|
نظرات في
التغذِّي النباتي
النباتية والروحانية
ديمتري
أفييرينوس
ألا
فلينعتق كل ذي حياة من الألم. صلاة
هندوسية مقدمة:
وجهة نظر الحكمة القديمة
تعلِّمنا الحكمة القديمة –
صوفيا أو ثيوصوفيا Theosophia
– أن الحياة في الكون واحدة في الجوهر، وأن تجلِّياتها
متصلة بعضها ببعض ومتواكلة بعضها على بعض.
فقبل ظهور الاهتمام الحالي بما بات يُعرَف في
الغرب بالكلانية[1] Holism
والإيكولوجيا العميقة[2]
Deep
Ecology ونظرية المنظومات[3]
Systems
Theory، أعلنت مصادر الحكمة، منذ قديم
الزمان، وجود شبكة
لانهائية من العلاقات تربط بين كل الموجودات
وتشدُّ بعضها إلى بعض كافةَ تجلِّيات الحياة
التي ما هي، من منظور كلِّي، إلا انعكاسات
متنوعة للوحدة الأصلية الأولى، تفيض عنها أو
تصدر في بدء تجلِّي الكون وتشكُّله لتعود
إليها بانتهاء دور التجلِّي.[4] تأسيساً على
ما تقدَّم، تشدِّد الثيوصوفيا، كنتيجة لازمة
عن أول مبادئها، على الأخوِّة
الإنسانية الشاملة،
لا بوصفها مثالاً بعيد المنال يُجاهَد في
سبيل بلوغه، بل كواقع أصيل في الطبيعة ككل،
يقوم على وحدة الحياة بكل تجلِّياتها؛ وبذلك
توسِّع الحكمة القديمة مفهوم الأخوَّة ليشمل
الحياة بكل أشكالها وصورها الممكنة، بدءاً
مما يُصطلَح على تسميته بعالم الجماد، مروراً
بالممالك النباتية والحيوانية والبشرية،
وانتهاءً بالممالك الفائقة التطور التي لا
تقع دراستُها في متناول أدوات التجربة
العلمية – في الوقت الحاضر على الأقل. من هذا المنظور "الكلاني"
holistic
لا تعود الأرض، بكل ثرواتها وهباتها، ملكية
يحتكرها الإنسان، بكل صلفه وغطرسته، يتمحور
وجودُها حول منفعته ورخائه، بل تكون مجلى من
مجالي الحياة الشاملة، يقع على عاتق الإنسان
واجبُ التناغم معه والانسجام مع نواميسه،
فلا يستثمره إلا بالكثير من المحبة والوعي
والحذر. أما المبدأ الثاني
للثيوصوفيا فيتعلق بقانون التطور Evolution
– وليس المقصود بالتطور في هذا
المقام التصور الداروِني للمفهوم الذي
تبنَّى التعليل الآلتي mechanistic
المادي وحده، المبني على الاعتقاد بأن التطور
الشكلاني هو الذي يفضي إلى ظهور الوعي، بل المفهوم
الكلِّي للتطور الذي لا ينفي التصور السابق
أو يعطِّله بقدر ما يعمِّقه ويوسِّعه،
ويتلخَّص في مقولة أن التطور المادي
الشكلاني الخارجي نتاج لتفتُّح الوعي
الداخلي الجَوَّاني، أو لنقل "باطن
الأشياء" le dedans des choses،
على حد تعبير تيَّار دُه شردان.[5] ينشأ "إجلال الحياة" Reverence
for Life، كما يعبِّر ألبرت
شفايتسر، نشأة طبيعية عن تبنٍّ عميق لرؤية
تطورية شمولية، يعي المرء من خلالها صلة
الرحم التي تشدُّه إلى كل ما هو حي. على هذا
الأساس، نمثِّل – نحن البشر – غصناً متميزاً
من أغصان المملكة الحيوانية (يتفرَّع عن
الثدييات الرئيسات Primates)
مادام تفتُّحنا الجسماني، المادي، هو وحده
المقصود. أما الوعي، فهو صفة
ملازمة للحياة تنسحب على الكون بأسره وتشكِّل
الخاصية الجوهرية التي تشترك فيها الأنواع
قاطبة. هذا الوعي، متى بلغ التطور المرحلة
الإنسانية، يتميَّز بالقدرة على اكتناه
ذاته، أي بالقدرة على المعرفة، وعلى معرفة
هذه المعرفة؛ وهو، إذ يعي ذاته وعياً كلياً، يدرك أن جوهره وجوهر كل موجود واحد.
