|
هل
للعنف في وسائل الإعلام
تأثير
على الأطفال؟
سيلفا
بيطار
"بناء
طفل خير من إصلاح إنسان."
انطلاقًا
من هذه المقولة يأتي التشديد على الاهتمام
بالأطفال كبنية أساسية للمجتمع، حيث تشكِّل
رعايةُ الطفولة وحمايتُها الاهتمامَ المحوري
والجوهري في حياة الأسرة والمجتمع. تؤدي وسائل الإعلام دورًا
هامًا بتأثيرها على الأطفال (سلبًا أو
إيجابًا) من خلال مساهمتها، بمضامينها
الموجِّهة لهم وبفتحها آفاق العالم أمامهم،
في بناء شخصية الطفل، وتوسيع مداركه، وإغناء
علاقاته الاجتماعية، كما تساهم في تعميق
القدرة الأدبية لديه، وتُرهِف حسَّه وذوقه
السليم، وتنمِّي ثروته اللغوية. وبذلك فهي
تؤدي دورًا مهمًا في التنشئة، إضافة إلى ما
تقوم به قنوات التنشئة الأخرى في المجتمع.
ولكل وسيلة من وسائل الإعلام دورها؛ ولا تلغي
وسيلة إعلامية دور وسيلة إعلامية أخرى. وتلعب وسائل الاتصال
الحديثة دورًا هامًا في وقتنا الحاضر، كونها
أصبحت اللغة المشتركة في كافة أنحاء العالم
التي تجعل جميع الناس على اتصال، ومهتمين
بعضهم ببعض في القرية الكونية الصغيرة. سوف نستعرض في ورقة العمل
هذه دور بعض وسائل الإعلام في تصعيد قضية
العنف عند الأطفال. أولاً: العنف على
الإنترنت: أ. شريحة العمر التي
تتعامل مع الإنترنت: على الرغم من سهولة التعامل
مع الإنترنت وازدياد نسبة المستخدمين، ما
يزال الأطفال دون سن الثانية عشرة بعيدين عن
استخدامها لعدة أسباب، منها عامل اللغة الذي
يلعب دورًا أساسيًا في تفهم الأطفال لكيفية
التعامل مع الإنترنت؛ وإلا فإنهم يتقيدون
بالمواقع العربية الآمنة. كما أنه حتى في هذا
العمر يمكن للأهل أن يتمكنوا من مراقبة
أولادهم، أو حجب الاتصال عن الحاسب المتوفر
في المنزل، وبالتالي عدم تمكين الأطفال من
الدخول إلى الإنترنت. ولكن مع التقدم المستمر
وسعي الدول مع الأشخاص إلى تأمين هذه الخدمة
لكل فرد في المجتمع، سوف يتمكن الأطفال، منذ
سن الخامسة، من الدخول إلى الشبكات، سواء في
المدارس أو في الـcafé Internet
أو في أيِّ مكان للألعاب. ب. الأطفال الذين
يتعاملون مع الإنترنت: لكي يتمكن الطفل حاليًا من
دخول الإنترنت لا بدَّ من توفر حاسب في المنزل
ومن وجود اشتراك في الشبكة؛ أي أن الأشخاص
المثقفين أو المنتمين إلى الطبقة الوسطى فما
فوق يمكن أن تتوفر لأطفالهم هذه الخدمة،
وبالتالي ينعكس تأثيرها على نسبة 10% من
المجتمع كحدٍّ أقصى، ابتداءً من سن الثانية
عشرة. لكننا نعود ونؤكد أن هذه النسبة سوف
تتزايد تزايدًا سريعًا وملحوظًا خلال السنين
القادمة. ج. نوعية البرامج
ومدى تأثيرها على الأطفال: عند دخول الأطفال إلى
الإنترنت من الصعب الوصول مباشرة إلى أية
مواقع عنف؛ وإنما المدخل الأساسي للأولاد هو
الألعاب بشكل عام. ومن خلال هذه المواقع يتم
اختيار الألعاب حسبما يرغب به الأولاد، لا من
رقيب ولا من حسيب. قد تكون الألعاب عنيفة، أو
قد تكون هادفة وسلسة، أو قد تكون موجَّهة بحيث
تلعب دورًا نفسيًا يشد الأطفال إليها لتمرير
الأفكار المرغوبة. كما نود التوضيح بأن عملية
الدخول إلى مواقع الإنترنت واللعب café Internet
عملية غير واردة نسبيًا، نظرًا
لتكلفة الإنترنت وانخفاض أسعار الـCDs
الخاصة بالألعاب. هناك أيضًا المواقع الخاصة
بالشخصيات التلفزيونية الكرتونية التي تشد
الأطفال (مثل البوكيمون وغيرها) والتي تحوي
عدة أنواع من الألعاب، بعضها مفيد مثل الـpuzzle. نجد مما تقدَّم أن الإنترنت
لا تشكل عاملاً أساسيًا حاليًا في عرض العنف،
بل خطر من النواحي الأدبية للمستخدمين، حيث
إن غالبية هذه المواقع تكون مبطَّنة المضمون
وغير واضحة؛ وغالبيتها من صنع الهواة، مما
يجعلها تشكل خطرًا على نظام الحاسب. ولكن
نظرًا لعدم وجود رقيب ينبغي خلق رقيب ذاتي عند
الأطفال لدى تجوالهم في هذا العالم الرقمي. ثانيًا: العنف في
ألعاب الكومبيوتر: أ. العمر الذي يتعامل
مع الكومبيوتر: يُقدَّر عدد مستخدمي
الحواسب بنسبة لا تقل عن 50-60%، حيث يمكن للطفل
أن يبدأ بالتعامل مع الحاسب منذ عمر الأربع
سنوات، وذلك من خلال الألعاب التي يقدمها
الأهل لأولادهم التي تكون مخصصة لهذه الأعمار
(سنأتي على ذكرها لاحقًا). ب. الأطفال (البيئة)
الذين يتعاملون مع الكومبيوتر: نبين نوعين من الأطفال
الذين يتعاملون مع الحاسب: 1.
