|
ماذا
أعددنا للمرحلة المقبلة؟*
أميمة
الخش
الحالة
الحدِّية التي تضعنا أمامها العولمة
الثقافية والاقتصادية الراهنة غير مسبوقة في
التاريخ المعروف للإنسانية. إذ إن توحيد
الأسواق المحلية في سوق واحد كلِّي الهيمنة،
وإخضاع كافة مقوِّمات الحياة الإنسانية،
بأبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية
والروحية، لمتطلبات هذا السوق لفيه قطعاً
مقتلٌ للقيمة الروحية العليا للوجود
الإنساني على الأرض. وهذا ينسحب، بالطبع، على
الدور الإيجابي الذي نريد لعالمنا العربي،
على تنوُّعاته الثقافية والروحية، أن يؤديه
لكي يكفل لنفسه الحدَّ الأدنى من شروط
التمايز والبقاء. وسط
هذه الشروط القاسية المفروضة على العالم،
يتخذ الصراع العربي–الإسرائيلي، هو الآخر،
وضعاً حدياً جديداً تبلور بصورة خاصة في
التسعينيات من القرن الفائت. يجب علينا أن نقرَّ بأن العقد المذكور شهد محاولة
استراتيجية ناجحة لتحييد الآلة العسكرية
العربية تحييداً كاملاً في هذا الصراع، في
وقت تصاعدت فيه، وتتصاعد، التحديات الروحية
والثقافية التي – وهذا أيضاً يجب أن نقرَّ به
– ما زلنا، كعرب، حتى الساعة أعجز من أن نقوى
على مواجهتها. بعبارة أخرى متسائلة: ماذا
أعددنا لمستقبل هذا الصراع غير التغنِّي
بأمجاد الماضي والتراث – على أهميَّتها –
وما هو إسهامنا الحضاري الراهن الذي من شأنه
أن يمكِّننا من المحافظة على أصالتنا
الثقافية والروحية ويجعلنا، في الوقت نفسه،
أبناء عصرنا، بحيث نكون على مستوى التحديات
التي تواجهنا؟ دولة
إسرائيل، من جانبها، دولة "مؤمركة" في
بنيتها التحتية وطبيعة مجتمعها وقيمها إلى
أقصى حد؛ إذ إنها، أساساً، قامت مهيأة لتكون
أداة للنظام العالمي الحالي بما يلغي أية
خصوصية ثقافية للمناطق المجاورة لها. وقد
تنبَّهت فئات من المجتمع الإسرائيلي لهذا
الأمر، فوجدت خصوصيةً تميِّزُها في التزمُّت
الديني المتطرف الذي هو، بمعنى ما، حشرجة
احتضار إسرائيل "الأرض الموعودة" (بالمعنى
المادي) أمام "أرض موعودة" أخرى ستمتد
لتشمل العالم كلَّه، تسوده "ثقافة"
واحدة تجانِس كل التنوعات الثقافية والإثنية
وتصهرها في بوتقتها وتتلخص في بضع أفكار
أساسية: -
تسطيح القيم الإنسانية
الأزلية واعتبارها من قبيل الترف الفكري. -
تنسيب كل الأفكار والقيم
الأخلاقية بحيث تصير أية قيمة أو ظاهرة
ثقافية، مهما كانت سطحية وعابرة، مساوية
لأنبل القيم الروحية وأعظم الإبداعات الفنية. -
تحويل كل شيء، بما في ذلك
الإنسان، إلى سلعة استهلاكية. إن
مقاومة هذا المدِّ الرهيب لا بدَّ أن تمرَّ
عبر القنوات التالية: -
إعادة تقويم جذرية للتراث
وقراءته في ضوء أكثر موضوعية وانفتاحاً
ومعاصرة. إذ إن الانغلاق والتعصب العرقي
والمذهبي للخصم لا يُعقَل أن يُجابَه بمنطقه
نفسه، بل بمنطق سعة الرؤية والشمول والانفتاح. -
إعلاء شأن المقاومة
الثقافية والمعرفية بحيث يُرصَد لها من الجهد
ما لا يقل عن بقية أشكال المقاومة الأخرى.
وبهذا الصدد يجب ألا ننسى أن كل مقاومة
إيجابية لـ"أمركة" العالم، وكل تبنٍّ
لقيمة روحية عليا هو، في الوقت نفسه، مقاومة
لانغلاق إسرائيل ولدوره "العولمي" في آن
معاً. -
تحصيل معرفة معمَّقة بطبيعة
المجتمع الإسرائيلي، بأبعاده الاجتماعية
والثقافية والدينية والسياسية، وتعميم هذه
المعرفة على أوسع نطاق إعلامي متاح. فمن قبيل
المفارقة أن خيرة الاختصاصيين في المجتمع
العربي، بأبعاده المختلفة، باحثون
إسرائيليون يدرِّسون في الجامعات ومراكز
البحث الإسرائيلية، بينما يكاد الإنسان
العربي العادي لا يعرف شيئاً عن المجتمع
الإسرائيلي سوى الصورة المقوْلبة التي
ينقلها إليه إعلام عربي مشوِّه. -
مخاطبة المجتمع الإسرائيلي
ودعوته للعودة إلى جذوره الروحية والثقافية
العميقة التي شوَّهتها اليهودية
المتصَهْيِنة، فاختزلتها إلى حلم بائس بقطعة
أرض يمنحها إله خاص لشعب خاص. -
الاتصاف بموضوعية الخطاب
الثقافي المقاوم وعلميَّته، بحيث يتصف
بالمصداقية أمام المهتمين من الرأي العام
العالمي؛ إذ إن الخطاب الرصين، البعيد عن
الانفعال، هو دوماً الأقدر على الإقناع
والأفعل في النفوس. -
الاستفادة إلى أقصى حد من
أداة العولمة نفسها، وأعني الشبكة العالمية (إنترنت)،
بإيجاد مواقع متعددة اللغات تطرح وجهات النظر
السابقة باللغة الموضوعية الرصينة عينها. *** *** *** *
صيغة منقحة تنقيحاً طفيفاً من كلمة
أُلقِيَت ضمن فعاليات المؤتمر القومي
العربي الحادي عشر المنعقد في بغداد
(10-13/05/2001). |
|
|