وهذا الوعي الإنساني المتفتِّق عن ممكناته
الكامنة يفصح عن نفسه، في العلاقة مع ممالك
الطبيعة الأخرى ومع الكون إجمالاً، شعوراً
بالرحمة الشاملة وبضرورة كفِّ الأذى عن كل ذي
حياة. لما كان الحيوان يحرص على
المحافظة على حياته وعلى صونها، ويتجنَّب
الألم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، يكون السؤال
الذي طرحه "الفيلسوف" جِرماي بِنْتَم
"إنه لا يستطيع أن يفكر ولا يستطيع أن ينطق،
فهل يمكنه أن يتألم؟" سؤالاً عارياً عن
المعنى، يشي بذلك الصلف البشري الناجم عن
تبوأ المنطق الخطابي discursive reason
المنزلةَ الأرفع بين الملكات العقلية. تشدِّد أديان عديدة، وبخاصة
المشرقي منها، كالبرهمنية والبوذية
والجَيْنية، على التغذِّي بالنبات إلى حدِّ
اعتباره شبه عقيدة، تُلزِم معتنقيها على
العمل بها بوصفها أبسط التطبيقات العملية
المباشرة لمفهوم أهمسا ahimsa
– وهي كلمة سنسكريتية
تُترجم حرفياً بـ"كفِّ الأذى" أو "الامتناع
عن القتل"،[6]
لكنها، في التطبيق العملي، تعني أكثر من ذلك
بكثير. فلقد أشار المفكر الثيوصوفي المعاصر
جفري هُدْسُن إلى مفهوم أهمسا بوصفه "ليس
مجرد الامتناع السلبي عن الأذية، بل هو
المحبة الكونية الإيجابية". من المعلوم أن عدداً من
المذاهب والرهبنات، في إطار غالبية الأديان
العالمية، توصي أتباعها بتبني نظام غذائي خال
من اللحم[7]؛
كما نقع على فترات من الامتناع عن أكل اللحم
في أديان مختلفة (كالصوم الكبير في المسيحية).
وفي حين يشكِّل التغذي بالنبات جزءاً لا
يتجزأ من الوصايا الدينية الأساسية في عدد من
الأديان، كما رأينا، فبالوسع استنتاجُه،
ببساطة، من الوصية السادسة من الوصايا العشر
في العهد القديم – "لا تقتل" –
باعتبار مجال العمل بها يشمل الحيوان أيضاً،
أو من الإصحاح الأول من سفر التكوين،[8]
أو حتى من القاعدة الذهبية اللامذهبية التي
تقضي أن يعامِل المرء غيره [من الحيوان] كما
يريد من غيره أن يعامله. وقد يُلجأ إليه كوسيلة
للتطهُّر، أو حتى كقاعدة من قواعد الطريقة
الروحية. وبالإضافة إلى ما تقدَّم، يرى بعضهم
أن أهمية الفوائد الصحية الناتجة عن سلوك
حياتي يتبنى نظاماً غذائياً نباتياً لا تقل
عن أهمية كل ما قلنا في شيء. ماذا
يقول الطب؟
لقد باتت بحوزة الطب جملةٌ
من المعطيات العلمية التي تزكِّي اتِّباع
نظام غذائي نباتي اختير بعناية، من حيث إنه قد
ثبت (إحصائياً على الأقل) أن النباتيين أقل
عرضة من سواهم للإصابة بالأمراض الإنتانية
بعامة، وتندُر لديهم الإصابة بالتصلب
الشرياني العصيدي، وبارتفاع الضغط الشرياني،
وبعدد من أمراض القلب والأوعية، وببعض أنواع
السرطان[9]
– هذا علاوة على أعمارهم المديدة على وجه
العموم. ولقد أوصت "اللجنة الفرعية للتغذية
وللحاجات البشرية"[10]
المنتدَبة من قبل مجلس الشيوخ، في تقرير لها،
الشعبَ الأمريكي بالتخفيض من تناول الشحوم
الحيوانية المنشأ وذلك بالإقلال من استهلاك
اللحوم. والواقع أن لهذه التوصية ما يبرِّرها.
فقد أكدت النتائج التي توصَّل إليها فريق من
الباحثين الأمريكيين، بعد اختبار أُجرِيَ في
كلية هرفرد الطبية Harvard
Medical School، أنَّ تناوُل
أحد النباتيين نصف رطل من اللحم البقري يومياً يرفع لديه نسبة
الكولسترول، ويسرِّع
نبضه القلبي، ويزيد خطر إصابته بأمراض القلب. لقد تناول النباتيون
المتطوعون للاختبار (21 شخصاً) في وجبتهم
اليومية، بدلاً من حِميتهم المعتادة المؤلفة
من البرغل والخضار والفاكهة والبقول، كمية من
اللحم البقري تعادل حرورياً حميتهم الأصلية،
مع إضافة 5% من الشحوم أكثر ومضاعفة نسبة
الكولسترول فيها خمس مرات. بذلك كانت هذه
الوجبة قريبة مما يتناوله معظم الأمريكيين
يومياً، مع كونها أقل غنى بالشحوم من اللحم
البقري الذي يستهلكونه بكثير، كما يؤكد د.