أطفال
توجد في بيئة مثقفة نسبيًا، يستطيع فيها
الأهل أن يسايروا التكنولوجيا ويوجِّهوا
أولادهم فيها. ويتفرع عن هذه الفئة الأهل غير
الواعين لما تتركه الألعاب من أثر على الطفل. 2.
أطفال
توجد في بيئة غير مسايرة للتكنولوجيا، حيث
يشعر الأهل بضرورة تعلم ولدهم استعمال الحاسب، ويعملون على
تأمينه، ولكنهم غير
قادرين على توجيه أطفالهم في هذا الموضوع. في البيئة الأولى يكون من
السهل التأكد من نوعية البرامج التي يتعرض
لها الطفل لأن الأهل هم الذين يختارون؛ وهذا
ممكن حتى سن الثانية عشرة أو حتى العمر الذي
يبدأ فيه الطفل بأخذ مصروف معين من أهله (وهو
عادة يكون في سن العاشرة). أما البيئة الثانية فليس
فيها من رقيب؛ وقد يكون المساعد على اختيار
البرنامج أحد الأصدقاء أو المعارف أو صاحب
محل البرامج الذي غالبًا ما يهتم بتسويق
برامجه أكثر من الاهتمام المفرط بنوعية
البرامج المقدَّمة للطفل. ج. نوعية الألعاب: إن كافة البرامج (وخاصة
الألعاب) تعتمد على عناصر ومؤثرات ضوئية
وصوتية تشد الصغار بشكل كبير وفعال (حتى إنها
تشد الكبار أيضًا!)، نظرًا لتمكنها من إخراج
صور وألوان معينة قد لا يتمكن مخرجو السينما
والتلفزيون من تنفيذها. وهنا يكمن خطر
البرامج؛ إذ إن التركيز العالي على البرنامج
يجعل المتلقي يستقبل كل شيء منه، دون أن يفوته
أي شيء. لذا وجب الاهتمام بما يقدمه البرنامج. نستطيع أن نقسم ألعاب
الحاسب إلى الأنواع التالية: 1.
ألعاب
تعليمية تعتمد على قصة أو شخصية كرتونية: هذا
النوع من الألعاب مفيد جدًا للأطفال. فهو يبدأ
في تثقيفهم بثقافة سهلة وسلسة تعتمد على
شخصيات محببة للأطفال، مثل Dr
Poo، الدب الذي يعلِّم
القراءة والحساب وحتى بعض الأغاني. وضمن هذا
المجال نجد أيضًا بعض البرامج باللغة العربية
التي تدعم الثقافة العربية. وهذه البرامج (سواء
الأجنبية أو العربية) يمكن أن يبدأ معها الطفل
من سن الرابعة. 2.
ألعاب
فكرية (تقوية الملاحظة أو التركيز): عمليًا
تُعتبَر هذه البرامج للصغار، ولكنها تشد
الكبار أيضًا نظرًا لأنها تقوي المخيلة (تساقط
المكعبات)، سرعة البديهة (الأوراق المتشابهة
بشتى الأشكال)، الذاكرة، إلى ما هنالك من
ألعاب ذهنية؛ ويبدأ بها الطفل من سن السابعة.
إلا أننا نلاحظ أنه لا يستطيع التركيز معها
طويلاً نظرًا لما تتطلبه من جهد، مهما كان
بسيطًا، ولكن لا غنى عنه. 3.
الألعاب
التي تعتمد استراتيجيات حربية (تحتاج إلى وضع
الخطط): هذا النوع من الألعاب يُعتبَر، بنوع
ما، من المراحل المتقدمة التي تحتاج إلى نضج
عقلي؛ ويبدأ بها من سن العاشرة والمراهقة،
حتى الشباب وأكثر؛ إذ إنها تتدرج صعوبة مرحلة
فمرحلة. سندرس على سبيل المثال
برنامج Edge
of Empire الذي تعتمد فكرتُه
على إمبراطور يبني مدينته، حيث يأمر العبيد
بالزراعة، ومن بعدُ بصنع القوارب، ثم يعبئ
خزاناته، ويستعد لغزو العدو، ينتصر أو يخسر،
يوسِّع رقعة إمبراطوريته أو يقلِّصها. في هذه
اللعبة نلحظ التالي: -
على
الرغم من عدم وجود عنف مباشر ولوحات دموية،
إلا أنها تكرس الأنا عند المستخدم وتضخِّمها،
وتجعل البرنامج ملاذًا يهرب به من واقعه ومن
إمكانياته الحقيقية، راسمًا لنفسه واقعًا
ومدينة وعالمًا هو الحاكم الأوحد وله مطلق
الحرية في التصرف فيه. -
صحيح
أن هذه اللعبة تعتمد على التخطيط العقلي ورسم
مستقبل للمدينة، إلا أن مبدأها يعتمد على
المادة؛ إذ إن هدف الإمبراطور زيادة رقعة
بلاده، وهو يخسر عندما تفرغ مخازنه من المؤن.
