|
كلمة تأبين
جاء في القانون الأخلاقي لسكان أميركا الأصليين: ابحثْ عن نفسك بنفسك. لا تسمح للآخرين أن يَخطُّوا لك دربك. إنه طريقك أنت – طريقك أنت وحدك. يجوز للآخرين أن يقطعوه معك، لكنْ ليس لأحد أن يقطعه عنك. هكذا كان أكرم. أمضى سنين عمره باحثًا عن الحقيقة، سابرًا أغوار ذلك الطريقِ المحفوف بالمخاطر والصعاب، يُلهِمْهُ في ذلك عقلٌ جدليٌ متوقدٌ ومستنير، قادرٌ على تحطيم كل البديهيات والمسلمات وإخضاعها للنقد والمراجعة، كما وثقافةٍ موسوعيةٍ ندر أن يمتلكها شخص ما بمفرده. يقول أكرم في مقال له نشر عام 2011 على موقع معابر بعنوان عودة إلى الذات: ... لأني أبحث عن نفسي، فإني سأحاول من منظوري، وانطلاقًا من تجربتي الحياتية المتواضعة، ومن علاقتي مع ذاتي ومع العالم المحيط، أن أتلمس، من منظور علائقي، ما انطبع في عقلي وقلبي وما فهمتُهُ من تلك الذات الداخلية. وقد تطلب الأمر مني حياةً بكاملها لأتوصَّل إلى بعضِ فهمٍ شبهِ متماسك بهذا الخصوص. لم يستكن عقله يومًا لواقع ولا لحقائق جاهزة ومعلبة، بل تميز دائمًا بقدرته على تجاوز ذاته والصعود إلى آفاق معرفية وإنسانية أرحب، متمثلاً قول غاندي: دائمًا طريق الصواب هو الأصعب. ومن أجل هذا، فقد كانت حياته سلسلة معارك فكرية خاضها مع الآخرين، ومع ذاته أولاً، واضعًا نصب عينيه شعار ابنته الفكرية "معابر": لا عقيدة أسمى من الحقيقة. لم تكن معابر بالنسبة لأكرم موقعًا إلكترونيًا وحسب، فقد وضع على صفحاتها خلاصة فكره وآرائه وتجربته الغنية في الحياة، وكان دائمًا يسابق الزمن لوضع عصارة فكره وخبرته وتجاربه بتصرف الجميع، كما جعل من معابر واحة فكرية وإنسانية لمن يكتب، ولمن يقرأ على حد سواء. اختار اللاعنف طريقًا ومنهجًا ضمَّنه عصارة خبرته وأسَّس قاعدة لهذا المنهج، بحيث يمكن اعتباره بحق رائد اللاعنف في منطقتنا وفي سوريا، التي هي أحوجُ ما تكون إليه الآن. ولم يكن أسلوب حياته الشخصية مختلفًا، فلقد عاش حياته زاهدًا في كل ما كان الآخرون يلهثون خلفه. لقد كانت سيرته الشخصية مثالاً لما يمكن أن يكون عليه الإنسان من تناغم وانسجام مع الذات، وكان في نقاء سريرته أشبه بطفل لم تلوثه مثالب الحياة. على امتداد سنين معرفتنا وصداقتنا، لم ألحظ يومًا أن له، ككلِ إنسان، حلمًا خاصًا به، فلقد كانت أحلامه أكبر وأرحب. كان يحلم بعالمٍ آخر غير الذي نعيشه، بعالمٍ أكثرَ إنسانيةً وأقل عنفًا وألمًا، وقد كرَّس لهذا الحلم حياته وقلمه الذي لم يكن يرى سواه أسلوبًا وسلاحًا في زمنٍ ساد فيه الاحتكام إلى كل الأسلحةِ ما عدا القلم، فلم يحتمل قلبه الكبير هذه المفارقة المفجعة. صديقي... يا طائر الليل حاملاً مصباح ديوجين... من هو أحق منا بالحزنُ على الآخر؟ أتراك في عليائك تحزَنُ علينا كما نحزَنُ عليك هنا... ونفتقدك؟ دمشق، كنيسة الصليب، 21/4/2013 *** *** ***
|
|
|