فرانك ساكْس؛ ومع ذلك فقد ظلت هذه الوجبة
كافية لرفع نسبة خطر الإصابة بأمراض قلبية
وخيمة، لدى 19 نباتياً خاضعاً للتجربة، بمقدار
40%، كما يصرح د. وليم كاستِلي. ويتابع التقرير
مؤكداً أن النباتيين استعادوا نسبة
الكولسترول الطبيعية لديهم بعد مدة تراوحت
بين عشرة أيام وأسبوعين من عودتهم إلى
أنظمتهم الغذائية الخالية من اللحم. هكذا تدعم نتائج هذا
الاختبار، كما يؤكد كاستلي، الرأي القائل بأن
النظام الغذائي النباتي يؤثر في معدِّل
كولسترول الدم بما يكفي للسيطرة على التصلب
الشرياني العصيدي وعدد من أمراض القلب.[11] ملاحظات
تشريحية
إنه لمما يؤسف له حقاً أن
الإنسان المعاصر بات يعيش حياة بعيدة كل
البعد عن الطبيعة، فحَرَفَ إحساسه الطبيعي
بحاجاته الضرورية عن القيام بدوره السليم،
بتبنِّيه عادات وإشراطات وآراء أفرزتْها
المدنية الحديثة دون تعقُّل أو تبصُّر. لذا
فإن اختيار النظام الغذائي الأقرب إلى
الطبيعة لا بدَّ أن يمر برصد دقيق لتكوين
الأجهزة التي تختص في الجسم بالتقوُّت والهضم، كالأسنان والقناة الهضمية والميل
الطبيعي لأعضاء الحواس الذي يقود الحيوانات
إلى طعامها، كخطوة خطوة أولى نحو إبطال
العادات والإشراطات والآراء المسبقة
واسترجاع إحساسنا العميق بحاجاتنا الفطرية
الطبيعية. أ.
نجد لدى ملاحظة البنية السنِّية
للحيوانات أن القواطع لدى الحيوانات اللاحمة carnivorous
قليلة النمو، بينما الأنياب طويلة ومدبَّبة
وقوية للغاية، تفيد في قتل الفرائس والإمساك
بها، والأضراس أيضاً مدبَّبة، ينطبق بعضها
على بعض مثنى مثنى بغرض تمزيق الألياف
العضلية. أما الحيوانات العاشبة herbivorous
فنجد أن القواطع عندها نامية جداً، بينما
الأنياب ضامرة (مع أنها قد تنمو في حالات
معينة متمايزة إلى أسلحة دفاعية، كما نجد عند
الفيل والخنزير البري) والأضراس واسعة السطوح
ومكسوة بالميناء على جوانبها فقط. ولدى الحيوانات آكلة
الفاكهة frugivorous
تتقارب الأسنان طولاً، وتكون الأنياب
مدبَّبة ومخروطية الشكل، وإن لم تكن مختصة
بالإمساك بالفرائس، بينما الأضراس عريضة
السطوح ومكسوة في أعلاها بتجاويف من الميناء
لتجنب الاهتراء الناجم عن احتكاكها المتواصل
بعضها ببعض. لكنها على العموم غير مصمَّمة
لمضغ اللحوم. وأما الحيوانات آكلة كل شيء
(= اللفلافة) omnivorous،
كالدببة مثلاً، فالقواطع لديها تشبه قواطع
الحيوانات العاشبة، بينما تشبه الأنيابُ
أنيابَ الحيوانات اللاحمة، وتكون الأضراس
مدبَّبة وعريضة السطوح تفيد في كلتا الحالتين. عند ملاحظة البنية السنِّية
البشرية، نجد أنها الأقرب إلى نظيرتها لدى
الحيوانات آكلة الفاكهة، وتختلف عنها لدى
الحيوانات اللاحمة والعاشبة وآكلة كل شيء.
يُستنتَج من ذلك منطقياً أن الإنسان "حيوان"
آكل للفاكهة – وكلمة "فاكهة" هنا تشمل كل
أجزاء النبات المفيدة له، كالخضار، بجذورها
وسوقها وأوراقها، والثمار بأنواعها، والحبوب
والبقول المختلفة. ب.
من جهة أخرى، تبيِّن لنا ملاحظة القناة
الهضمية أن طولها لدى الحيوانات
اللاحمة يساوي 3-5 أضعاف طول أجسامها من الفم
حتى فتحة الشرج، ومِعَدها شبه كروية من حيث
الشكل. أما طولها لدى الحيوانات العاشبة
فيفوق طول أجسامها بـ20-28 ضعفاً، ومِعَدها
أكثر استطالة ومركَّبة البنيان. وأما طولها
لدى آكلة الفاكهة فيفوق طول أجسامها بـ10-12
ضعفاً، ومَعِدها أوسع من مِعَد الحيوانات
اللاحمة، وثمة استطالة معدية هي العفج (=
الإثنا عشري) تفيد كمعدة إضافية. إن البنية الأخيرة هي
عينها التي نقع عليها عند الإنسان، رغم أن
علم التشريح المدرسي يقول إن طول الأنبوب
الهضمي لديه يفوق طول الجسم بـ3-5 أضعاف. لكن
التشريح مخطئ في حسابه لأنه يقيس طول الجسم من
قمة الرأس حتى أخمص القدمين وليس منها حتى
فتحة الشرج. وبذلك يتبين لنا هنا أيضاً أن الإنسان
آكل فاكهة. ج.