ونظرًا للإقبال الشديد على هذا البرنامج تظهر
تباعًا أجزاء جديدة تحمل درجات وإمكانيات
قتالية جديدة. -
إن
مبدأ اللعبة هو "إما أنا حي وإما الآخر حي"،
ولا يمكن أن نحيا معًا بنفس الوقت؛ فلا بدَّ
من أن يخطط كل منَّا للقضاء على الآخر! وهذه
الفكرة، باعتقادي، هي قمة العنف الفكري. مثال آخر لعبة تعتمد أيضًا
على استراتيجيات قتالية، وتدعى "دم وشرف"،
وتصاحبها واجهة حمراء وأشكال لشياطين
والعياذ بالله! مثال آخر لعبة "الكهف". تتلخص
مقدمة البرنامج الخاصة في وجود عمليات إنقاذ
لرجال الكهوف من الهياكل العظمية. للوهلة
الأولى يتراءى لنا هدف نبيل: إنقاذ. ولكن عند
البدء باللعب لا نشاهد سوى مناظر مفزعة،
وعندما نموت إثر ضربات الهياكل العظمية
المتكررة نرتمي على الأرض، والدم يتدفق من
أصابع اليد بشكل لزج (يا له من منظر لطيف لولد
في العاشرة من عمره!). وقد نتساءل هنا عن لعبة
الشطرنج العالمية؛ فهي أيضًا لعبة حربية
قتالية تعتمد على حياة شخصية واحدة هي الملك.
ولكن في الشطرنج تتوفر العوامل التالية: -
لا
يمكن لعملية الشطرنج أن تضخِّم الأنا لأن
اللعب له قوانين، وهناك دائمًا لاعب في
المواجهة، وهو لاعب شرس، على الرغم من أن
الإنسان هو الذي يحدِّد درجة صعوبة اللعبة (في
حال كان يلعب مع الحاسب). -
تعتمد
لعبة الشطرنج كثيرًا على التخيل، وهو أمر لا
يمكن للاعب أن ينجح بدونه؛ إذ إن عليه أن يرسم
المخطَّط في دماغه، وأن يتخيله، ثم يلعب
ويعدِّل في مخططه طبقًا لتحرك الخصم. ولكن في
جميع الأحوال لا يمكن لمقدار المؤن في
المخازن أن يحدد مقدار قوة اللاعب، بل عليه
السعي جاهدًا للربح. وفي حال "شاه مات" لا
يمكن أن نرى دماءً تسيل على الأرض! 4.
ألعاب
تعتمد فقط على صراع البقاء: هذا النوع من
الألعاب قد يكون عنيفًا وقد لا يكون، ولكنه
يؤدي إلى تبلُّد الذهن؛ إذ إنه يعتمد على صيد
معين (طائرات، مراكب فضائية، إلخ)، وهو يعتمد
فقط على مبدأ تجميع أكبر عدد من النقاط. د. مكمن العنف في
الألعاب السابقة وسبب إقبال الأطفال
والبالغين عليها: بينَّا في بداية عرضنا
للألعاب مدى تشويقها، كونها تعرض الأمور
بمؤثرات عالية الجودة من ناحية الصوت والصورة
والإضاءة. تكمن مشكلة العنف هنا في أن غالبية
هذه الألعاب تسهِّل عمليات القتل أو تفرضها
للوصول إلى الهدف. فكلما قتل اللاعب زومبي أو
رجل أو أي شيء تجده يصيح من الفرح لأن هذا
سيقرِّبه من هدفه. ورويدًا رويدًا لا يعود
لموضوع القتل أهمية عنده؛ وفي لحظات أو في
شطحات معينة قد ينجرف الإنسان وراء هذا الـ"لاإحساس"
بإنسانية الآخر، فيسرق أو يقتل أو... وبأعصاب
باردة! ناهيك عن كثرة الدماء التي يراها على
الشاشة، ومنظر الخصوم وهم يتساقطون متألمين،
إلى ما هنالك من إعطاء اللاعب لذة في القتل.
