|
رسالة...
لمى
الأخرس
لدي
في غرفتي، يا أصدقاء، ثلاث تفاحات شمعية
جميلة تسرُّ الناظرين... من بعيد يصعب تمييزها
عن التفاح الحقيقي؛ فهي متقنة الصنع رائعة
اللون... ولطالما نقلتها من زاوية لزاوية برفق
وزهو ومحبة... ذات
مساء, في سكون الليل، أضأت قنديلاً زيتياً
صغيراً, فبددتْ شعلتُه عتمة المكان, ورحت أجول
بنظري في الزوايا متأمِّلة شكل الأشياء,: إن
لها سحراً خاصاً بهذا الضوء... وقع
نظري على التفاحات... راودتني نفسي... فكرت...
ترددت... جمالهن سيذوي... نورهن سيبدِّد العتمة. -
اعتدتُ على وجودهن في غرفتي... -
فلتحطِّمي قيد العادة! -
في الصباح سأندم... -
الندم هدرٌ للعقل والعاطفة! أشعلت
الثقاب, مددت يدي بشعور غريب، وألهبت الفتائل
الثلاث... ابتعدت، وانكمشت في الزاوية
المقابلة أرقب بصمت... ثلاث
شعلات صغيرة تطل من رأس الشمعات, تتحرك ذات
اليمين وذات اليسار, تتوهَّج بفرح وسحر, تنفض
عنها سنوات من الصمت... صمتٌ، صمت وتفكُّر! كيف
حرمتُ الشمعة من أن تكون شمعة كل تلك السنين؟!
كيف تتغلَّف الأنانية برداء المحبة؟! أم أنها
لم تكن محبة؟ ما هذا الذي أرى؟ أسئلة كثيرة
ودهشة... ويمر
الوقت... أبصر...
وإذا بالشعلات قد لامست قلب الشمعات, فشفَّ
أحمرها وتوهَّج بلون سحري, واستطال اللهب
للأعلى بوقار وهدوء وثبات, وساد المكان نور
ليس كالأنوار. لم يقتل الظلام، بل عانقه بحنان.
وأحسسنا بالدفء جميعاً: النور, الظلام,
الشمعات، وقلبي. في
الصباح لم أرَ ثلاث شمعات صغيرة لهل شكل
التفاح ولونه الأحمر, بل رأيت رفات ثلاث
صديقات وفيات, انتظرن اللحظة بصبر وصمت,
وعندما حانت، عشن ذاتهن خالصة كما هي, أدَّين
رسالتهن ورحلن ليتابعن في عالم آخر بشكل آخر. *** استمعوا
إليَّ يا أصدقاء, بقلوبكم وعقولكم المفتوحة,
وبأنفسكم النقية التي لولاها ما تكلمت. فبعض
مما سأقول اختبرت، وبعضه اختبره غيري، وبعضه
الآخر سمعت، وبه آمنت. ما
رأيكم بنور يعانق الظلام, يهدي التائه, يمسح
الدمعة... نور يُشبِع الجائع دون رغيف لأنه
الرغيف, يروي العطشان دون ماء لأنه الماء,
يشفي السقيم بلا دواء لأنه الدواء؟!... نور منه...
وإليه... كيف؟!
لكل منا كيف. هنالك طرق بعدد مخلوقاته. لكن لعل
البداية (إذا افترضنا بداية ونهاية) في الرغبة
الصادقة الخالصة, في الاشتياق والطلب. وعندئذٍ، إذا شاء
وشئنا، سيلمس بقبسه المقدس
فتيلنا ويبدأ الاشتعال. سنحترق،
لكنه احتراق التطهير... سنتألم، لكنه الألم
النبيل... سنذوب ونسيل قطرة قطرة, لكن كلاً
منها بلسمٌ لنا وللمحتاجين... سيرفضنا
الناظرون، لكننا في العمق لن نخسر، وهم في
العمق يعلمون... سنواجه
الكثير من مهالك الاحتراق... ولكن، كما في
الولادة عنه ألم، كذلك في الموت عنَّا ألم... وفي
مرحلة ما، لا يعود الفتيل قابلاً للانطفاء...
يستمر ويستمر بالاحتراق والذوبان إلى أن يلمس
اللهب قلب القلب, فيشفُّ ويتوهَّج بلون سحري
يراه المبصرون ويحس به المشتاقون, ويستطيل
اللهب للأعلى بوقار وهدوء وثبات, ويسود
المكان نور ليس كالأنوار, نور لا يقتل الظلام
بل يعانقه بحنان... وتبدأ حياتنا الحقة, به
ومنه وإليه. نصبح يده التي تعطي، وعينه التي
تحرس، وقلبه الذي يرحم. أوليس
من أجل هذا خلقنا؟ قد
نطلب القبس ولا نجاب... وقد نجاب فنخاف وننسحب...
وقد نجاب فنحترق دون أن ننير... وقد ننير عند
آخر زفرة لنا في هذه الحياة... وقد... وقد...
احتمالات لانهائية... لكن طلبه يستحق كل هذا
العناء, وكل ما لا نعرف بعدُ من العناء. لماذا؟
لأنه هو... من هو؟ سؤال
أزلي حارت به المخلوقات, ولطالما تاقت لجواب...
هو أيضاً يتوق لأن نعرفه, يدعونا كما ندعوه,
يقول لنا إنه "أقرب إلينا من حبل الوريد",
"يسمع دعوة الداعي إذا دعاه"... يقول
لنا: "من جاءني ماشياً جئتُه مهرولاً",
يقول لنا: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"...
نفحات من روحي فيكم وحولكم, في الزهرة والشوكة,
في الثلج والبركان, في النسمة والعاصفة, في
الهمسة والصاعقة، في كل ما تعرفون وما لا
تعرفون. فلنبصر
ونستمع ونصمت ونحس ونصدق، لعلنا بلمس طرف
ردائه نبرأ, لعلَّه يتجلَّى لنا أو فينا،
فنتواضع ونحب ونبدأ "المسير"... فهو
المنتهى والمبتدأ... اللهمَّ
اجعلنا ممَّن إذا تكلَّموا صدقوا، وإذا قالوا
فعلوا. آمين *** *** ***
|
|
|