وتبين ملاحظة الميل الطبيعي لأعضاء الحواس
الذي يحدِّد ما هو مغذٍّ ويقود الحيوانات
إلى طعامها الطبيعي أن الحيوانات اللاحمة
تبتهج عند إمساكها بطرائدها، وتلتمع عيونها
وهي تُعمِل أنيابها بعنف في جسم الفريسة
وتلعق الدم المتدفق منه، بينما ترفض
الحيوانات العاشبة، على العكس من ذلك، مثل
هذه التغذية، بل وتحجم عن الدنوِّ من غذائها
الطبيعي إذا تلوَّث بشيء من الدم، ويقودها
النظرُ والشمُّ إلى الأعشاب التي تتذوَّقها
مبتهجة. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالحيوانات
آكلة الفاكهة التي تقودها حواسُها إلى ثمار
الأشجار والبقول. أما البشر، على اختلاف
عروقهم، فمنهم فئة لا تتورع عن ذبح الحيوانات، بينما لا تطيق فئة أخرى رؤية
حيوان يُذبَح أو حتى يساق إلى الذبح. لذا نجد
أن المسالخ تقام عادة خارج المدن، كما يُحظَر
نقل الذبائح مكشوفةً في بعض البلدان للسبب
عينه. إن حواس الإنسان، من نظر وشمٍّ وذوق، لا
تستسيغ أكل اللحم ما لم تُضَف إليه التوابل؛
وبالمقابل فإنها تستطيب الفاكهة نيئة؛ وقِسْ
على ذلك الكثير من الخضار والبقول وجذور
النباتات.[12] يشير التشريح المقارن، إذن،
إلى أن الإنسان آكل فاكهة وأن النظام
الغذائي النباتي هو النظام الطبيعي الأمثل له.[13]
لذا فإن التعقيد في إعداد الوجبات ليس
ضرورياً، والبساطة في العادات هي القرب إلى
التناغم مع الطبيعة. فضل
الزراعة على الرعي
تبيِّن جاكلين أندريه في
مؤلفها الممتاز سبعة مليارات نباتي،[14] استناداً إلى
معطيات موثَّقة لخَّصتها ببراعة في 37 جدولاً،
أن الانفجار السكاني المتفاقم حالياً في
العالم سيحول بحلول الألفية الثالثة، عندما
يبلغ تعداد سكان العالم حوالى 7 مليارات نسمة،
دون الاستمرار في النظام الغذائي الحالي
القائم أساساً على اللحوم – ذلك النظام الذي
ينجم عنه تخصيص ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة
المستثمَرة حالياً لتغذية حيوانات الرعي،
بينما يعاني ملايين البشر من المجاعات وسوء
التغذية. إن هذا يعني بالدقة أن عدد الجياع
والمعانين من سوء التغذية، من جراء الإصرار
على النظام الغذائي الحالي، قد بلغ عام 2000
ملياري إنسان تقريباً، مع كل ما يترتب على ذلك
من عواقب وخيمة على الصعيدين الاجتماعي
والسياسي. فهل يتدارك الإنسان الأمر ويعدِّل
نظامه الغذائي؟ معلوم أن معدَّل إنتاج
هكتار واحد من الأرض الزراعية حوالى 1850 كغ من
فول الصويا، في الوقت الذي تنتج فيه المساحةُ
نفسها، إذا خُصِّصت لزرع النباتات العلفية أو
للرعي، حوالى 300 كغ من اللحم – وهذا دون أخذ
المسألتين الأخلاقية والصحية–الفسيولوجية
اللتين تطرَّقنا إليهما بعين الاعتبار.[15] يقدِّم كتاب أندريه – الذي
لا يخاطب النباتيين وحسب ممَّن خَبِروا
بأنفسهم فوائد نظامهم الغذائي، بل وإلى أهل
الحلِّ والربط في عالمي السياسة والاقتصاد
الذين يجب عليهم تغيير النظم الحالية تغييراً
جذرياً درءاً لمجاعة عالمية – معلومات هامة
وشائقة حول مصادر أخرى للبروتين، كالخمائر
والفطور والطحالب، بالإضافة إلى المصادر
القديمة المعروفة، كالبقول والحبوب والثمار
المجففة.[16] الفسيولوجيا
والتأمل
يؤكد العديد من أصحاب
النظرة الروحية إلى الحياة أن تطهير نظام
الغذاء أمر وثيق الصلة بتنقية الفكر والمشاعر،
وهم على بيِّنة من أهمية هذه التنقية على صعيد
الحياة الداخلية. فقد كتب المهاتما غاندي: "من
أراد السيطرة على أهوائه يستطيع ذلك بسهولة
بالسيطرة على شهيَّته." وقد علَّق أحد
المفكرين الثيوصوفيين معبِّراً عن الفكرة
عينها: "كلما رأيتُ مائدةً مفروشة بأصناف
اللحم والسمك علمتُ أني أنظر إلى بذور الحرب
والبغضاء [...]. وعندما يسألني الناس عن احتمال
وقوع حرب في المستقبل أجيب: أجل، إلى أن نعامل
الحيوان معاملتنا لأشقائنا الصغار!" تشدد أديان عديدة على قدسية
الجسم البشري باعتباره "هيكلاً لله الحي"،[17] بينما تفرض
أديان أخرى على المرء واجبات معينة نحو جسمه
عليه ألا يُخِلَّ بها، من حيث إن التمتع بجسم
صحيح قوي يُعتبَر أمراً بالغ الأهمية لدى
السير على درب روحي[18]؛
وفي الوقت نفسه فإن في العافية البدنية
عوناً كبيراً على تفتُّح القدرات النفسانية
والروحانية الكامنة في النفس – هذا إذا
ضربنا كشحاً عن أهميتها للقيام بخدمة
الإنسان التي تشكل عماد كل حياة روحية. منذ القديم، كان الذين
يختارون، عن وعيٍ منهم والتزام، السيرَ على
طريق الروح الوعرة الشائكة، بممارسة التأمل[19]
وغيره من الرياضات الباطنية، يوصَوْن بضرورة
التقيد بنظام غذائي نباتي شديد الصرامة. ولم
تكن تلك التوصيات تبرَّر بالدافع الأخلاقي
الذي تقدَّم ذكره أو بالأسباب الصحية وحسب،
بل بأسباب تمتُّ بصلة وثيقة إلى "الفسيولوجيا
الروحية" spiritual
physiology إذا صح التعبير.