وهنا مكمن الخوف: أن تتحول هذه اللذة الخيالية
إلى الرغبة باللذة الحقيقة! هـ. الألعاب القتالية
المصنعة من قبل الهواة وخطرها: هذا النوع من الألعاب هو
أخطرها على الإطلاق لعدة أسباب: إن الشركات
المصنِّعة للألعاب القتالية والاستراتيجية
تسعى جاهدة لأن تقدم، بنوع ما، موضوعًا جيدًا
للقصة؛ وهي غالبًا غالية الثمن (البرامج
الأصلية). أما بالنسبة لبرامج الهواة فهي
تعتمد على بعض البرامج السلسة للحاسب، ولا
تهتم كثيرًا بالقصة، بل تضع، بشكل أساسي
ومباشر، شرطيًا يلاحق لصًا، أو العكس. وهي
غالبًا تتوفر بأسعار رخيصة، فتكون في متناول
الجميع. لذلك تركز هذه الألعاب على إثارة
اللاعب قدر الإمكان ليلعب، وتعطيه ما أمكن من
مظاهر القوة. فإحدى الألعاب، مثلاً، عندما
تنتهي تسألك: "هل تريد العودة لعالمك الممل؟" فإن قلت "نعم"، تبدأ الدماء
تسيل من أعلى الشاشة إلى أسفلها حتى تصير
الشاشة حمراء، ثم تخرج من اللعبة! فأية قيم
نقدمها لأولادنا من خلال هذه الألعاب؟! و. مقترحات حول كيفية
الوقاية من هذه المشكلة: إن التأثر بهذا النوع من
الألعاب – والحق يقال – نسبي، وهو يختلف من
فرد لآخر؛ ولا يمكننا أن نعتبر أن ما يراه
أحدنا عنفًا يراه الجميع عنيفًا، والعكس
بالعكس. ونتيجة لذلك لا يمكننا وضع ضوابط
قانونية لمنع المشاهد العنيفة، وخاصة مع كثرة
البرامج والألعاب. وإنما الحل الأفضل برأي هو: -
التوعية
والتوجيه: ويكون على صعيد المستوردين لهذه
الألعاب، وعلى صعيد الأهالي والمجتمع المحيط.
إن عملية التوعية تهدف إلى إيجاد رادع داخلي
في الإنسان تجاه هذه الألعاب، وخلق وعي لديه
بعدم تسويقها. وهذا الأمر ضروري جدًا. -
تدريب
الأولاد على ثقافة الحوار والابتعاد عن
العنف، وعلى حلِّ النزاعات بالطرق السلمية،
علمًا أن هناك برامج وألعابًا تعتمد على هذه
الأساليب. كما أن إدخال هذه المفاهيم إلى
المناهج التربوية في المدارس ضرورة ملحة
للحدِّ من ظواهر العنف. وفي كل الأحوال فإن المنع من
مصدر ما لا ينفي إمكانية الحصول عليها من مصدر
آخر؛ إذ لم تعد هناك حدود للاتصال في العالم.
لذا علينا الاهتمام بشكل مكثف بالتوعية
وتنمية القيم اللاعنفية، كما يهتم غيرنا
بالترويج للعنف. ثالثًا: العنف في
الدعايات: أ. دعايات الكبار: إذا كان الكبار أقل تأثرًا
بهذه المشاهد من الأطفال فهي، مع ذلك، تشوِّه
وجهًا حضاريًا معينًا عند الإنسان. وكأمثلة،
لا حصراً، نورد: -
دعاية
لهاتف خلوي: شاب وفتاة يصرخان في وجه بعضهما
بعضاً، ويجيء التعليق: "متعة الاتصال"! -
دعاية
لزوجة تضرب زوجها بجرزة بقدونس، وتشده من
ثيابه، وتطلب منه أن يحضر لها معكرونة من
ماركة معينة. -
دعاية
لإنسان يُضرَب "بوكس" لأنه يطلب أقوى
نكهة "مسكة"! إن هذه الدعايات تسيء إلى
شفافية النفس إساءة غير مباشرة. ولو حاولنا أن
نضع قانونًا لها نجد هذا مستحيلاً؛ إذ ليس
فيها أي مشهد غير مهذب أو عنيف. وستكون
المسألة مثارًا للجدل لعدم وجود مقياس محدد
تقاس به الأمور. لذلك أكدنا على التوعية
والتوجيه. و يمكن للدعاية، على
بساطتها، تقديم قيم اجتماعية. إذ نجد أن بعض
المعلنين يأخذون منحى لفت النظر إلى بعض
العادات غير المحببة في مجتمعنا بطريقة سلسة
جدًا، فيتقبَّلها الإنسان بدون تفكير. وفي
هذه الحالة يقوم الإعلان فعلاً بدور إعلامي
إيجابي التوجيه، كمثال سلسلة دعايات Pampers
التي تنتقد الحوار بين الزوجين
بطريقة ذكية وبنَّاءة. فالإعلان قد ينتقل بنا من
مجتمع متحضر إلى مجتمع متخلف، أو من مجتمع
متخلف إلى مجتمع متقدم. والأمر عائد لنا نحن،
كمشاهدين وكإعلاميين وكمروِّجين لبضائعنا. ب. دعايات الصغار: هذه الدعايات تُبَثُّ في
أثناء برامج الأطفال؛ وهي عادة ما لا يشاهدها
الأهل أو لا يعرفونها. نأخذ كمثال عليها دعاية
لمصَّاصات أطفال يطلب فيه الطفل مصاصة من نوع
الدعاية، فيقدِّم له البائع نوعًا مختلفًا؛
يكتشف الطفل الذكي أن هذا ليس هو الطعم الذي
طلبه، فيتحول عندها إلى وحش ويبدأ بالصراخ؛
يعرض عليه البائع مصَّاصة أخرى فيهدأ، وعندما
يكتشف أنها ليست هي المطلوبة يتحول مجددًا
إلى وحش هو وكل الأطفال؛ ثم يعطيه البائع
نوعًا آخر، وهكذا دواليك حتى يحصل على النوع
المطلوب! نلحظ في هذا الموضع ما يلي: -
أشكال
الوحوش المخيفة التي يتحول إليها الأولاد
والتي تثير الاشمئزاز. -
الاستخفاف
بإنسانية الإنسان؛ إذ إن المصاصة هي التي
تجعله إنسانًا متحضرًا! -
اللهجة
غير المهذبة التي يتكلَّم بها طفل الحادية
عشرة مع البائع الذي هو بعمر والده. ونتيجة
ذلك المباشرة قد تكون أن يصير الطفل عنيفًا في
طلباته مع أهله حتى يحصل على ما يريد. نورد الآن، كمثال آخر
بنَّاء، شركة "كتاكيت" المصنِّعة
للبسكويت التي كانت دعايتها لشهر تموز–آب 2002
لوحات طرقية كبيرة تحوي صور المتفوقين في
الشهادة الثانوية مع تهنئة منها. هذا النوع من
الإعلانات هادف وبنَّاء، ينمِّي في الطفل
التوق إلى تحقيق أفضل، ومن ناحية أخرى، يرفع
من اسم الشركة عاليًا، ويحمِّس الأهل لأن
يشتروا من منتجاتها، لا أن ينفروا من الوحوش
المخيفة! ج. مدى تعلق الأولاد
بالدعاية وأثرها السلبي: إن الدعاية هي أكثر وسائل
الإعلان التي يتأثر بها الطفل، نظرًا لما
تستخدمه من صور متنوعة، بالإضافة إلى
الموسيقى المصاحبة التي تشد الأطفال بدءًا من
سن السنتين أو الثلاث. من هنا يأتي التأكيد
على الاهتمام بنوعية ما تقدمه هذه الدعايات
للأطفال من مواد. فمثال المصاصة لا أظن أن
أحدًا يرغب أن يراه طفله أو يتأثر به، ولكنه
في الحقيقة يراه. والأمر هنا كذلك نسبي؛ ويجب
توعية القيِّمين على وسائل الإعلام لتوجيه
هذه الدعايات لمصلحة الطفل. فمثلاً، بدلاً من
تحول الأطفال إلى وحوش، لا يحصل الطفل على
المصاصة إلا بعد غسل يديه. هذه الصورة توجِّه
الأطفال للعناية بأنفسهم وبالحفاظ على
نظافتهم. وهناك العديد من الأفكار الواجب
طرحها على لأطفال في السنين المبكرة كي نحصل،
قدر الإمكان، على جيل لا تشوِّهه مختلف
المفاهيم الغريبة عن مجتمعاتنا الأصيلة. رابعًا: العنف في
الرسوم المتحركة: لم يلتفت انتباه الناس في
البداية إلى مدى العنف الذي تعرضه الرسوم
المتحركة. ولكن بعد فترة من انتشار هذا الفن
نتوقف للحظات لنستعرض التالي: أ. اعتماد الرسوم
المتحركة اعتمادًا كبيرًا على المواضيع
القتالية: إن أول فلم قتالي للرسوم
المتحركة لاقى نجاحًا كبيرًا، وكان يعتمد على
الخيال العلمي، وشدَّ انتباه جميع
المشاهدين، هو مسلسل "غرندايزر". وعلى
الرغم من أن بعض الأطفال حاولوا تقليده
بالقفز من أماكن مرتفعة، إلا أنها كانت حالات
استثنائية ونادرة، وانتهت الظاهرة. بعد ذلك لم نعد نشاهد إلا
أفلامًا قتالية، وحروب فضاء، ومواضيع لا معنى
لها سوى القتال بين سكان الكواكب، ولم يعد
هناك من موضوع سواه! ونعود هنا لنركز على
موضوع الهواة والشركات الصغيرة، مع احترامنا
للجميع. فالذي يحدث أن هذه الشركات تسعى
للربح، وهذه الأفلام لها شعبية واسعة. لذلك
تعمد على تكثيف إنتاجها، دون العمل على
موضوعها؛ وللإتيان بالجديد تزيد المؤثرات
الصوتية، وتزيد حدة النيران المتصاعدة
واللهب وعدد الأشخاص الذين يموتون في كل حلقة
(حتى ولو كانوا أشرارًا – نعود لفكرتنا عن
التعود على القتل وعدم الإحساس بالآخر). ولكن مع غمرة هذه الأفلام
يجب ألا نهمل أن بعضها إيجابي. فمسلسل "ساسوكي"،
مثلاً، كان يحمل، في كل حلقة منه، قيمة
إنسانية معينة؛ كما أن أغنية الشارة كانت ذات
معنى وطني وإنساني رائع. أمام هذه الظاهرة نؤكد على
أنه لا ضابط سوى الوعي والتوجيه. ونريد هنا أن
نوضح نقطة هامة: في الرسوم المتحركة، شأنها
شأن ألعاب الكومبيوتر، تنوع الصورة والكلام
لا حدود له، وهي تُعرَض على شاشات التلفزيون؛
لذا فإن لها أوسع جمهور. وإضافة إلى ذلك فإن
الكثير من الكبار يشاهدونها أيضًا، نظرًا
لأنها تروِّح عنهم أعباء النهار بطرافتها،
ويفرح الصغار جدًا عندما يشاركهم الأهل لهوهم
– والرسوم المتحركة من عالمهم. لذلك من المهم
جدًا الانتباه إلى المواضيع وتوجيهها. كمثال على الرسوم المتحركة
الموجَّهة نعرض لفيلم ديزني "الملك الأسد"Lion King .
