<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

أكرم أنطاكي الحاضر الغائب

 

محمد علي عبد الجليل

 

في أحد أيام أيلول/سبتمبر عام 2003، دفعني إعجابي الشديد بمجلة معابر إلى الاتِّصال للمساهمة في هذه المجلة الناشئة. ردَّ علَيَّ رجلٌ رحَّبَ بي ودعاني لزيارة مكتبه بدمشق. ولمَّا سألتُه عن اسمه قال: "أكرم أنطاكي". بدا لي من صوته إنسانًا بسيطًا عميقًا كأي قدِّيس. ولمَّا سألتُه عن العنوان ردَّ بأنه خلف البرلمان، وأضاف: "سأعطيكَ نقطةَ عَـلَّامٍ أهمَّ من البرلمان، وهي محل تصليح أحذية..." وفي أحد أيام تشرين الثاني/نوفمبر 2003، أكرمَني القـدَرُ بلقاء أكرم. وها قد مرَّت قرابةُ العشر سنوات واكبتُ خلالَها الكثيرَ من نشاطاته. وكان لأكرمَ الفضلُ بأنْ شرَّفَني بمعرفة الكثير من أعضاء مجلة معابر وأصدقائها. وأنا مَدين له بأنْ عرَّفني على فكر الفيلسوفة "الصوفية" "القِدِّيسة" سيمون ﭭـايل Simone Weil. وكان شديدَ الإعجاب بفلسفتها الإنسانية والروحانية. وقد طلبَ أكرمُ مني ترجمةَ كتابَينِ لها نشرَهما في معابر. فإنَّ لهُ الفضلَ إذًا في دخولي عالَـمَ الترجمة. فبالإضافة إلى عشرات المقالات التي كان يرسلها لي للترجمة، قد شرَّفني بطلب ترجمة قاموس اللاعنف، كما عرَّفني بمؤلِّفه الفيلسوف الفرنسي اللاعنفي وصديق معابر جان-ماري مولِّر Jean-Marie Muller الذي ما زِلتُ على تواصل معه والذي كتب إليَّ عندما أبلغتُه بغياب أكرم عن هذا العالَم:

نحتفظ بذكرى لا تُـنسى عن إقامتنا في سورية حيث كان أكرم أنطاكي قد استقبلَنا بكثير من اللطف... لا أنسى أيضًا أنني مَدين له في نشر كتابي «قاموس اللاعنف» باللغة العربية...

ولكنَّ الذكرياتِ التي أحتفظُ بها عن أكرم لا تُـنسى ولا تُحصى. كانت لقاءاتي شبه الأسبوعية به في مكتبه منفردًا أو بحضورِ أصدقاءَ تزيدني غنىً وتفتُّحًا وتَفتَح آفاقَ المعرفة والعِرفانِ أمامي. كنتُ أتناقش معه في كل شيء وأتَّفق معه في أغلب الأشياء. كان في السياسية محلِّلاً جريئًا شجاعًا بلغَـتْ شجاعتُه حدًّا جعلَـتْـه يلتزم بمبادئ اللاعنف قولاً وعملاً. وكان في الدِّين صوفيًا مؤكِّدًا أنَّ ابن عربي والحلَّاج أستاذان له ومعتبرًا نفسَه لاعنفيًا صوفيًا أكبريًا مسيحيًا غنوصيًا. ولم يكنْ يخفي إعجابَه بالكاثاريين cathares وبالماسونيين. هذا هو أكرمُ القابلُ طوعًا السَّيرَ على دروب الغنوص la Gnose [العِرفان] (وهو "معرفة الحقيقة، وهو السراط المستقيم"، بحسب تعبيره) والرافضُ الانتسابَ إلى أية مؤسَّسة دينية. فقد اكتشفَ، كسيمون ﭭـايل، يسوعَه ومسيحَه خارجَ أسوار الكنيسة، اكتشفَه في قلبِه الذي توقَّفَ عن النبض وما زال حيًا بالمحبة.