والواقع أن الخبرة الشخصية تقدِّم للممارس
الدليل القاطع أن التغذية النباتية شرط هام
للحصول على أنجع النتائج. نجد في المؤلَّف الهام التقوُّت
بالنبات والعلوم الغيبية[20]
تصنيفاً دقيقاً لجملة الأسباب التي تؤيِّد
التغذي بالنبات إلى زمرتين اثنتين: الأولى فسيولوجية،
وقد جئنا على ذكر بعض أسبابها التي بات بإمكان
العلم تلمُّسها؛ والثانية نفسانية
وروحانية. أما الأسباب التي يبيِّنها
المؤلف سي دبليو لِدبيتر فترتكز على المبدأ
الثيوصوفي القائل بأن كل خلية في بنية ما
فهي منظومة مهتزَّة أو متذبذبة، الأمر الذي
من شأنه أن يحرِّض في الإنسان، كلما تناول
خلايا حيوانيةَ المصدر، ذبذباتٍ من رتبة
حيوانية. هناك، إذن، احتمال كبير بأن
مبدأ "ما تأكله إياه تصير" ينطبق على
الصعيد العاطفي مثلما ينطبق على الصعيد
البدني. وإن شعار "العقل السليم في الجسم
السليم" يترجَّع صداه مراراً وتكراراً في
الفلسفة الباطنية the
Esoteric Philosophy.
ففي الموروث اليوغي (نسبة إلى اليوغا) يُعتبَر
اللحم طعاماً "رَجَسِياً"[21]
rajasic،
أو منبِّهاً من الوجهة النفسية، ويلعب
دوراً لا يستهان به في تكوين طبع عدواني، "صفراوي"،
على حد تعبير الطب القديم، الأمر الذي يؤدي
إلى تدنِّي حساسية الوعي والإدراك لدى المرء.[22] ومن جهة أخرى، تنطبع
انفعالاتُ الحيوانات بطابع أعنف نتيجة الهلع
الذي يصيبها من جراء المعاملة القاسية التي
تلْقاها من الإنسان، ناهيك عن عملية الذبح
الوحشية، فتُفرِز في دمائها سموماً toxins
هي عبارة عن الترجمة الكيميائية للإرهاق
والرعب والكراهية اللذين تكنُّهما للإنسان
بسبب تلك الشروط؛ وهذه السموم تحرض في نفوسنا، عندما تدخل بنيتنا عن طريق الغذاء
الحيواني المنشأ، ذبذبات من رتبة حيوانية
تُثقِل على الجسم وتحدُّ من قدرته على
التجاوب مع ذبذبات من رتبة لطيفة. ولقد تم مؤخراً اكتشاف
إواليات فسيولوجية–نفسانية أخرى عظيمة
الأهمية تبيِّن، بما لا يقبل الدحض، أهمية
التقوُّت بالنبات من أجل ممارسة مثمرة للتأمل
الباطني باعتباره الأساس الذي لا غنى عنه لكلِّ منهاج روحي. من المعلوم أن الغذاء
الحيواني المصدر يرفع من نسبة حموضة الدم،
بينما ينزع تناول الخضار والفاكهة إلى زيادة
قَلْوَنته. ومن المعلوم أيضاً أن البنية
تستجيب لارتفاع الحموضة بخفض نسبة ثاني أكسيد
الكربون CO2
في الدم وبزيادة الطلب على الأكسجين؛ وبعبارة
أخرى، تشكل الحموضة العالية وسطاً ملائماً
لنمو الجراثيم وتكاثرها.[23]
أما الغذاء النباتي فيحرض الإوالية المعاكسة، من حيث إنه يقلِّل من حموضة الدم
ويؤدي مباشرة إلى رفع تركيز ثاني أكسيد
الكربون في الرئتين، وبالتالي إلى خفض نسبة
الأكسجين الواصلة إلى المخ عن طريق الدم. تطلق هذه العملية سلسلة من
الرُّجع: فالدم الأقل أكْسَجَة يؤدي إلى
توسيع الأوعية الدموية المخية، الأمر الذي
ييسِّر استتباب نَظْم a (ألفا) الذي يسود
سيادة طبيعية إبان التأمل وحالات الإدراك
الحواسي الفائق ESP.
