|
حول
الشاعر الإيراني الغائب قصائد
الكفاح ضد الظلم
والظلام
وعبث الموت
يُعَدُّ
أحمد شملو أكبر ممثَّلي مدرسة الشعر الفارسي
الحر، كما يُعَدُّ ابن مرحلة تمتَّعت بقدر من
الحرية؛ إذ كان لا يزال في مستهلِّ صباه في
مرحلة الديمقراطية التي لم تستمر طويلاً،
وفتح عينيه على ترجمة إيلوار ولوركا
ومايكوفسكي، وعلى فاعليات حزب "تودة"
وعلى شعار "الفن للمجتمع"، وكان لذلك
كلِّه تأثير في شعره. بدأ شملو بداية
تقليدية في ديوانه الأول الألحان الضائعة
يوم كان واقعاً تحت تأثير الشعراء
الرومانسيين وتأثير نيما يوشيج. ويُعَدُّ
ديوان الجو الجديد البداية الحقيقية
لأحمد شملو في مدرسة الشعر الحر؛ إذ نقل في
هذا الديوان الشعرَ الحرَّ نقلة جديدة، وآمَنَ بأن الشاعر صاحب رسالة اجتماعية. يقول
في قصيدة "الشعر هو الحياة": لم
تكن الحياةُ موضوعَ الشعر لدى الشاعر القديم ولم
يكن يتحدث في سماء خياله القاحلة إلا
عن الشراب والمحبوب كان،
ليل نهار، يعيش في أوهامه مقيداً
بشراك جدائل المحبوبة ...
موضوعُ الشعر اليوم موضوعٌ آخر الشعرُ
اليوم سلاحٌ للشعب لأن
الشعراء عناقيد في كرمة الشعب ليسوا
ياسمين حديقة فلان من الناس أو
سنابل حقله. هكذا فهم شملو
رسالة الشعر والشاعر، وعبَّر عنها بتلك
التقريرية. لكن الشاعر لم ينعم طويلاً
بالإجازة الديمقراطية. فسرعان ما تحوَّل حكم
رضا شاه إلى الديكتاتورية؛ وكان لذلك تأثير
مباشر في شعره. ولم يلجأ شملو
إلى الرمز كما فعل معاصروه لأن مفهوم الشعر
مختلف لديه؛ لذا نلمس في شعره تعبيراً مكتوباً، كأنه يتحدث عن
كلِّ شيء ولا يتحدث عن
شيء. يتحدث عن الحب والمجتمع ورسالة الشعر
وصور الطبيعة وحيوات الناس في المدينة، إلا
أنه لا يطرق الموضوع الذي يبغي التحدث عنه
فعلياً. وأصدق ما في قصائد شملو الفواصل
ولحظات الصوت. يعبِّر في قصيدته "على أديم
التراب" عن حسرته على وفاة أصدقائه
واختفائهم. يقول: أصدقائي
الذين لم أعرفهم احترقوا كالنجوم
منذ
زمن طويل، ودُفِنوا في التراب البارد كأنما
ستبقى الأرض دائماً ليلاً لا نجم فيه. ويكثر الحديث في
قصائد شملو عن الأزقَّة والدهاليز وممرَّات
السجون والمسجونين والليالي السوداء والكفاح
ضد الظلمة والأزمنة التي لن تأتي وعبث الموت
وابتذاله: لم
أفزع قطُّ من الموت، وإن صار الحديث عنه
أكثر
ابتذالاً منه، وأشد إثارة للغثيان. خوفي
كلُّه من الموت في أرض أجرُ
حفار القبور فيها أغلى من حرية الإنسان. كان أحمد شملو
يرى أن الوزن الحقيقي للشعر يتأتَّى من طريق
استخدام العبارات ذات الجَّرْس الخاص، لا من
طريق التفعيلات. تأثَّر بشعر عزرا باوند،
وبالنثر الفارسي المُرسَل في القرنين الرابع
والخامس الهجريين، وبالترجمات الفارسية
للعهد القديم؛ كما يمكن أن يلاحظ القارئ
التأثير المباشر لقصائد لوركا ونيرودا. يقول: القادة
العظام – رقصوا على المشانق مرآةُ
الشمس الصغيرة – في البحيرة المالحة –
تحطَّمتْ. أو: من
كلِّ دمٍ ينبت غصنٌ أخضرُ ومن
كلِّ ألمٍ ابتسامة
لماذا؟
لأن كلَّ شهيد شجرة. أو يصوِّر الكبت
في صور عامة: عصرُ
العمارات الضخمة الشاهقة عصرُ
قطعان الجوع العظيم
وأشدُّ
أنواع الصمت بعثاً للرهبة حين
تمضي الجماجم الإنسانية إلى أفواه الأفران. أو: ذات
مرة كانوا يشنقون رجلاً في مكان بعيد ولا
أحد كان يجرؤ على رفع رأسه
جلسنا
وبكينا ثم
خرجنا من أجسادنا صارخين. دلال
عباس صبَّاح
*** مختارات
اللَّعنة
لا مصباح، في الليل
كلِّه
لا صرخة، في
المدينة كلِّها ... أيها السادة،
الذين تثيرون الخوف وتقطعون الليل
وتحبون الظلام ما لم أعلِّق
مصباح الشيطان في رواق كلِّ
زنزانة خفيَّة في هذا الفردوس
الظالم وما لم ألعنكم
مستعيناً بضياء مئات الألوف من
الشموس الخالدة في هذي الليالي
الأزلية المظلمة المُطَلْسَمَة لا تفتحوا
جنَّتكم النتنة التي يغمرها الظلام في وجهي. طوال الليل، لا
يوجد مصباح طوال النهار، لا
تُسمَع صرخة ... قلبي وحيد كليلةٍ
لا نجوم فيها ولساني منعقد في
فمي كبرياء كي لا يُعرَف
سببُ احتراقي فطريقي واضح
لكنَّ قدمي كليلة أشبه بطلاً
مقعداً يتغنَّى بأنشودة نصرٍ وبجسده المهدَّم وحيداً ... أيها السادة
الفرحين بالظلم لنكن دوماً
محرومين من جنَّتكم النتنة ولتبقوا حتى
أعلِّق مصباح الشيطان في رواق كلِّ
زنزانة من هذا الفردوس الظالم ولتبقوا حتى ألعن
لياليكم المُطَلْسَمَة الظالمة بضياء مئات
الألوف من الشموس الخالدة. * سلاماً
من أجل الحياة،
يَلزَمُ قلبان: قلبٌ يُحِبُّ وقلبٌ
يُحَبُّ
قلبٌ يهب، وقلبٌ
يقتبل العطاء قلبٌ يتحدث،
وقلبٌ يجيب قلبٌ لي، وقلبٌ
لمن أهوى لأشعر بأن إنساناً في جواري. ... بحارُ عينيكِ
آخذةٌ بالجفاف وأنا أريد عيناً
فيَّاضة ثدياكِ نجمتان
صغيرتان وما وراء النجمة
أريد إنساناً إنساناً يختارني إنساناً أختاره إنساناً ينظر إلى
يديَّ وإنساناً أنظر
إلى يديه كي ننظر معاً إلى
أيدي البشر إنساناً إلى
جواري، مرآة في جواري أضحك أمامه أبكي أمامه ... لم تنقذني الآلهة وعلاقتُك
الواهية لم تنقذني لا علاقتك
الواهية ولا عيناك ولا
ثدياك ولا يداك لم يكن قلبُك
مرآة إلى جواري لم يكن قلبُك
إنساناً إلى جواري. * سمكة
إنني أفكر
مطلقاً لم يكن قلبي هكذا دافئاً
أحمرَ وأحسُّ في أسوأ دقائق
هذا الليل الذي يلد الموت أن ثمة ألوفاً من
عيون الشمس في قلبي تفور بالإيمان أحسُّ أنه في كل ركن
وزاوية من براري اليأس هذه ألوف عدة من
الغابات النضرة فجأةً تنمو من الأرض. آه أيها الإيمان
الضائع، أيتها السمكة الهاربة تتلوَّى على
نفسها داخل أحواض المرايا وأنا البركة
الصافية مسحور بالعشق الآن، اتخذْ طريقَك
إليَّ من أحواض المرايا إنني أفكر مطلقاً لم تكن
يدي سعيدة وكبيرة
هكذا وأحسُّ أن في عيني في نافورة الدمع
الدموي تتغنَّى شمسٌ لا
تغرب وأحسُّ أن في كلِّ عرق
مني في كلِّ خفقة قلب الآن يقرع حادي قافلةٍ
أجراسه ... أتاني ذات ليلة
عارياً كروح الماء في صدره سمكتان،
وفي يده مرآة جدائلُه
المبلَّلة كانت طحالب، كالطحالب
متداخلة ... وصرختُ من أعتاب
اليأس "آه" أيها
الإيمان العائد، لن أفرِّط فيك
ثانية. ***
*** *** ترجمة:
د. ع. ص.
تنضيد:
نبيل سلامة
|
|
|