إن هذا الفيلم يعرض الصراع بين الخير والشر،
فيحفز الإنسان على النضال من أجل استرداد
حقوقه وعدم الاستسلام، ويشجعه على مواجهة
ماضيه بشجاعة، مهما كان هذا الماضي، وذلك من
أجل التقدم نحو المستقبل؛ كما أنه ليس بعيدًا
عن الواقع الإنساني الذي يعيشه كل فرد، ولا
نلمس فيه المواضيع العنيفة، كالقتل لمجرد
القتل. مثال آخر مسلسل علمي بشكل
رسوم متحركة هو "كان يا مكان" الذي كان له
حضور مميز جدًا، وكان يقدم المادة العلمية عن
جسم الإنسان تقديمًا سلسًا ومفيدًا، بحيث
ترسخ في ذهن الطفل. ب. تحويل الألعاب
الرياضية إلى ألعاب قتالية حربية: هذه الظاهرة، باعتقادي،
وسيلة لاستخدام غطاء الرياضة الجميل؛ ولكن
الموضوع يبقى كما هو، قتالاً واقتتالاً، له
مبرر حينًا، ولا مبرِّر له أحيانًا. كما أنها
تعتمد على مفردات لا علاقة لها بالرياضة مثل:
"الضربة الصاروخية"، "الضربة
اللولبية الملتهبة"، إلخ، البعيدة جدًا عن
الواقع الحقيقي للرياضة. أضف إلى ذلك إظهار
أبطالها على هيئة "سوبرمان" لا يقاوَم،
وهي المواصفات التي لا يمكن أن توجد في أي فرد
بشري؛ لذا فإنها، بنوع ما، تحطم معنويات
المشاهد؛ إذ إنه يحلم بأن يصير كالبطل. ولكن
هذا مستحيل. خامسًا: القيم التي
يتلقاها الأطفال من خلال الوسائل الإعلامية: رسوم متحركة، ألعاب
كومبيوتر، دعايات... من خلال عرضنا السابق نجد أن
الإعلام يسهم إسهاماً كبيرًا ومباشرًا في
تكوين شخصية الطفل. لذا وجب أن نهتم بما نقدمه
له، على كافة الأصعدة الفكرية النفسية
الاجتماعية والثقافية. نأخذ كمثال صورة إحدى
شخصيات ألعاب الكومبيوتر، وهي Tumb
Riddre، وهي لعبة معروفة
جدًا ومتداولة تداولاً كبيرًا بين الأولاد
والكبار، تظهر فيها شخصية فتاة مقاتلة
ومقدامة جدًا؛ ولكن الشخصية الأنثوية
مصوَّرة بطريقة لا علاقة لها بالأنوثة
واحترام المرأة في مجتمعاتنا الأصيلة. فما
هذه الشخصية التي نرغب لفتياتنا أن يتشبهن
بها، ولا نرغب أن يعجب بها أولادنا؟! كما أن
الفوز في هذه اللعبة يقدَّم لنا في صورة لهذه
المقاتلة لا نرغب أن يراها أطفالنا أو شبابنا
من الناحية العقلية الأدبية. ليس كل ما هو متوفر جيد.
وواجبنا نحن، كل منَّا من موقع عمله وفي واقعه
ومحيطه، أن يسعى لأن يقدم لأطفالنا الثقافة
الضرورية لتنمية مواهبه وقدراته. فوسائل
الإعلام سلاح ذو حدين: فقد تقوم بدور فعال في
توجيه الأطفال وتنشئتهم، أو تكون عكس ذلك
تمامًا من خلال المضامين والمواضيع التي
تعالجها. ونؤكد هنا على المادتين 17 و29
من حقوق الطفل: تشجَّع وسائط
الإعلام على نشر المعلومات والمواد ذات
المنفعة الاجتماعية والثقافية للطفل، وفقًا
لروح المادة 29: -
توافق الدول الأطراف
على أن يكون تعليم الطفل موجهًا نحو تنمية
شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية
والبدنية إلى أقصى إمكاناتها. -
تنمية احترام حقوق
الإنسان والحريات والمبادئ المكرَّسة في
ميثاق الأمم المتحدة. -
تنمية احترام ذوي
الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة
والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل
والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات
المختلفة عن حضارته. -
إعداد الطفل لحياة
تستشعر المسؤولية في مجتمع حرٍّ بروح من
التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين
الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات
الإثنية والوطنية والدينية والأشخاص الذين
ينتمون إلى السكان الأصليين. -
تنمية
احترام البيئة الطبيعية. دور المؤسَّسات
الدينية في موضوع العنف ضد الأطفال: دعت كافة الأديان إلى
المحبة والتسامح ومساندة البشر بعضهم بعضًا.