وتحدث العملية نفسها إبان الاسترخاء العصبي–العضلي
حيث يتباطأ إيقاع التنفس، وينخفض مقدار
الأكسجين الوارد إلى البنية، الأمر الذي
يتسبب في زيادة محسوسة في ثاني أكسيد الكربون
الدموي؛ وهذا بدوره يحرض النَّظْم الدماغي
الموافق لمويجات a
التي تتطابق والمويجات المستتبة في أثناء
التأمل، كما يوضح المخطط الكهربي لمخ
المتأمِّل.[24] جدير بالذكر أن نزفاً صاعقاً قد يؤدي إلى النتائج
عينها، بصرف
النظر عن خطورة حالة المصاب؛ إذ إن نقص الدم
الجاري في الأوعية الدموية يؤدي إلى تزويد
المخ بنسبة أقل من الأكسجين، وبالتالي إلى
رفع ثاني أكسيد الكربون الدموي، وإلى استتباب
نظم a،
وإلى الاسترخاء العضلي والإحساس بالتحرر من
مؤثرات المحيط، وإلى إحساس عميق بالراحة
والطمأنينة، إلخ. تصادَف حالات مشابهة في
المرتفعات الجبلية، حيث يستتب نظم a لدى الجبليين
استتباباً طبيعياً بسبب قلة الأكسجين في هواء
الجبال. ولعل هدوء الجبليين ورباطة جأشهم
يعودان إلى هذا السبب عينه، مثلما قد يُرَدُّ
الولع بتسلق الجبال إلى ذلك الشعور بالسكينة
والطمأنينة الذي توفِّره المرتفعات.[25]
لهذا السبب أيضاً – وليس بسبب الحاجة إلى
الابتعاد عن الضوضاء وحسب – اختار نساك
الأديان قاطبة أماكن مرتفعة لتشييد أديرتهم
وصومعاتهم؛ ولهذا السبب كذلك ظلت هضبة التيبت، منذ
القديم، موئل الصوفية والحكماء
واليوغانيين ومعقِلهم – وإن لم تعد كذلك
اليوم بكل أسف بسبب "التطبيع" الصيني! ولقد أُجريَت منذ أواخر
الستينات اختبارات جسمانية–نفسانية على
أشخاص في حالة تأمُّل، من يوغانيين هنود إلى
رهبان تيبتيين إلى رهبان زِنْ Zen
يابانيين إلى غربيين ممَّن أجادوا فن التأمل
واستطاعوا تحقيق فترات طويلة من الصمت الفكري؛ فلوحظ في الحالات المدروسة
جميعاً
استتباب نظم a وانخفاض نسبة
استهلاك الأكسجين الذي انخفض في بعض الحالات
حوالى 50% دون النسبة الصغرى المعتبرة ضرورية
للمحافظة على سلامة الوظائف الحيوية! تؤكد هذه الاختبارات، بما
لا يدع مجالاً للشك، أن التغذِّي بالنبات شرطٌ ميسِّر لممارسة
التأمل، خصوصاً، ولسلوك
الحياة الروحية، عموماً، كونه يسهِّل
استتباب نظم a
لفترات طويلة بما يشير إلى الهدوء والسلام
الداخليين. وتؤكد الخبرة صعوبة المحافظة على
نظم a
لفترات كهذه مع تناول اللحم كمادة غذائية
رئيسية بدون المجازفة بحدوث اضطراب في
الإواليات الجسمانية–النفسانية؛ الأمر الذي
يؤدي بدوره إلى إحداث خلل أيضي (= استقلابي)
وإلى ظهور اضطرابات بنيوية. ومن نافل القول بهذا الصدد
إنه لا يكفي المرء أن يكون نباتياً في تغذيته
حتى يصير روحانياً في أشواقه وتطلُّعاته،
مثلما أنه لا تكفيه لتحقيق هذه الغاية
الإقامةُ في منطقة جبلية! لكنهما عاملان
مساعدان على التأمل، ويحسن بالمرء أن
يراعيهما كلما تيسَّر له ذلك. إن لمن المدهش أن يكون
البحَّاثة الروحيون قد تبنُّوا في الماضي
الغابر نظاماً نباتياً في التغذية دون أن
يثبت لديهم علمياً بأن لتعاطي اللحم أثراً
ضاراً على الصحة البدنية والنفسية. أما وقد
سلَّطت الطرائق السيئة في تربية الحيوان
اليوم، وإضرارها بالتربة والموارد، وصلتها
الأكيدة بالمجاعات في العالم، أضواء كاشفة
على ملابسات الموضوع برمَّته، وتبيَّن أن
لتناول اللحم نتائج سلبية بعيدة المدى على
الحقلين الاقتصادي والإيكولوجي، فقد آن
الأوان لاتخاذ تدابير وقائية فعَّالة على كل
الأصعدة. التقوُّت
بالنبات قرار شخصي
على الرغم من أن تزكيات
التغذي بالنبات تأتينا من أسماء أناس من نخبة
القوم، من فيثاغوراس، إلى هيرودوتس، إلى أبي
العلاء المعري، إلى شِلِّي، إلى ر. و. إمِرسُن، إلى هـ. د.
ثورو، إلى ل. تولستوي، إلى
ج. ب. شو، إلى طاغور، إلى غاندي، إلخ، ومع أن كل
المعطيات العلمية تشير إلى صحة تبنِّي مثل
هذا المسلك المعيشي، فإن القرار بالامتناع عن
تعاطي اللحم قرار شخصي إلى حدٍّ كبير.
