قلب الوجود

 

حياة أبو فاضل

 

التقيتهما حديثاً على صفحات النهار، في زمن عداء بشري تراكمت أطماع أقويائه وتفجرت، مهدِّدة الإنسان في كل مكان في مطلع القرن الحادي والعشرين، بعد نحو ثمانية آلاف سنة على ظهور الهندوسية، وألفين وخمسمائة سنة على ظهور البوذية، وألفي سنة على ظهور المسيحية، وألف وأربعمائة سنة على ظهور الإسلام: رسائل روحية سامية التقطها وعي الإنسان على مرِّ العصور، وما وعى، ولا يزال في حرب مستمرة متطوِّرة مع تطوره العلمي والتكنولوجي، في حرب مع أخيه الإنسان، يسعى دائما إلى إزاحته، وهما يصلِّيان معاً لخالق واحد.

التقيتهما – المطران جورج خضر في مقاله "على رجاء الوحدة المسيحية" وديمتري أفييرينوس في كلمته عن "التسامح وأمور أخرى".

يقول المطران جورج خضر للمسيحيين التوَّاقين إلى توحيد تأريخ يوم قيامة المسيح ما معناه إن فذلكات إزالة الاختلاف العقائدي المؤسَّساتي ليست في متناول أمانيهم، إذ لا يكفي حبُّهم لمن ليس من ملَّتهم، حبٌّ من طرف واحد قد لا يستسيغ الآخر وسائله. ويتابع: "إن ينصب كاهن كاثوليكي ليقول لأبنائي: "لا فرق بيننا وبينكم،" فمصيبة؛ إذ يكون بذلك غير صادق ويسعى إلى توسيع نفوذه. وأما إذا اعتقد ذلك حقاً فالمصيبة أعظم." و"لا يكفي الحديث الغرامي لتبديد المخاوف،" يقول المطران خضر، وهو ذا وجه الخوف يطلُّ ليمنع الوحدة. وكي لا يُحبَط التوَّاقون يعلن المطران: "لعل خير ما يقوم به المؤمنون أن يقيموا الصلاة دائماً في سبيل التقائهم في كنيسة واحدة."

أما ديمتري أفييرينوس فيقول: "الإنسان المتديِّن ليس مجرد إنسان ينتسب إلى منظومة عقائدية لاهوتية فحسب. فالدين، وان كان تعويضاً معقولاً عن غياب خبرة روحية كونية أسُسُها مركوزة في أعماق الروح الإنسانية، لكنه أيضاً، على صعيد الحياة الاجتماعية، محاولة للمثالية في العمل و"أمْثَلَة" العمل الإنساني... هذا الإنسان، أياً كان مذهبه، يتحرَّق في أعماقه ليحيا حياة صدق وفطنة وحسن معشر. لكن هذه القيم البسيطة يعتِّم عليها، بل يغيِّبها، الإسفاف الكلامي واللاهوتي، إلى حدِّ أن الغالبية الساحقة من البشر ترزح تحت حال يرثى لها من الشواش والخواء الروحيين."

وحده الخواء الروحي يشكل التربة الخصبة لنماء الخوف، المسبِّب الوحيد للتباعد والعداء والحروب. وقد استمر هذا الخواء مع ظهور الديانات لأن من شرحها وفرض اختباره ومفهومه الخاص على سواه أقام حواجز مؤسَّساتية بين الإنسان وبين حدسه وقدرته على فهم مغزى وجوده واختباره تبعاً لدرجة وعيه. حين فاح أريج الرسائل الروحية في بداياتها غمر الجميع، ولم يعقِّد البتة أمور التواصل بين الإنسان والخالق، وبين الإنسان والإنسان. "كالأطفال كونوا،" قال المسيح في بساطة، و"لا تدينوا لئلا تُدانوا،" وما سمعه أحد.

خارج "التعويض المعقول عن غياب خبرة روحية كونية،" أنت متفتِّح على كلِّ ما تنشده روحك، وفي صمت تتوجَّه إلى أعماقك، حيث تُفتَح لك أبواب الخبرة الروحية الشاملة التي تنبئك صادقةً بوحدتك الأكيدة مع الوجود، بكلِّ ما فيه، فلا تبقى خائفاً الآخر، إلى أيِّ معتقد انتمى أو لم ينتمِ، وتدرك أنك، معه، جزء من كون شاسع يضمكما في رأفة.

التقيتهما – المطران جورج خضر وديمتري أفييرينوس – يتكلَّمان في شؤون الروح في زمن تحكمه المادة المتحجِّرة الشرسة. وعن غير قصد، جاء كلامهما سؤالاً وإجابة عنه واضحة. جاء كلامهما متكاملاً غير متوافق. ومنهما تعلَّمت، للمرة الألف، أن درب الوعي تمشيها صامتاً، متأمِّلاً، منتظراً، مدركاً أنك، رغم سعيك وحيداً، تنتمي – مع الآخرين – إلى قلب الوجود.

*** *** ***

عن النهار، السبت 16 شباط 2002

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود