون في جوف الرجل ثم يخرج من رأسه بعد
أن تطهَّر من آثار الأمومة وتنقَّى من
شوائبها. لقد ذهب عالم النفس المعروف سغموند
فرويد إلى القول بأن الأنثى في المجتمع
الذكوري تملك في لاوعيها حسداً للذكر على
امتلاكه للقضيب. ولكن يبدو أن الرجل كان يملك
في لاوعيه حسداً للمرأة بسبب مقدرتها على
توليد الحياة بالحمل والإنجاب، وذلك قبل أن
يوطد سيطرة قيمه الذكرية في مجال المجتمع
والسياسة، فكان عليه أن يثبت من خلال
الأسطورة مماثلته لها في هذه الوظيفة
الأساسية. ولعلنا
واجدين في طقوس العبور التي يخضع لها الفتيان
في بعض الثقافات التقليدية، ما يوضح الخلفية
الثقافية التي يقوم عليها عنصر الحمل الذكري،
بما هو تطهير للمولود من آثار الحمل الأمومي،
وهو العنصر الميثولوجي الذي وصل أعلى درجات
التطرف في أسطورة خصاء آنو الحورية، عندما
حمل كوماربي مباشرة من قضيب أبيه، فنما في
بطنه إله العاصفة في غنى عن الحمل الأولي في
رحم امرأة. فلدى العديد من القبائل البدائية،[23]
يُترَك الأطفال الذكور في عهدة أمهاتهم منذ
الولادة إلى سن البلوغ. ثم يخضع الفتى الذي
قارب سن البلوغ إلى طقس تطهيري رمزي، يخلصه من
شوائب الفترة التي قضاها في رعاية أمه وفي
بيئة نسائية بحتة، ويهيِّئه للانضمام إلى
عالم الرجال. يأتي ممثلون عن رجال القبيلة
فينتزعون الفتى من بيت أمه ويعزلونه في كوخ
خارج القرية، حيث يخضع لأنواع مختلفة من
التابو المتصل بعالم النساء. وبين الحين
والآخر يعود الرجال إليه فيؤدون حوله طقوساً
خاصة تساعده على الولادة الجديدة من عالم
النساء إلى عالم الرجال. وأخيراً يخرج من
معتكفه ليغدو عضواً كاملاً في جماعة الذكور
البالغين. وفي أول خروج له من عزلته غالباً ما
تتضمن الإجراءات الطقسية قيام الفتى بتأدية
حركات رمزية أمام أمِّه من شأنها الإيحاء
بانقطاعه نهائياً عنها وازدرائه للعالم
النسائي. نأتي
الآن إلى النوع الرابع من الأساطير، وهو
النوع الذي يستعصي على التفسير، ولا نستطيع
حياله إلا الخروج بافتراضات تبقى أفضل من "الفوز
من الغنيمة بالإياب"، على حد قول المثل
المعروف. ***
*** ***
[1]
Alexander Heidel, The Babylonian Genesis, Phoenix, Chicago: 1970, pp.
77-78. [2]
من أجل مقاطع الإينوما إيليش
انظر ترجمتي الكاملة للنص عن المرجع السابق
في مؤلفي مغامرة العقل الأولى. [3]
L. Delaport, “Phoenician Mythology”, in: Larousse Encyclopedia of
Mythology, pp. 82-83. [4]
تاريخ هيرودوتس،
بترجمة حبيب فندي بسترس، بيروت 1886، 2: 54. [5]
ميرشيا
إلياده: مظاهر الأسطورة، بترجمة نهاد
خياطة، دار كنعان، دمشق 1991، ص 149. [6]
قمت بترجمة هذه المقاطع عن
منتخبات جاكوبسن في كتابه: Th. Jacobsen, The Treasures
of Darkness, Yale: 1976, p. 87 ff. [7]
الأنوناكي
هم آلهة السماء ويقابلهم الإيجيجي آلهة
الأرض. ولكن الكلمة قد تستعمل للدلالة على
جمع الآلهة من النوعين. [8]
هناك ترجمة كاملة للنص قدمها
كريمر ضمن موسوعة نصوص الشرق القديم: J.
Pritchard, edit., Ancient Near
Eastern Texts, Princeton: 1969. pp. 455-463. [9]
انظر ترجمتي الكاملة للملحمة في
مؤلفي جلجامش، ملحمة الرافدين الخالدة،
دار علاء الدين، دمشق 1996. [10]
Stephanie Dallay, Myths from Mesopotamia, Oxford: 1991. [11]
كان التاج في ذلك الوقت يتألف من
قبعة محدبة القمة ومن عصابة تلتف حولها عند
الجبهة. [12]
حشرت هذا النص هنا نقلاً عن النص
البابلي القديم. أنظر ترجمة E. A. Speiser
في موسوعة Ancient Near Eastern Texts،
المرجع السابق، ص 114، البيت رقم 14. [13]
R. E. Davidson, Gods and Myths of Northern Europe, Penguin: 1964, pp.
190-194. [14]
أقدم فيما يلي ترجمة كاملة للقسم
الأول من النص، وتلخيصاً للقسم الثاني منه،
وذلك بسبب تشوه اللوح الذي يحتوي على بقية
النص وعدم وضوح العديد من سطوره. وقد اعتمدت
هنا ترجمة A.Goetze
في موسوعة: J.
Pritchard, edit., Ancient Near
Eastern Texts, pp. 120-121. [15]
من الممكن أن يكون كوماربي قد
ابتلع قضيب آنوس، لأن الباحث Goetze
لم يكن واضحاً تماماً في ترجمته لهذه
النقطة. انظر المرجع ص 120 السطر 25. [16]
G. S. Kirk, Myth, Its Meaning and Function, Cambridge: 1970, p. 216. [17]
يعتمد كيرك في رأيه هذا على
ترجمة غوتز للسطر الذي يعلق فيه كوماربي
على الاقتراح المتضمن الخروج من الموضع
الحسن. وهو سطر غير واضح بسبب التشوه، أورده
غوتز في المرجع السابق على الوجه التالي:
"إذا خرجت من الموضع الحسن فإن امرأة سوف..."
ويفهم كيرك من هذا أن العطب لن يصيب الموقع
الحسن – وهو القضيب – بل المرأة التي
سيضاجعها إله العاصفة. [18]
انظر تفسير جاكوبسن في دراسته
لأسطورة التكوين البابلية. [19]
انظر النص الكامل في مؤلفي مغامرة
العقل الأولى والمرجع رقم 1 من هذا البحث. [20]
Guirand, “Greek Mythology” in Larousse Encyclopedia of Mythology,
pp. 87-91. [21]
يجب ألا يؤخذ هذا الطرح في إطار
زمني وتاريخي دقيق، لأن القبائل الرعوية
ذات النزعة العسكرية المحاربة تتبنى أيضاً
معتقدات وأساطير ذكرية بطريركية. [22]
Ibid, p. 107. [23]
J. E. Harrison, Themis, University Books, New York: 1966. pp.35-38.
|
|
|