فكما أن لكلِّ فرد مواهب وقدرات يتفرَّد بها،
له أيضاً أولويات تخصُّه وحده قد تحدو به إلى
الوقوع على مغزى عميق في أحد مبادئ الحكمة
القديمة دون سواه. ومن هنا عقم أية محاولة
للتبشير من أيِّ نوع! ليس كاتب هذه النظرات، من
جانبه، من الدعاة إلى التقوُّت بالنبات، لكنه
واحد ممَّن اختبروا فوائده التي لا تحصى.
فحياة المتقوِّت بالنبات أقل فوضى وتراكمية،
وأكثر اقتصاداً في النفقات بالتأكيد! – وربما
أهدأ وأكثر طمأنينة وسلاماً. وهو يقتفي أثر
دافعه الجَوَّاني إلى توسيع فهمه لمبدأ أهِمْسا
وتطبيقه، بكفِّ أذاه عن المخلوقات كافة. فكما يقول الفيلسوف
شوبنهاور: "لا أعرف صلاة أجمل من صلاة
الهندوس: ألا فلينعتق كل ذي حياة من الألم!" ***
*** *** [1]
كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية holos
التي تعني "كل"، أو من الكلمة
الإنكليزية holy
التي تعني "مقدس"؛ والمقصود بالقدسية
هنا ذلك الطابع الفريد
الذي يبصر في الكون –
في مَعْلَميه المنظور وغير المنظور،
الجزئي والكلِّي – كلاً واحداً ينبض
بالحياة. [2]
ميّز الفيلسوف آرني نيس Arne Næss
في أوائل السبعينات بين الإيكولوجيا "الضحلة"
Shallow
Ecology – وهي إيكولوجيا
تُمَحْوِر الوجود حول الإنسان anthropocentric،
فتنظر إلى البشر باعتبارهم خارج الطبيعة
وفوقها وبوصفهم مصدر كل قيمة، ولا تعزو إلى
الطبيعة سوى قيمة أداتية أو نفعية –، وبين
الإيكولوجيا "العميقة" التي لا تفصل
البشر عن البيئة الطبيعية، بل لا تفصل عن
هذه أي شيء على الإطلاق. والإيكولوجيا
العميقة لا ترى العالم كجملة من
الأشياء المعزولة، إنما بالحري، كشبكة
من الظاهرات المترابطة والمتواكلة بعضها
على بعض جوهرياً؛ وهي تقر
بالقيمة الجوهرية للكائنات الحية قاطبة،
ولا تنظر إلى البشر إلا كمجرد خيط متميز في
نسيج الحياة الكلِّية. (راجع: فريتيوف
كابرا، الإيكولوجيا العميقة، معابر،
الإصدار الثاني.) [3]
ترصد النظرية العامة للمنظومات العالم
بوصفه تراتبية hierarchy
غير منقطعة ومتشابكة من المادة والطاقة؛
فلا يُفهَم شيء، وفقاً لهذه النظرة، بمعزل
عن أي شيء آخر. كل شيء جزء من منظومة system
(= مجموعة من الواحدات متصل بعضُها مع بعض
ومتفاعلة دينامياً)، وكل منظومة جزء من
منظومة أوسع منها، وهلم جرا. [4]
راجع بهذا الصدد: سالومون لانكري، "الثيوصوفيا"،
معابر، الإصدار الرابع، "مرصد". [5]
راجع: تيار ده شاردان، ظاهرة الإنسان،
بترجمة ندره اليازجي، ص 43-56. [6]
هذا المبدأ – "اللاعنف" – ركن أساسي
من أركان مذهب المهاتما غاندي، ببعديه
الروحي والسياسي. [7]
نضرب مثالاً على ذلك الرهبنة اللاترابية Trappist
في المسيحية الكاثوليكية. [8]
"وقال الله: ها قد أعطيتكم كل عشب يُبزِر
بزراً على وجه الأرض كلِّها وكل شجر فيه ثمر
يُبزِر بزراً يكون لكم طعاماً." (تكوين
1: 29) [9]
Cf. Pernette Danley-Danysz,
« Cancer : Les risques de l’alimentation », in La Recherche,
déc. 1983, pp. 1564-73. تحاول الباحثة في
دراستها هذه إيجاد صلة بين التغذية
الحيوانية المصدر وبين عدد من أنواع
الأورام الخبيثة. والبحث على جانب كبير من
الأهمية، وبإمكان القارئ غير المتخصص أن
يخرج منه بفائدة جمة. [10]
بالإنكليزية: The U.S. Senate Select Subcommittee on Nutrition
and Human Needs. [11]
Cf. Frank Sacks & William Castelly, Science, Oct. 1981. [12]
Swami Sri Yukteswar, “What is Natural Living?” in Self-Realization,
Summer 1983, pp. 35-7. [13]
الأرجح أن الإنسان كان آكل فاكهة فعلاً قبل
حلول العصر الجليدي الأخير حين أرغمه شحُّ
المصادر النباتية للغذاء على صيد
الحيوانات البرية والاقتيات بلحومها. [14] Jacqueline André, Sept milliards de végétariens
ou La révolution alimentaire du
vingt-et-unième siècle, Jacqueline André, Bruxelles, 1985. [15]