كانت إنسانيةُ أكرمَ تدهشُنا. كان يسأل عنا ويزورنا ويصرُّ على دعوتنا إلى ورشات مرمريتا حيث قضينا أجملَ الأوقات المفيدة. وكلُّ من عرف أكرمَ لمسَ فيه تلك الإنسانيةَ وأدهشتْه تلك الطيبةَ والبراءةَ والصدقَ والعفوية. كانت فيه صفات الأطفال. كان طفلاً كبيرًا يعيش الآيةَ "إن لم تعودوا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوتَ السَّـمَـوات". وكان الصحفيُّ الهولنديُّ وأستاذُ الفلسفة الصديقُ برنارد باومان Bernard Bouwman من أشد المعجَبين بشخصية أكرم أنطاكي، بلُطفه وببساطته وطيبته وإنسانيته وروحانيته وبراءته؛ فكان يعتبر زيارتَه لأكرمَ على رأس برنامجه كلَّما زار دمشق؛ وكنا نقضي ساعاتٍ طويلةً معًا في مكتب أكرم بدمشق نتناقش في السياسة والدين والفلسفة. وقد تحدَّثَ برناردعن أكرم في عدة مقالاتٍ منشورة[1]. ولمَّا أبلغـتُه برحيل صديقنا أرسلَ إليَّ يقول:

لقد كان أكرم أنطاكي إنسانًا عظيمًا ولطيفًا ومحبوبًا. ومِن المُحزنِ أنْ يرحلَ وهو يرى سوريَّةَ في وضعٍ مُـزْرٍ.

وكان ما يميِّز أكرمَ أنه يعيشُ ما يؤمن به. فاللاعنفُ في نظره لم يكنْ نظريةً بل كان منهاجَ حياة. كان يقول لي: "لو جاء إليَّ أحدٌ ليقتلَني لقلْتُ له اقتلْني". وهنا تكمن شجاعتُه. كان مؤمنًا متفائلاً بأنْ لا حلَّ إلَّا باللاعنف. وكان يناضل بكل ما أُوتيَ لتحقيق ما يؤمن به. وقد ساهم مساهمةً كبيرةً في نشر ثقافة اللاعنف من خلال مجلة معابر وورشاتها بصورةٍ رئيسية وبالتعاون مع صديقنا ديمتري أﭭـييرينوس Dimitri Avghérinos. وقد أشار أستاذُ العلوم الدينية والتصوف الإسلامي الصديق ﭙـيير لوري Pierre Lory إلى أهمية نشاط أكرم قائلاً:

لقد سَـعِـدتُ بأنْ تمكَّـنتُ من لقاء هذا الرجل [أكرم أنطاكي]. لقد كان حقًا «مناضلاً في سبيل الحقيقة» عندما نرى كل الطاقة التي بذلها في نشاطه، الطاقة المحرِّرة على جميع الصُّـعُد والمهمة جدًا في السياق الحالي لسورية.

كما أرسلَ الأبُ ﭙـاولودالّوليو Paolo Dall'Oglio (الراهب بولص) طالبًا متابعةَ الجهاد السِّـلْمي على خُطى أكرم وراجيًا الرحمةَ لروحه.

لم يكنْ أكرم أنطاكي مناضلاً سِـلْميًا فحسبُ، بل كان قدِّيسًا بحق، بحسب مفهوم القداسة عند سيمون ﭭـايل التي أثَّرَت بأكرمَ كثيرًا. "فالخير هو القداسة"[2]. وكان أكرمُ خَـيِّـرًا. تقول سيمون ﭭـايل في تعريفها للقداسة:

الفعل الخارق للطبيعة الوحيد في الدنيا هو القداسة نفسها وما شابهها؛ وهي أنْ تصبح َالوصايا الإلهيةُ لدى الذين يحبُّون اللهَ دافعًا وقوةً فاعلةً وطاقةً محرِّكة بالمعنى الحرفي كالوقود في السيارة. فإذا قام المرءُ بثلاث خطوات بدون أي دافع آخر غير الرغبة في طاعة الله فإنَّ هذه الخطواتِ الثلاثَ معجزةٌ؛ وتكون معجزةً أيضًا سواء تمَّتْ هذه الخطواتُ على الأرض أم على الماء. لكنها عندما تتم على الأرض لا يبدو أيُّ شيء مدهشًا[3].

