|
تفاصيل
حياة أبو فاضل \ تصير
ناطحة سحاب خضراء, أغصانها شرفات
للدوري, أكوازها مؤونتهم
لفصل الخريف وبعض الشتاء, ويعرفون كيف يفصلون
شعرها الأخضر عن اليابس, وكيف يحصلون على بذور
أكوازها. يملؤون فضاءها مرحاً، فتضمُّهم,
وتحميهم, وينشدون معاً أنغام الشتاء ومفاجآت
الشمس. \ خضراء,
صاعدة في حديقتي, شربينتي العطرة, كيف فتحت
للعصافير وما استأذنتْني؟ كيف أشركتْني
في هذا الحب؟ صباحاً وظهراً أنظِّف ما يخلعون
عنكِ من يابس وقشور وبذور, مستاءة بدءاً, ثم
مستسلمة, ثم في فرح. فأنا جزء من أغاني الشتاء
ومفاجآت الشمس. \ ينزل
بسترة واقية إلى المحيط الواسع لزيارة أسماك
القرش. يقف وترحب أول سمكة كبيرة. تأتي إليه
منسابة ناعمة, تخبئ أسنانها الكثيرة وراء
ابتسامة طفلة عطشى لمن يغنِّجها. يضمُّها,
يربت على جلدها. وحين تشبع تترك ذراعيه لسمكة
قرش أخرى واقفة تنتظر دورها, ثم أخرى... ويفيض
المحيط حباً إلى كل زوايا الكون. \ رجلٌ
بسترته الواقية تحت ماء المحيط, يخطف انتباهي
من خلال شريط وثائقي تلفزيوني, يستقبل سمكة
قرش كبيرة, باسمة, تنزلق إليه ويضمُّها.
يفوتني اسم المحيط, وأسمع الحب المتبادل بين
الرجل والسمكات المتتاليات على ذراعيه وقلبه:
بينه وبينها ذاب الخوف مخلفاً أنشودة حب فائض
إلى بيتي. \ لكلٍّ
سلَّته المملوءة
بكل
أصناف ما يخرج من الفكر والفم. فيها الحلو
والمر والمالح والحامض, والكل مرهون بمدرسة
الأرض في مسيرة التطور. ومثلُنا، سِلالنا
متشابهة. ومهمٌّ أن لا ننقل المُرَّ منها
لنؤذي الآخر, لأن ما في سلالنا واحد، نسجناه
معاً. \ سَلَّتي
امتلأت بكل ما قال أصدقائي عن أصدقائي وبكل ما
قلت أنا. تمتلئ سَلَّتي بالحلو وبالمر،
بالمالح وبالحامض. تحمل ما يُفرِح وما قد
يسبِّب الخراب. هذا لأننا معاً في مدرسة الأرض
نتعلَّم. نتعلَّم أن لا نفتح سلالنا ليقفز ما
يؤذي, فيرسب إلى القعر تفلاً لا ننقله إلى
الآخر, لأن ما في سلالنا واحد نسجناه معاً. \ من
مكان ما, فجر أزرق يعلن ولادة القرى والبلدات
من جديد. يعيد الجبل صوغها هامساً تعاويذه
السحرية. وحين ينتهي، يمر بجسمه الطويل على
وجه السماء ويستريح. نهاراً تموج البيوت
بسكانها, الذاهب والآتي, إلى أن يستفيق الصمت،
ومن مكان ما تنبت يد تسحب النور،
ومعه القرى والبلدات, وتنتهي لعبة السحر. \ من
مكان ما, كأنني داخل علبة مجوهرات كبيرة,
جدرانها من الأبنوس المرصَّع بكل الأحجار الكريمة,
أطرافها تشعُّ على حافة السماء. هي تظن أنها
قرى وبلدات مضيئة لأن الوقت هناك ليل. أما أنا
فأعرف أنها حجارة كريمة داخل علبة سوداء. كما
تعرف هي أنني في مكان ما واقعة تحت سحرها:
أعرفها ولا تعرف من هي, وتعرفني ولا أعرف من
أنا. نحن في لعبة سحر. \ من
إنكلترا معلومات عن دنيا النبات: إنها تتواصل
بهدف نمو أفضل. تضيف للحياة اللون, وتتبادل
معنا كنوز الهواء, وتعرف ما تأخذ منه وما تعيد
إليه, واعيةً لعبة الضوء وعكسه. والأهم
أوراقها الكبيرة الخضراء التي تعتني
بالوريقات الجديدات القليلات المسام، حتى
تكتمل نوافذها الصغيرة فتفتحها على أسرار
الأخذ والعطاء. \ من
غير عالم النبات أتيتُ. إلا أني عرفت، مذ كنت
صغيرة، أنني وهذا العالم في علاقة حياة،
أزهارها تفاجئ على مرِّ الفصول. والتقيتكَ:
ورقة كبيرة خضراء. وأنا جديدة, مربَكة, أخضرها
غير واضح. فكلَّمْتَني, وسكبتَ من حنانك,
وعلَّمتَني كيف أفتح نوافذي على أسرار الأخذ
والعطاء. \ لِمَ
لَمْ تعطِ أحزانك للبحر؟ كدَّستَها في جيوبك.