ولكن على الرغم من ذلك نجد أن العنف يتفشى
يومًا بعد يوم المجتمع. والمؤسَّسات الدينية،
في هذا الصدد، لا تزال توجِّه العالم نحو
الخير والمحبة والسلام، وهي القيم التي لو
تبعها الجميع حقيقة لما وصلنا إلى حالة العنف
في المجتمع. وتعتبر هذه المؤسسات أن العنف
الذي يحصل هو حالات فردية نادرة، وتخصص لها
كادرًا لا يستهان به. ولكن الواقع المؤسف الذي
وصلنا إليه لم يعد بعد الآن حالات فردية
يعالَج كلٌّ منها على حدة؛ إذ نحن أمام مجتمع
يعاني من ضغوط شتى، تنعكس كلها سلبًا على
الأولاد في عنف جسدي أو كلامي أو جنسي. بتنا
نرى العنف في كل مكان: في المدرسة، في البيت
أحيانًا، في الشارع، في ألعاب الأطفال، إلخ.
فهو لم يعد حالة فردية مطلقًا، ولم يعد
بالإمكان حلُّه بالوقاية وحدها. صحيح أن
الوقاية هي خير علاج، ولكن هذا الكلام سليم في
حال درء الإصابة بالمرض، ولكن ليس بعد
الإصابة به. أما وقد استشرى المرض فإننا نحتاج
إلى علاج خاص وإلى دواء؛ وبعد الشفاء نعود
لموضوع الوقاية. الوقاية وكيفيَّتها
وأهميتها: 1. لم تعد الوقاية ممكنة
بالدعوة إلى المحبة والقيم الدينية فقط؛
وإنما يجب أن تقدَّم برامج موجَّهة لتعليم
الأفراد، كبارًا وصغارًا، القيمَ الإنسانية
مجددًا، كمبادئ الحوار، والتدرب على الإصغاء
للآخر وقبوله كمختلف (لقد خلقنا الله
مختلفين؛ فلِمَ نريد أن نصير نسخة واحدة
بعضنا عن بعض؟!). هنا نود أن ننوه إلى مدى
أهمية المؤسَّسات الدينية في مجتمعنا العربي.
فالمجتمع العربي، كما نعلم، مهد للأديان
السماوية، ويحظى فيه رجال الدين، من شيوخ
ورجال كنيسة، باحترام كبير، حيث يُستمَع إلى
خطبهم وعظاتهم كما تتشرب الأرضُ العطشى الماء.
لذا فإن لهم دورًا كبيرًا في نشر ثقافة
اللاعنف إن هم تبنوها وتبنوا برامجها. فعلينا
جميعًا أن نعمل متكافلين من أجل الوصول إلى
مجتمع أكثر تقدمًا وتحضرًا وروحانية. 2. كما يجب أن نعمل يدًا بيد
أيضًا مع رجال القانون من أجل إيجاد الصيغ
القانونية المناسبة لحماية الأطفال من العنف
الواقع عليهم، أو درئه عنهم، وكذلك من أجل
حماية الكبار. فعلى الرغم من أن هذا ليس
موضوعنا، لكننا لا نستطيع أن ننكر أنه في حال
كان المجتمع يقع تحت تأثير العنف لا يمكنه أن
يقدم للأطفال بيئة لاعنفية. 3. تكون الوقاية أيضًا
بتشجيع المؤسَّسات الدينية على فتح الحوار في
هذا الموضوع وعدم التكتم عليه. فنحن غالبًا ما
تكون مشاركتنا كمدنيين؛ ولكن نادرًا ما نرى
المؤسَّسات الدينية تساهم في حوارات مفتوحة
على أجهزة الإعلام، فتسلِّط الضوء على هذه
الأمور. وهذا أمر خاطئ بنظري، لأن التكتم لن
يفيد سوى زيادة الأمور سوءًا وتعقيدًا، بحيث
تتفاقم في الظل، دون أن نتمكن من القضاء عليها. عرض تجربة عن تعامل
مؤسَّسة دينية مع الأحداث: على الرغم من وجود عدد من
المؤسَّسات الحكومية التي تهتم بالقاصرين،
تابعة لوزارات العدل والشؤون الاجتماعية
والعمل والداخلية (وهي ليست سجونًا وإنما
معاهد إصلاح للأحداث الجانحين)، إلا أنه توجد
في الوقت ذاته مؤسَّسات غير حكومية تساعد في
هذا المجال، ومنها مؤسَّسات دينية. وأريد أن
أعرض في هذا الورقة لتجربة رائدة من وجهة نظري
في معالجة حالات العنف، مثل معالجة الجانحات
وضحايا العنف الجسدي والجنسي. فمثلاً، فيما يتعلق بضحايا
العنف، لا توجد مؤسَّسة أخرى غير حكومية تهتم
بفتيات ضحايا العنف الجنسي والجسدي غيرها في
دمشق (قد تكون أعمار الفتيات أصغر من السن
القانوني)، حيث يوجد فيها ملجأ تلجأ إليه
الفتيات هربًا من العنف الواقع عليهن،
وتقدِّم لهن القيِّمات المساندة الطبية
والنفسية والاجتماعية، والمساهمة في حلِّ
المشكلة إن أمكن، وإعادة تأهيلهن بتعليمهن
مهنًا حسب الرغبة، أو متابعة تحصيلهن العلمي
من أجل كسب العيش والتمكين الاقتصادي
والاجتماعي. إلا أن هذا المكان والقائمات
عليه لا يحاولن التعامل مع المجتمع بشكل
علني، ولا يمكن التعرف إلى مشاكل الضحايا أو
الاجتماع بهن، حتى من جانب المهتمين
والباحثين حفاظًا على مشاعر المقيمات في
الدار، علمًا أن الدار تقدم لهن المأوى
والطعام والكساء والدواء وكل ما يحتجن إليه
للعيش أو لإعادة دمجهن في المجتمع؛ وهن يبذلن
جهودهن بحسب الإمكانات المتاحة لهن، وبقدر ما
يستطعن من عمل. كما تقوم هذه المؤسَّسة
الدينية، إضافة إلى الدار التي تحتضن
الجانحات، بالتعاون مع السلطات المختصة،
بالعمل في السجون مع النساء وأطفالهن، حيث
تجري محاولة تعليمهن مهنًا يستطعن من خلالها
تمكين أنفسهن لكي يقدرن عند خروجهن إعالة
أنفسهن. كما أنها تهتم بالأطفال الموجودين مع
النساء – وهذه نقطة مهمة جدًا؛ إذ هل نتخيل
الجو المحيط بطفل يتربى مع أمه في السجن، وأية
بيئة سليمة ينشأ فيها طفل بريء خلف قضبان
السجن؟! (الملفت للنظر أنه أحيانًا يكون مستوى
الرعاية في السجن أعلى من الرعاية التي
تستطيع أن تقدمها الأم خارج السجن!) كما تتعامل هذه المؤسَّسة
أيضًا، بالتعاون مع المؤسَّسات الحكومية، مع
معاهد إصلاح الأحداث، من خلال تقديم خدمات
اجتماعية ونفسية للبنات والبنين، بتشجيعهم
على التعلُّم والتعاون معهم لتصحيح مسارهم
الذي بسببه تم إدخالهم إلى هذا المعهد (قد
يكون سرقة أو حالات عنف يدَّعي فيها الآباء
على بنيهم لكي يتخلصوا منهم حتى يصبحوا في
الثامنة عشرة). دور علم النفس وعلم
الاجتماع: على الرغم من أهمية علم
النفس والاجتماع في الوقاية من العنف ومعالجة
حالات العنف، لا تزال النظرة إلى الطبيب
النفسي على أنه طبيب للأمراض العقلية سائدةً،
على الرغم من الفرق الشاسع والواضح بينهما.
ويعود هذا الموضوع، مرة أخرى، للإعلام الذي
لا يفتح كثيرًا حوارات علمية في مواضيع العنف
والأطفال وتأثير البيئة المحيطة على الأطفال
والكبار أيضًا. ولكن، من ناحية أخرى، نجد أن
العديد من المؤسَّسات الدينية تتعاون مع
الأطباء النفسيين لكي تعالج حالات العنف،
ولكن طبعًا بشكل سري، اعتقادًا منها أنها
حالات خاصة نادرة. وتتزايد أعداد الكوادر
التي تتطوع للعمل في هذا المجال مع
المؤسَّسات الأهلية الدينية، ولكن دون أي
تصريح. فحبذا لو تتعاون المؤسَّسات
الدينية مع هؤلاء الأطباء لوضع برامج تلائم
مجتمعاتنا الشرقية، تعمل على تثقيف الأهل
لحماية أطفالهم من العنف: برامج توعية
للأطفال، برامج تخلق ثقافة اللاعنف. تبقى ظاهرة العنف النفسي
والجسدي ضد الفتيان والفتيات ظاهرة طيَّ
الكتمان: يتم التكتم عليها لأنها تُعتبَر
شأنًا خاصًا في مجتمعنا، ولا يمكن الحديث
عنها علنًا. ولكن لا بدَّ من نقلها من الشأن
الخاص إلى العام حتى تتم معالجتها ودرء
أخطارها وأخطار وقوعها. خاتمة
ختامًا نقول إن أمامنا
الكثير من العمل لكي نتمكن من خلق ثقافة
لاعنفية بعد أن تم ترسيخ ثقافة عنفية. لكن
الأمر يستحق بذل الجهد في سبيله! فلا يمكننا
أن نقف مكتوفي الأيدي ونرى العالم يغرق
رويدًا رويدًا في بؤرة عنف لا عودة منها. كما
أن خلق بيئة صحية للأطفال يتطلب الكثير من
الجهد والوقت. ولا يمكننا أن ندَّعي بأن هذا
لا يحدث لأولادنا، وأننا نهتم فقط بأولادنا
السليمين؛ إذ يجب علينا أن ننتبه إلى أنه في
كل مرة يوجد فيها طفل معنَّف، يعاني من صحة
نفسية غير سليمة، فإن هذا الطفل يكبر ويؤذي
طفلنا الذي عاش في بيئة سليمة ويتمتع بكامل
الصحة النفسية. فبنية المجتمع واحدة – وليس
فقط مجتمعنا بل العالم بأسره، لأنه رويدًا
رويدًا، مع التقدم التكنولوجي، لن تعود هناك
حدود، وأي خلل في أي جزء من العالم سوف ينعكس
على العالم قاطبة. فأين المفر؟! ***
*** ***
|
|
|