|
صداقة الفكر وأكرم أنطاكي
لم أكن صديقًا للراحل أكرم أنطاكي. لكن ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أننا لم نلتقِ بشكل شخصي. فهل هذا يلغي الادعاء بأن هناك صداقة؟ إن الصداقة الواقعية هنا ليس لها وجود، مقابل الصداقة الفكرية الثقافية، وهي ما أجده أجدى نفعًا وأبقى. لأنها صداقة لا تتحقق مع شخص يفرض عليك بأن تعرفه أو تتعرف عليه من خلال فكره ومنتوجه الثقافي. وهذا ما عثرتُ عليه في أكرم أنطاكي. الاسم الذي كنت أشعر بأن صاحبه قادم من زمن أسطوريٍّ مجاورٍ. الاسم الذي ارتبط في ذاكرتي أيضًا باسم شقيقته إكرام. حتى إنني كنت مرات أقرأ الاسمين بصورة ملتبسة للوهلة الأولى. ومما وسَّع العلاقة بين الاسمين لديَّ أن المرحوم أكرم قام بنشر ملفٍّ كاملٍ عن إكرام في موقع (معابر) وكان لي فيه مادة نقدية موجزة عن ديوان إكرام الوحيد باللغة العربية: مغامرات حنّا المعافى، والملف هو الإصدار الأول من إصدارات موقع معابر. وبمناسبة ذكر موقع معابر، فقد كنت أرى أنه صورةٌ مطابقة كثيرًا وبشكل عميق لشخصية أكرم. وقد تعطينا طبيعة الموقع ورسالته ومنهجه إمكانية كبيرة في الإحاطة بشخصية أكرم, وكنت أرى في الموقع أهمية كبرى على صعيد تقديم المعرفة والثقافة في الفضاء الالكتروني. فهو موقع يفاجئ المرء منذ أول دقائق لتصفحه، وحين يعرف أن أكرم يقف وراء هذا الموقع فلن يستغرب كثيرًا. حيث هناك تماهٍ بين روح أكرم وروح الموقع. نعرف آلاف المواقع الالكترونية، ولكنْ نادرٌ منها ما هو موقع يحمل روحًا، ولا أبالغ إذا قلتُ إن الروح التي أضفاها أكرم على الموقع جعلت من موقع معابر (وليكن بالنسبة لي) الموقعَ الأولَ في مجال المواقع الفكرية المعرفية. ليس لأن الموقع يتضمن مواد وملفات عن الروح وعلوم الطاقة وفلسفة اللاعنف... إلخ، بل لأن الأفق الروحي العميق كان يغمر جهات الموقع كلها. كنت أرى في الموقع ما رأيته لاحقًا في شخصية أكرم من قيم الحق والخير والجمال، هذا الثالوث الذي يمكن لي أن أقول إن رسالة أكرم كانت نابعة منه. أكرم كان شخصيةً متعددة انفتاحيةً عابرةً للحدود، لأن من نذر نفسه ليكون رسول خير وحق وجمال لا يمكن إلا أن يكون متعددًا منفتحًا عابرًا للحدود. كل ذلك جعل من أكرم صديقًا للفكر والمعرفة والإنسان، وأنا واثق من أن له أصدقاء كثيرين غيري لم يلتقوا به، بل اكتفوا بمعانقة فكره وثقافته. خسرنا برحيله اسمًا مبدعًا، منتجًا حرًا للفكر، ولكن العزاء فيما أنتجه، وفي الدرس الجمالي الروحي العميق الذي تركه لمن يعرفه من قريب أو من بعيد... فذلك درسٌ كفيل باستمرار روحه فينا. مكسيكو، أيار 2013 *** *** *** |
|
|