في مهبِّ كلمة

 

خالد محمد المغربي

 

الخطيئة والغفران

تلك الليلةُ المذابةُ في جسدي

أثارتْ فيه عنفوانَ الذكرى الملتهبة

كالفراشة مع الزهرة كنت وديعًا جدًّا

أعزفُ أنشودةَ الغرام ومرسومةٌ على

ظهري ثورةُ البركان امرأةٌ جَمَعَتْ في جِيْدِها

كلَّ الآثام والذنوب

***

تلك مَن سرقتِ الأحلامَ الخفيَّة من

نومي وأعلنَتْها صرحًا يجذب ذوي الحيطة والفضول

وأيُّ جنونٍ هذا الذي اخترقَ جدارَ صمتي وأعلن عليَّ الحرب بالآثام

بعد أن اغتصبَ الفضيلة ليلة الهذيان العاصف

وألقاها بعيدًا عنِّي حيث تقيم طمأنينةُ أمِّي

***

أنا ذاك المترنِّح الخارج من حانات الهَوَس

المتَّكئُ على جدران اللاشيء

العابرُ فوق خطايا الأمس شوارعَ الآثام اليانعة مَن أكون

وَقَفَ الصمتُ بيني وبيني

سرتُ هائمًا تتقلَّب صفحاتُ الرياح أمام وجهي

وقفتُ

رفعتُ قدمي عن الأرض

إذ بجوف الثرى أكثر من فرعون

وعصًا واحدة

لموسى واحد انشقَّ البحرُ أمامه

تركني خلفه حيث الغرق أوطأتُ قدمي

ركضتُ أركضُ أركضُ ألتفت خلفي

إذ بجسدي يلوِّح لي بلهفة متوسلاً

كفِّر عنِّي الخطايا

فتركتُه مكبَّلاً بالذات مغمورةٌ فيه أبشعُ الآثام

ذهبتُ إلى أبي علَّني أجد الحقيقة فلم أجد شيئًا ولا حتى أنا

فأنا دائمًا أبحث عنِّي حيث لا أكون لا أجدني سوى نقيض بين

أمس وغد

سؤال وجواب

جسد وروح

إلهي ما هذا الذي أنا به

أقيامُ الساعة هذا

أم أنه هذيان ساعة إدراك الحقيقة

 

في مهبِّ كلمة

رجفةُ صمتكِ

واللحظةُ حكايةٌ بيننا

تدنَّى عنقودُ السؤال

مُدِّي يَدَ الجواب

وانعمي بقطوف رياحي

والمسي الزمنَ بنبضَةِ دفءٍ

تُعِير ملامحَ الهذيان بعضَ الوقت

لينفردَ بها بصرُ الذوبانِِ بِداخلنا

غناءُ الضياء البعيد موجعٌ

فلتغمرْنا عَتمةُ اللقاء

فما التراب إلا للتراب

هيا فالهدوء بلَّلَ

أرْجاءَ الانتظار بالقلق

وصوتُ الساعةِ

شيخٌ هرمٌ عكَّازُه لحظتي هذه

أمَا عرفتِ أن

القلبَ المعتَّقَ صبرًا أجادَ

الشركَ بوحدانيتي مُذْ رآكِ

فقَد جالَ التوقُّدَ مترنِّحًا

تتلقَّاه جدرانُ الغيب

فيهوي داخل اتِّكائه عليها

ليتناثرَ فوقَ صمتكِ الجليدي

بقايا معزوفة

أغمضَ الصَّمَمُ أعينَه لها

وهزَّ السكونُ رأسَه

هوسًا بها وانفجرتُ أنا

لملميني فبقايا انبعاثي نحوكِ

تناثرَتْ على طرقات

السعي نحوكِ من جديد

صدِّقيني

إنني لا أجيد وجهي

ولا صوتي ولا جسدي

ولا أُتقنُ روحي

أحيانًا أحاول

فلا أستطيع إلا

أن أغنِّي هذياني

جسدي وطني

الذي أعيش فيه

أمَّا باقي التراب

فليس لي

تركتُهُ لعقرب الساعة

تِكْ... تِكْ... تِكْ

فليُتَكْتِكِ العقربُ

كما يشاء

جسدي وطنٌ

أنعم في خُلوِّه من غيركِ

لكِ النعيمُ بثرواته فلا

تحرميه من النشيد والعلم

دعينا الساعةَ نمارس

الإدمانَ على ما للغيب منَّا

جرِّبي... أترين

كم نجيدُ التكهُّنَ بلحظةِ

امتزاجِنا بالعشب

انظري كم تجيدين

الغوصَ في الطين

أيُّ عالمٍ أسفل الرؤى هذا

هاتي يدكِ لنسبحَ أعمق

حرِّكي معي لحظةَ

الوقوف لنغوصَ

ربَّاه كم يبدو القاعُ جميلاً

انظري شرنقةَ الارتعاش تلك

لا بل قفزةَ التمدُّد هذه

أيُّ مزيج عميق نحن

أيا نادلَ الصمت

مزيدًا من الغيب أرجوكَ

فأقداح الانبعاثِ فينا

نمدُّها إليكَ زِدْنا

فآخرةُ الانتشاء منَّا

لا قِبَلَ لنا بها زِدْنا مِن

أمَدِ الآن وليغمرْنا صدى اللحظة بالتشفِّي من

المسافات التي لم نسلكها

ونحن هنا ننعم بنشوة الأمل

اللحظةُ أجادتْ رَسْمَ

اسمِها على صوتي ومَشَتْ

يا عمَّه أين أجد شيخًا في

هذا المضيِّ

يُعلِّمُني فنون اللقاء

تعِبتُ

لا سبيل لديَّ للوصول

لقد نَفَدَ كلُّ زمنٍ ادَّخرتُه للغد

أريني وجهةً بعيدةً

عن اتجاه خطواتي

لقد مللتُ كلَّ اتجاهاتها

حتى تشققَتْ نبضاتي

ولم يعدْ بوسعي المضيُّ

ما الذي حدث

يا رفيقي يا ناس يا عالم

يا مَن بِعتُم طريقي للوقوف

اغرورقَتْ أنفاسي مدًّا وجزرا

والزَّبَد تكوَّن اسمُه الناريُّ

في حصَّالة السنين

يا أيها المتنبي

يا طاغور الحكيم

يا غوته ويا السيَّاب

لقد سالَ صوتي في حلقي

والانتظارُ يلوكُ خطواتي

والزمنُ يضعُ يدهُ في جيبِهِ

فتخرجُ برحيله عِبْر ملامحي

تجعَّدَ مذاقُ السُكَّر

واللعبِ والضجيجِ الممتعِ

ما عاد لي ظِلٌّ يجيدُ

النطقَ بشكلي

ما عاد شيءٌ فيَّ يشبهني

لي رفاق كُثُر

أضعتُهم في تجرُّح أقدامي

وسط شارعي الأول

حيث والدتي هناك

تحوكُ لي قلبًا آخر

بحلمها في أن أكون

أو أن أصل إليَّ

لو أنها تعلم بِكَمْ

قدَّرتِ الأيامُ اسمي

لكانت أبقتْه بين شفتيها

صدِّقوني

إنني أرى وجوهَ نظراتكم

وهي تُمعِن النظرَ

في المسافة بيننا

لو تعلمون فقط بأن

ضجيج العالم بأكملهِ

في مهبِّ كلمة واحدة

بنغازي، ليبيا

*** *** ***