Cf. Robert A. de J. Hart & J. Sholto Douglas, Forest Farming: Towards
a Solution to Problems of World Hunger and Conservation, Watkins,
London, 1976. حيث يقدم المؤلِّفان
حلاً علمياً بسيطاً في مبدئه، لكنه خطير في
تبعاته ونتائجه الاقتصادية والسياسية
والثقافية والإنسانية لكونه يتطلب استنفار
طاقات بشرية هائلة من حيث إنه يتلخَّص في
توسيع نطاق زراعة الحبوب والبقول على
الصعيد الكوكبي ككل، مع تقليص الحاجة إلى
الرعي. بالطبع لم يؤبَه لمثل هذا الحل حتى
الآن لأن المصالح الاقتصادية للفئات
المتنفِّذة هي التي تبقى لها الأولوية على
حساب الغالبية الساحقة من البشر التي ترزح
في معاناتها. [16]
تختم المؤلفة – وهي الاختصاصية البلجيكية
المرموقة في علوم التغذية – كتابها بتقديم
68 وصفة نباتية تقيم من خلالها الدليل على أن
اختياراً موفقاً وحصيفاً ييسِّر إعداد
وجبات نباتية لذيذة وكاملة من الوجهة
الغذائية. [17]
راجع مثلاً رسالة القديس بولس الثانية
إلى أهل قورنتس 16: 6. [18]
في اليوغا سوترا المنسوبة إلى الأستاذ
اليوغاني الكبير بتنجلي نجد "المرض"
بين العقبات التسع على طريق اليوغا. راجع: Yoga-sūtra,
1: 30. [19]
راجع دراستنا "اليوغا وفسيولوجيا الجسم
البشري"، معابر، الإصدار السادس،
باب "طبابة بديلة". بالوسع تلخيص وجهة
النظر "التأملية" في الحياة بما يلي: أ.
ثمة حقيقة واحدة، غير مقيَّدة، لانهائية،
تشكل جوهر المادة والطاقة والوعي، بالوسع
اعتبارها حقلاً من الوعي الكوني؛ ب. هذه
الحقيقة من الظواهر السطحية للعالم بمثابة
مركز الدائرة من محيطها؛ ج. يملك الإنسان من
خلال الفعل التأملي (الصمت الداخلي) أن يفسح
لهذه الحقيقة المجال بأن تفعل فيه مباشرة؛
د. من الممكن اعتبار هذا الفعل تحولاً
نفسياً وروحياً يستتبعه تحوُّل عميق على
مستوى الخلايا النبيلة للدماغ؛ هـ. من
نتائج هذا التحول مقاومة سيرورة الشيخوخة
الخلوية غير العكوسة. (ليس من قبيل الصدفة
ألا يوجد بين المتأملين – والعديد منهم
يعيشون حياة مديدة بفضل نظام المعيشة
البسيط والنظام الغذائي النباتي الذي
يتبعونه – شخص واحد، على حدِّ معلوماتنا،
مصاب بأيٍّ من أدواء "العته الشيخي".) [21]
تتصف الهيولى الأولى غير المتمايزة prakriti،
بحسب فلسفة سامكهيا Sāmkhya
الهندية، بثلاث خواص guna:
تَمَس tamas
التي تشير إلى الكمون والعطالة والظلمة؛
رَجَس rajas
التي تشير إلى التحرُّض والفعالية
والحركة؛ و سَتْفا sattva
التي تشير إلى الإيقاع والتناغم والسكينة.
على هذا الأساس، تُصنَّف المادة المتمايزة
بحسب رجحان نسبة إحدى هذه الخواص الثلاثة
الفاعلة فيها، فتكون "تَمَسية" أو "رَجَسية"
أو "سَتْفية". وهذا التصنيف ينسحب
بالطبع على أنواع الأطعمة باعتبارها مادة
متمايزة. [22]
يترافق الوعي الحساس المتفتح لدى الإنسان
بجهد دائب لتغليب الخاصية "الستفية"
في الجسم. جدير بالذكر أن استعمال المضادات
الحيوية المفرط وهرمونات النمو وعقاقير
أخرى في تربية الدواجن والمواشي، من جهة،
وترسُّب مركبات كيميائية سامة في أنسجتها،
ناجم عن إطعام هذه الحيوانات علفاً حيواني
المنشأ أو مرشوشاً بمبيدات معينة، من جهة
أخرى، يضيفان حاشيةً عصرية إلى التعليم
القديم؛ وما مرض "جنون البقر" إلا مثال
مأساوي على ذلك! [23]
الوسط الأمثل لحياة غالبية الجراثيم
وتكاثرها هو الوسط الحامضي؛ وفي هذا تفسير
جزئي لندرة تعرض النباتيين للأمراض
الإنتانية، الحادة منها والمزمنة على حدٍّ
سواء. [24]
راجع "اليوغا وفسيولوجيا الجسم البشري". [25]
لقد وصف أحد متسلقي الجبال، في
أثناء بعثة إلى جبال الهملايا، الإحساسات
التي انتابته وهو يتسلق الإفرست العظيم كما
يلي: "شعرت بنصف ذاتي يرتقي، مفعَماً
بثقة سامية ووعي لروعة المكان، موبخاً نصف
ذاتي الآخر الذي كان يكابد مشقة الصعود،
مشجعاً إياه، شاداً من أزره."
|
|
|