|
صوت
صارخ في البرِّية
فؤاد
رفقة
أيُّها
الكتبة
والفريسيون المراؤون! كم مرة قرأنا تصاريحكم،
فامتلأنا عزَّة وكرامة. أما اليوم فلم نعد في
حاجة إليها لأننا نعرف مسبقًا أنكم تكذبون. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة قطعنا
المسافات لسماعكم تخطبون فسُحِرْنا بهندامكم، بوقفتكم على
المنبر، بنبرتكم العنفوانية، بلغتكم المشدودة. أما
اليوم، فلم
نعد في حاجة إلى هذه المناسبات، لأننا نعرف
سلفًا أنكم تُضمِرون عكس ما تعلنون. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة في الضيق
عقدتم المؤتمرات، رفعتم التقارير، جبلتم
اللجان، ففرحت قلوبنا، تفجرت ثقة وإيمانًا
بقدرتكم على الفعل. أما اليوم، فلم نعد في
حاجة إلى هذه المؤتمرات، لأننا نعرف مسبقًا
أنها مسرحيات وأضاليل. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرَّة حكيتم
عن البطولات في المقاهي، في القصور وأفخم
الفنادق، وفي أكثر المنتجعات أمانًا. أما
اليوم، فلم نعد في حاجة إلى هذه البطولات،
لأننا نعرف مسبقًا أنها دونكيشوتية. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرَّة
سمعناكم بالتضحية تبشِّرون، وعن الوطن
وزيتونه تنظمون المعلَّقات. أما اليوم، فلم
نعد في حاجة إلى هذه المواعظ وهذه المعلَّقات، لأننا سلفًا نعرف أنكم من
الآخرين تطلبون التضحية، وليس من أنفسكم. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة سمعناكم
تقولون إن بلاد الخليج–المحيط وطن واحد وشعب
واحد وجسد واحد، وما يصيب الجزء يصيب الكل.
أما اليوم، فلم نعد في حاجة إلى هذه الأقوال،
لأن أجزاء كثيرة تتوجع، تتمزق، تتناثر، والكل
رماد في رماد. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة بكيتم
لضياع الأرض، لضياع الكروم والأنهار، لضياع
السهول والحصيد والبيادر، لضياع البيوت. أما
اليوم، فلم نعد في حاجة إلى الدموع، لأننا
سلفًا نعرف أنكم تبيعون الأرض وما عليها ولها
بأقل من ثلاثين من الفضة. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة وقفتم
بين الجماهير ورحتم على أهدابها ترسمون
أجيالاً مقبلة بالشموس. أما اليوم، فلم نعد في
حاجة إلى هذه الرسوم، لأننا مسبقًا نعرف أنكم
جذور يابسة. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! إن الأمة الحية
تستبق التاريخ، تتحكَّم في أحداثه، تصنع هذه
الأحداث. أما أنتم فتفيقون متأخرين جيلاً
وأجيالاً وقرونًا. إنكم تطالبون في الحاضر
بما رفضتموه في الأمس، وفي المستقبل تطالبون
بما ترفضون اليوم. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! كم مرة تحدثتم
عن الحرية، قلتم إنها الإنسان، إنها جمرة
التاريخ الكبير، إنها الطريق والأفق. كم مرة
رفعتم مشعلها في المجلات والصحف، بينما
قلوبكم المقاصل وسواعدكم المطارق والجنازير. أيُّها
الكتبة والفريسيون المراؤون! من زمان قال
عنكم السيد، إنكم كالقبور المكلَّسة، ظاهرها
يبرق، بينما في داخلها الأفاعي والعظام. بلى،
أيُّها الكتبة والفريسيون المراؤون! نحن في
حاجة إلى شيء. نحن في حاجة إلى صمتكم، نحن في
حاجة إلى انقراضكم. فأنتم الشجر اليابس؛
والشجر اليابس يقطعه الحطَّاب، وفي النار
يُلقيه، يُلقيه إلى الأبد. ***
*** ***
|
|
|