وراء جبينك الشاسع، وفي عينيك الحاملتين
تعاويذ ضد النوم. ليلاً دخلتَ القصر. وحيداً
جلستَ, وحيداً شربتَ. لِمَ لَمْ تترك أحزانك للمياه
المسجونة داخل دائرة لا تدور. لو تصغي لذاكرتك
فتجرف كل هذا الحزن. \ لو
تسمعني... ألستَ من سمح لي بمساحات كثيرة للضوء؟
حاملٌ هذا الأسى لأنك نسيت أسرار
الأخذ والعطاء. لِِِِِِِمَ لا تمد يدك للماء
وترمي بوشاحك القاتم للبحر؟ لو تبلغ القلب
فتتذكر كيف يمحى كل هذا الحزن. \ أنت
لا تعرف أن للثعالب في جولاتها الليلية
أغنياتٍ للمودَّة وللتحالف, ولا تفرِّط بما
يجمعها تحت أي ظرف. لا يهاجم أحدها الآخر, لا
يفترسه. كذلك معظم سكان الغابة، على اختلافهم,
لا ينهش أحدهم مَن مِن جنسه بسبب سوء فهم, أو
اختلاف في طريقة تواصل مع الأشجار والهواء
والشمس. \ أنت
لا تعرف أن للبشر في جولاتهم الحياتية مخالب
مسنونة تطعن المودَّة والصداقة. يهاجم أحدهم
الآخر صاخباً أو صامتاً. وبخلاف سكان الغابة،
يتناهشون بسبب سوء فهم, أو اختلاف في طريقة
تواصل مع الأشجار والهواء والشمس. \ ما
الذي أبطل السحر؟ حرارة جوٍّ زائدة قطعت
الحوار الشادي بين الأشجار البعيدة والوادي والأثير.
قبلاً: الأنشودة دائمة, تردِّدها الظلال
الرطبة. واليوم ارتفعت الحرارة وذاب السحر. جافة
الأشياء مثل واحد زائد واحد, مثل هاتف لا يسأل
ولا يجيب. \ آسرٌ
وشاح الضباب, يسرح أنغاماً فوق الأشجار
البعيدة والوادي و الأثير. يتسلل إلى عيني,
إلى داخلي, كأنني خبرته قليلاً من مئات السنين.
ومتى كانت الحرارة في ارتفاع, يذوب الوشاح ولا
يبقى سوى جفاف عاطش يقطع الحوار, مثل هاتف لا
يسأل ولا يجيب. \ ذهبيٌّ،
مخضرُّ الأجنحة، يأتي به الصيف مكافأة للدهشة
في عيون الصغار. مجلسُه كرة الشوك الزرقاء
المتعالية. يأكل منها ولا تستقبل سواه. ومتى
تلتقطه أصابع صغيرة واثقة، تنتهي رحلته مع
الحرية، مع أجنحة خضراء ذهبية، تلتمع تحت
لمسات الشمس. \ كالواقع
في الحبِّ، واقعٌ في الورد، في علبة صغيرة. لا
يعرف أنه ودَّع الحرية لحظة نقلتُه إلى علبة
خواتمي بعدما أفرغتها وملأتها بورق الورد.
صغيرة أنا. ومصدِّقة أنه زيز ذهبي مثل سواري.
انتقيته من الغابة الزرقاء، ساحراً، تلامِس
أجنحتَه أصابعُ الشمس. \ تأتي
ولا تعرف أنك خرجت من ذاكرة الكون حاملاً
برنامجاً للآتي. وتطير من حدث إلى حدث على
جناح زمن لا يد لك فيه. ينصفك ويظلمك، وينتهي
يوماً مسجلاً أفكارك وأقوالك وأفعالك، خيرَك
وشرَّك... تُعِدُّ لك في كل مرة برنامجاً جديداً لمجيئك التالي بحسب ما زرعت أنت. \ من
كتاب مقام الروح لغاري زوكاف (كاتب أميركي
معاصر، خريج جامعة هارفرد) أن الروح
العائدة لاختبار حياة جديدة في عالم الأرض،
متخذةً شخصية مختلفة لكل قدوم جديد، محكومةٌ
بنتيجة أفكارها وأقوالها وأفعالها السابقة.
هي روح هادفة لإعادة التوازن إلى طاقتها
المربِكة لتشفى من عدم تكاملها الناتج من
سلبيَّاتها، وذلك باختبار ما تسبَّبت به
لسواها وللكون، سلباً وإيجاباً. ومتى أدركت
مغزى اختباراتها، تعاطفت مع بلايين الأرواح
الساعية مثلها إلى إعادة التوازن لطاقاتها في
رحلة التطور الرائعة: الحياة. \ تلعب
الشمس: تحدد شرقك وغربك، نهارك وليلك، صيفك
وشتاءك وما تبقى من فصولك. ومن حيث لا تدري،
تتدخل في تفاصيلك المخبأة. كل هذا وهي ثابتة
لا تتغير. أنت تلاحقها، تلفُّ حولها، فلا تسمح
لك إلا بلمس أطراف شعرها الهادل. ومتى رفعته،
أراحتك لتعود أنت وتعبر بها بعد قليل. \ يلعب
الحب: يحدد شرقي وغربي، صيفي وشتائي، ما
يفرحني وما يبكيني، ما يطمئنني وما يقلقني،
فلا أستكين. والحب واثق، لا يتلوَّن، يمنحني
قليله أو كثيره. يعلِّمني، أنا العطشى
باستمرار. ومتى غاب، أتهيَّأ لأعود وأعبر به
بعد قليل. \\\
|
|
|