رسالة في وداع أكرم أنطاكي
المتوفى في دمشق، السبت 20 نيسان/أبريل 2013
د. أوغاريت يونان
د. وليد صليبي
بمحبَّة،
إلى
أحباء أكرم وأصدقائه وعائلته،
إلى
كلِّ مَن عرفه،
إلى
ديمتري أڤييرينوس، رفيق الدرب في معابر وما قبلها،
إلى
أسرة معابر، هڤال، محمد عبد الجليل، دارين، سحر...
إلى
الناشطين والمناضلين والأدباء والمفكرين الذين أحاطوا بصفحات معابر فكرًا
وثقافة،
إلى
الشيخ جودت سعيد ورفاقه وتلامذته الذين بنى اللاعنف والتوق إلى الدِّيمقراطية بينهم
وبين أكرم جسر مودة وحلمًا وطنيًّا جميلاً،
إلى
"لاعنفيون بلا حدود"، تيار عربي رائد، انتمى إليه أكرم صديقًا وممثلاً معابر،
إلى
الفيلسوف جان-ماري مولِّر الذي جمعته بأكرم علاقة عميقة وصاخبة في نقاشاتها
ومراسلاتها في آن،
إلى
مارجولين ڤينينكس، الشريكة الداعمة في منظمة "پاكس كريستي" لتيار اللاعنف العربي،
ومن ضمنه معابر، التي عرفتْ أكرم عن قرب وساندت عمله، قبل محنة سوريا وفي
أثنائها،
إلى
"الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية" التي استضافت أكرم مرارًا، ودعمت أكثر من نشاط
لـمعابر، ومنها الشراكة في إصدار قاموس
اللاعنف،
مرجعًا معرَّبًا عن الفرنسية،
إلى
جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان – "أونور"، التي جلس أكرم على مقاعدها مرتين وعايش
أساتذتها، روَّاد اللاعنف في لبنان والعالم،
منِّي، وليد صليبي، الذي واكبتُك في الجامعة وفي بناء اللاعنف العربي، ورأيت فيك،
أكرم، جوهر طينتك – هذا القلب الشغوف بعناد،
ومنِّي، أوغاريت يونان، وقد فتحتُ الدرب منذ 2004، لتصبح، أكرم، صديق "لاعنفيون بلا
حدود"، وحمَّلتك أفكارًا أعجبتك من أجل اللاعنف، وكنتُ أفرح كل مرة أرى الطِّيبة
فيك تخرج إلى الضوء، وكيف تبتسم، فنتفاهم، ويشعُّ اللاعنف الذي تطمح إليه،
بحزن عميق، وقعتْ لحظةَ وفاتك،
كنَّا نعلم أن قلبك يختصر نبضك، وأنك لا تتركه يرتاح من الشغف والإلحاح والذوبان في
هموم المجتمع والقضايا والتفاصيل،
قلبك، إلحاح المواجهة،
تأمره، ويعلو صوتك وتقفل النوافذ من حوله، فيطيعك، إلى أن تولَّى اللحظة الأخيرة،
فواجهك بأمر الرحيل...
حقيقة الموت هي... الرحيل،
لكن الصداقة لا ترحل،
يرحل القلب المتعب،
لكن
الفكر الإنساني المتحرِّر ليس مجرَّد محطة، بل له اسم وأسماء، ومَن كانت له أسماء،
تكون الحياة محطته...
الحياة لا تموت، ليست هي ما يموت...
هنيئًا لك، أكرم، أنك سعيت كي يشقَّ اللاعنفُ طريقًا له في سوريا،
سعيتَ، وهذا ما يجعل لقب "المثقف المناضل المعطاء" لقبك –
والسعي بذاته قيمة.
كنَّا ننتظرك في آخر لقاء لمجموعة "لاعنفيون بلا حدود" في شباط الماضي في لبنان،
ذكرناك وتذكرناك،
كما
أنت،
ووعدناهم أن ندعوك لزيارة خاصة، تستحق فيها الراحة، فنتناقش في صفاء العلاقات وفي
اللاعنف،
وها
أنت ذا تسبقنا في زيارة أخرى، ستطول...
ونحن الآن، لو تستمع جيدًا، نتذكرك ونذكرك، وسنلتقي لنحكي عنك، قريبًا في بيروت...
"سلام على أكرم"، ناداك، رثاءً، الشيخ زهير الدبعي من نابلس فلسطين...
وسعيتَ، أكرم، كي لا يحرق العنف الآمال في بلدك الحبيب،
وتألمتَ، ووقفتَ أمام القتل والاستبداد والعبثية والأصولية والطائفية وتفتيت
المجتمع، وجهًا لوجه،
وكانت اللحظات قاتلة!
لكن الحياة لا تأبه للحظات، ولا تنحني للقتل – فاطمئن،
فالحياة مطَمْئِنة أنْ أمامها الزمان كله، كي تعود إليها حياة الحبِّ والعدالة
والحرِّية،
إذا
ما عرف اللاعنف كيف يفعل ويُبقي ما زُرِعَ في الأرض منتظرًا، حيًّا، ليستيقظ "كشمسٍ
لا تيأس من مناداتنا كلَّ صباح" (من قصيدة نثرية، و. صليبي)...
شمس
تنادينا لتذكِّرنا أن نكون الضوء،
والضوء لا يموت، يغيب، ويترك شعاعه لنا،
فيعود من جديد...
هكذا قاعدة الحياة: أن نكون الضوء، ونغيب، ويأتي اسم آخر،
ويغيب أكرم، ويأتي اسم آخر،
ضوءٌ لاعنفيٌّ جديد،
هو الآن هنا، في سوريا، يتنفَّس ويفكر ويحلم ويستعدُّ، كما الحرِّية، تنتفض من نقطة
لتُلهِم المكان بأكمله.
نعزِّي أنفسنا وعائلة أكرم أنطاكي ومحبِّيه والأصدقاء...
وداعًا، الصديق أكرم.
بيروت، 23/04/2013
*** *** ***