وقد عرفْـنا أكرمَ إنسانًا مُحِـبًا. وكانت خطواتُه على الأرض وحركاتُه وسكَناتُه وغضبُه وهدوؤه تتمُّ بدافع المَحبَّة.

في الحقيقة، كان أكرمُ يشبهُ سيمون ﭭـايل كثيرًا، كما صرَّح في إحدى مقالاته، فـ"شبيهُ الشيءِ مُنجذبٌ إليهِ". يقول أكرمُ:

أمورٌ كثيرةٌ جذبتْني إليها [إلى سيمون ﭭـايل]، كالأخ، إنْ لم أقُـلْ كالعاشق الصوفي، فتملَّكتْني ولمَّا تزَلْ. وأولُ ما جذبني فيها صفاؤها المذهل وذكاؤها الحاد، وخاصةً – نعم خاصةً – صِدقُها العميق وروحانيتها التي كانت من أجمل ما أتيحَ ليَ الاطِّلاعُ عليه والإحساسُ به. وأيضًا مسيرتها التي كانت، من بعض جوانبها، شبيهةً بمسيرتي. فعلاقتها بشقيقها أندريه وبمن أحبَّت تُـذكِّرني دائمًا بعلاقتي بشقيقتي إكرام وبمن أحببْتُ في حياتي[4].

غابَ أكرمُ عن عيوننا الأرضية وما زال واقفًا حالمًا يردِّد مع سيمون ﭭـايل هذه الأبيات "الرُّواقية" [من القرن الثالث قبل الميلاد] الواردة في آخركتاب التجذُّر غير المكتمل:

إليك أقدِّم هذا العالَمَ الذي يدورُ مِن حولِنا،
هذا العالَمَ المُـطيعَ أينما أخذْتَـه والقابلَ جبروتَـكَ.
فهذه هي فضيلةُ العبد الذي تمسِكُه يدُكَ التي لا تُـقهَر،
تلك اليدُ التي تقبض معًا على النار الأزلية وعلى الصاعقة
[5].

في ختام هذه الكلمة، نتقدَّم، أنا وزوجتي، بتعازينا الحارة لزوجته ورفيقة دربه منى هلال وأولاده طارق ولانا ونورا وعائلاتهم. ونقول للسيدة منى ولأولاده: "أكرم غابَ عن أنظارنا وبقي في قلوبنا. أكرم سبقنا إلى عالَم الوعي الأسمى ليستقبلَنا هناك. أكرم حاضرٌ معنا وفينا. هناك أناسٌ شِـدَّةُ حضورِهم تجعلُـنا لا نُـصَـدِّق أنهم غابوا. أكرم أنطاكي واحد منهم."

صديقي أكرم،

رحلْـتَ وسوريَّةُ تحتاجُ إليكَ كثيرًا هذه الأيام.

فَـلَـكَ منا محبَّةٌ وإجلالٌ واحترام،

وعلى روحِكَ السلام.

*** *** ***


 

horizontal rule

[2]كتاب التجذُّر. تمهيد لإعلان الواجبات تجاه الكائن الإنساني، سيمون ﭭـايل، إصدار معابر، 2010.

[3]كتاب التجذُّر، المرجع السابق.

[4]مقال: "سيمون ﭭـايل: قدِّيسـة مـن هـذا الزمـان. وقفة أمام سيرة سيمون ڤايل الفكرية والروحية"، أكرم أنطاكي، معابر.

[5]قام بترجمة هذه الأبيات المرحوم أكرم أنطاكي.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود